تدفع السياسة التي تنتهجها السلطة وحكومة الوفاق على حد سواء، بقطاع غزة نحو حافة الانهيار، على ضوء توالي الأزمات الانسانية بدءا بقطع رواتب (40 ألف موظف)، ثم اعاقة عملية الإعمار، إضافة إلى إغلاق المعابر بشكل شبه كلي، وصولا إلى زيادة مدة انقطاع التيار الكهربائي إلى نحو 20 ساعة يوميا.
وتقف حكومة الوفاق الوطني -التي جرى تشكيلها في ابريل الماضي بمهمات محددة- على مسافة بعيدة من مشاكل المواطنين الغزيين الأمر الذي يضع القطاع أمام خيارات صعبة خلال الأيام أو الاسابيع القادمة، كما يتنبأ الكثير من الساسة وكتاب الرأي.
وفي الوقت الذي تدفع فيه غزة ضريبة باهظة، تتنازع الحكومة التي تتخذ من رام الله مقرا لها، أموال المنحة القطرية (25 مليون$) المخصصة لإعادة اعمار قطاع غزة وتغطية نفقات الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الطاقة الوحيدة في غزة، اضافة الى تقديم سلف للموظفين المقطوعة رواتبهم.
وتعارضت تصريحات شوقي العيسة وزير الشؤون الاجتماعية في الحكومة التي يرأسها الاكاديمي رامي الحمدالله، حول أن قرار منع (إسرائيل) تحويل أموال المقاصة إلى السلطة سيدفع الحكومة لتخصيص كل المنحة القطرية لحل مشكلتي الكهرباء والإعمار، دون الرواتب، مع ما قاله وزير العمل مأمون أبو شهلا "إن الحكومة قد تستعين بأموال المنحة القطرية التي كانت مخصصة لإعمار غزة لتكملة صرف رواتب السلطة الوطنية".
هذا التناقض في التعامل مع المنحة المقدمة من الدوحة، يعطي مؤشرا واضحا على أن الحكومة تصم آذنيها اتجاه تفاقم معاناة المواطنين الغزيين، وهو أمر أثار أيضا ردود أفعال نقابية وشعبية غاضبة.
وزادت نقابة الموظفين في قطاع غزة حراكها النقابي بشكل شبه لافت للضغط على حكومة التوافق للاستجابة إلى مطالبهم الرامية للاعتراف بهم رسميا، ودمجهم إداريًا وماليًا مع موظفي السلطة، حيث أشارت مصادر طبية إلى "الرسالة" أن الطواقم العاملة في المشافي اضربت أمس عن العمل بشكل كامل في الأقسام الحيوية والأكثر خطورة (القلب- الكلى).
وأوضحت المصادر أن الاحتجاج أخذ في التصعيد على نحو غير مسبوق، على إثر ضرب الحكومة عرض الحائط بحقوق الموظفين ومطالبهم التي وصفتها بـ"الشرعية".
ويؤكد نقيب المهن الطبية عبد القادر العطل، أن العمل النقابي لن يتوقف إلا بحصول الموظفين على حقوقهم كاملة، لافتًا إلى أن نقابته تنظم سلسلة من الفعاليات النقابية لإنهاء معاناة الموظفين وصرف رواتبهم ومستحقاتهم المالية عاجلا.
وحمل العطل الحكومة المسؤولية عن عدم صرف رواتب الموظفين والاستجابة لمطالبهم وتبعات الإضراب، مستغربًا تنكر مجلس الوزراء الأسبوع الماضي لحقوق الموظفين.
وكانت قد نشرت "الرسالة" محضر الاجتماع الحكومي الذي عقد الثلاثاء الماضي في غزة، وقد احتوى على نصوصا صريحة بإعادة الموظفين القدامى، ومن ثم العمل بالاستعانة بالموظفين الذين عينوا بعد الرابع عشر من يونيو/ حزيران 2007 حسب الشواغر المتوفرة.
غير أن العيسة حاول توضيح ما سمّاه بـ "اللبس" المتعلق بقرار مجلس الوزراء، مشيرا عبر صفحته على موقع فيسبوك أن هناك فهما خاطئا للمادة الثالثة من قرار مجلس الوزراء في 30-12 بخصوص الشواغر، قائلا "هي فقط تقتصر على الفئات العليا كالوكلاء والمدير العام ممن عينوا قبل 2/6/2014 فهؤلاء سيتم دراسة ملفاتهم فقط وقد يتم اجراء مسابقة تعيين لهم مرة أخرى".
الحالة الراهنة ولّدت حراكا شبابيا حرا، تحت مسمى "لجنة الدفاع عن وحدة الوطن"، أصدر بيانا صحفيا أمس الأحد نص صراحة على خطوات تصعيدية تجاه الحكومة.
وأبرز ما ورد في بيان الحراك الشبابي ضرورة "محاصرة وزراء غزة في مقار عملهم وبيوتهم حتى اجبارهم على تقديم الاستقالة، وعدم تمكين موظفي رام الله من تلقي رواتبهم عبر البنوك، إضافة إلى اغلاق بنوك غزة بشكل كامل وشل حركة المصارف، بما يُعطل منافع القطط السمان مما سيدفعهم للتدخل لحل الأزمة" وفق البيان.
هذه الدعوى وإن لم تحمل شكلا أو اطارا نقابيا واضح المعالم، لكنها تنضوي على أهمية بالغة، خصوصا في هذا التوقيت الذي يستشعر فيه الغزيون بخطورة محاولات اقصاءهم.
ويفسر مراقبون على الساحة الفلسطينية، تعمد السلطة تجاهل الكارثة الانسانية الحاصلة في القطاع، بأنه عائد إلى محاولة إبدائها (أي السلطة) حسن النية اتجاه الأطراف المختلفة (الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي)، بمعنى أخر تحاول الرئاسة كسب الدعم الخارجي على حساب الانقسام الداخلي.
في الأثناء، قدّم النائب في المجلس التشريعي يحيى موسى نصحه إلى حركة حماس، بضرورة أخذ زمام المبادرة لجمع الساحة الوطنية نحو مشروع وطني وقيادة يلتقي عليها الشعب الفلسطيني، إضافة إلى التوافق حول برنامج واستراتيجية سياسية جديدة.
وقال النائب موسى لـ ""، "الحاجة الملحة الآن إلى اصطفاف جبهوي لمواجهة تحديات محاولات اقصاء غزة، معتبرا أن المال ليس معيقا أمام تشكيل إطار وطني مدعوم شعبيا.
بينما شدد المستشار السياسي السابق يوسف رزقة على اهمية أن تراعي الحكومة حقوق الموظفين، وألا تقفز عنها، خصوصا بعدما طال صبرهم وانتظارهم.
وأكد رزقة في مقال له تحت عنوان (وزراء في غزة)، أن على الحكومة أن تعدل بين المستنكفين والعاملين من الموظفين، قائلا: "المستنكفون والعاملون رزمة واحدة إن كنتم من أهل العدل والحكمة".