شكّل رحيل الملك السعودي منعطفًا مهمًا، في مسار المنطقة المزدحمة بالأحداث والأزمات السياسية، في ظل مرحلة خطيرة تمر فيها المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، خاصة بما مثلته المملكة من ثقل كقطب محوري في المنطقة.
وبينما انشغل الساسة بوداع الملك، سلّطت وسائل الاعلام والنخب السياسية أنظارها صوب الملك الجديد الذي جاء بفريقه، قبل أن يغادر الفريق الملكي الأول سدة الحكم في البلاد.
وقد أعلنت المملكة عن تعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز ملكًا للبلاد، وشقيقه مقرن وليًا للعهد، فيما أعلن الملك في أول مرسوم له اعفاء متعب بن عبد الله وبندر بن سلطان وخالد التويرجي أبرز رجال الحكم في عهد الملك السابق وصانعي سياسة المملكة خلال 3 عقود خلت، بحسب المراقبين.
ملفات ثقيلة بانتظار الملك الجديد وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي لعبت المملكة فيها دورًا مهمًا على شقيها الداخلي والمتعلق بالاحتلال، ولا سيما في ظل فشل عملية التسوية واستمرار المخاطر المحدقة بالمقدسات، ومواصلة الحصار المفروض على القطاع.
الخارطة السياسية المقبلة في السعودية لم تتضح ملامحها بعد -بحسب المراقبين- تحديدًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لكنّ ثمة من راوده الأمل بتغيير افضل لصالح القضية الفلسطينية ومصالح الشعوب العربية.
مؤشرات إيجابية
المراقبون وجدوا في خطوات الملك الجديد بإعفائه للفريق الملكي السابق، الذي ناصب العداء لبعض قضايا الشعوب، وسوق لعلاقات سرية مع الاحتلال بغرض الاعتراف به، طبقًا لما صرّح به بعض ساسة الاحتلال، خطوة لتعديل مسار المملكة وإعادته صوب مساره الحقيقي الداعم للقضية الفلسطينية.
الدكتور عزام التميمي رئيس المعهد الفلسطيني للدراسات قال إن "فريق العمل السابق كان مناهضًا للقضية وعمل على فتح خطوط سابقة مع (إسرائيل)"، معتبرًا أن المؤشرات تعطي أملا بأن السعودية في ظل الملك الجديد ستعيد النظر في بعض السياسات التي أدّت لتشويه سمعتها وتورطها في سياسات مناهضة لرغبات الشعوب في المنقطة.
ورأى التميمي خلال حديثه لـ أن ذات الأمر ينطبق على العلاقة مع المقاومة الفلسطينية، خاصة أن الفريق السابق هو ما أثار العداء ضد حركة حماس تحديدًا، بدعوى أنها المسئولة عن افشال مبادرة الملك للمصالحة بين حركتي حماس وفتح في مكة عام 2007م.
وأشار إلى أن هذا الفريق هو من شكل ارضية معادية ضد المقاومة وصمت عن تعرض القطاع للحصار في غزة، معربًا عن امله باختفاء هذه السياسات بوجود الفريق الملكي الجديد.
وقد كشفت وثيقة سرية نشرت على موقع ويكيليكس في عام 2007 عن رؤية العاهل السعودي الجديد المستقبلية بعد أن تولى مقاليد الحكم عقب وفاة شقيقه عبد الله.
وذكرت الوثيقة أن السفير الأمريكي أ. هيرناندير لدى المملكة العربية السعودية آنذاك، قد أجرى مكالمة مع الأمير سلمان، والذي كان حاكما للرياض في ذلك الوقت، قال فيها إن العلاقات بين البلدين تقوم على أجندة الحكومة السعودية والتي تهدف إلى بذل المزيد من جهود الإصلاح من أجل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وقالت الوثيقة إن الأمير سلمان -وقتها- عبر عن أمله في أن تتفهم الولايات المتحدة و(إسرائيل) أهمية الوصول إلى حل لهذه القضية، مشيرا إلى أن (إسرائيل) لديها الفرصة لتحقيق ذلك من خلال المبادرة التي قدمها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والتي وفرت كافة الضمانات لتحقيق السلام في المنطقة.
وبرأي مراقبين فإن سلمان لن يكون بمقدوره تجاوز الخطوط السياسية العامة لبلاده واعلان وفاة مبادرة السلام العربية، إلّا أنه على الأقل قد تكون لديه فرصة في تقليل حجم الفجوة بين المملكة والأقطاب السياسية بالمنطقة وفي مقدمتها قوى المقاومة.
مطالب فلسطينية
من جانبه، لخصّ الدكتور أحمد يوسف رئيس معهد بيت الحكمة والقيادي بحماس، مطالب الشعب الفلسطيني من الملك الجديد، على نحو يقضي الملك من خلالها على ثلاثية "الحصار والاحتلال وخنق المقاومة".
وأكدّ يوسف أن الفلسطينيين يتطلعون لتعزيز دور السعودية في احتضان موقف المقاومة فلسطينيًا والضغط على الجانب المصري من أجل فتح المعبر ورفع الحصار بشكل كامل عن القطاع، وأن يكون لها دور في تخفيف حالة الاحتقان القائمة بين مصر وحماس.
أمّا عن المبادرة السعودية، فهي برأي يوسف قد وأدت في اليوم الأول الذي رفضتها فيه (إسرائيل) وامريكا ومعها دول الغرب، معربًا عن أمله بإعادة تفعيل قضية المصالحة الفلسطينية التي تخلت عنها مصر.
أمّا بالنسبة للعلاقة مع حماس، فلم يخف الرجل أن الحركة عانت من سياسة التضييق خلال فترة الفريق الملكي السابق، مؤكدّا ضرورة تعزيز العلاقة مع المملكة الى حد علاقة الحركة مع تركيا وقطر وإيران، خاصة في ظل ما تتمتع به السعودية من دور ريادي ومحوري بالمنقطة.
وقد أكد إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس حرص حركته على إقامة علاقات متوازنة مع السعودية، لافتا إلى دورها المتقدم في دعم القضية الفلسطينية عبر المراحل السابقة.