د.عدنان أبو عامر
يُعد الاشتباك الذي وقع بين عناصر من "لواء غولاني" التابع للجيش الإسرائيلي وبين نشطاء المقاومة الفلسطينية بالقرب من الحدود مع قطاع غزة في 26 آذار المنصرم الأكثر خطورة منذ نهاية عملية "الرصاص المصبوب" في كانون الثاني 2009.
حيث أدت هذه العملية إلى تفاقم التوترات الآخذة بالفعل في الارتفاع، وأضافت إلى المخاوف التي تنتاب المنطقة من أن حرباً أخرى في قطاع غزة قد تلوح في الأفق.
علماً بأنه ليس لدى حماس أو إسرائيل مصلحة واضحة في تجديد الأعمال القتالية على نطاق واسع، لكن ديناميات صراع الحدود تشير في اتجاه قيام أعمال تصعيد، وهو ذاته الوضع السابق حين لم يرغب الجانبان بالضرورة الدخول في حرب كانون الأول 2008، لكنها حدثت على أي حال.
ارتفاع حدة التوتر
"جيفري وايت" الخبير الأبرز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى قال مؤخراً في تعقيب له على هذه التطورات إن الاشتباكات الجارية حالياً على طول الحدود أو بالقرب منها تزيد أيضا من حدة التوتر، فهي جزء من صراع بين المقاومة والجيش الإسرائيلي للسيطرة على المنطقة العازلة.
علماً بأن العقيدة العسكرية الإسرائيلية للرد على مثل هذه الحوادث هي اتباع نهج هجومي، لذلك يُتوقع قيام القادة العسكريين بالرد بقوة، باشتباكهم بصورة مباشرة مع النشطاء الفلسطينيين داخل المنطقة العازلة، وحتى بمخاطرتهم في تحمل خسائر بشرية.
وبالمثل، صدرت الأوامر لـكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس بمعارضة التوغل الإسرائيلي في المنطقة العازلة وبصورة نشطة، حيث أنشأت شبكة مراقبة تُنبه القادة عن وقوع توغلات كهذه، مما يسمح لـحماس القيام برد سريع.
وهكذا تحدث جميع هذه التطورات في سياق الاستعدادات العسكرية المستمرة من قبل الجانبين، التي يعتقد الكثيرون بأنها ستعكس قيام صراع كبير آخر، وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي لا يسعى الخوض في حرب كهذه، فإنه يقوم فعلاً بالتحضير للجولة القادمة منذ نهاية عملية "الرصاص المصبوب".
وفي وقت سابق، أكملت القيادة العامة الجنوبية للجيش مناورة عسكرية رئيسية ركزت على تجدد الصراع في قطاع غزة، وفي أعقاب عملية كيسوفيم، نشرت إسرائيل بطاريات مدفعية إضافية قرب الحدود.
فيما واصلت حركة حماس وفق تسريبات صحفية حشدها الخاص الذي تقوم به منذ عملية "الرصاص المصبوب"، باستيرادها الأسلحة بما في ذلك صواريخ جديدة بعيدة المدى، وتحصين مواقعها، وتوسيع شبكة أنفاقها العسكرية تحت غزة.
بمعنى آخر، فإن كلا الجانبين حساسان لأي تطور يحدث في الساحة، ويراقب كل واحد منهما عن كثب نشاطات الجانب الآخر.
ديناميات الصراع في غزة
إن الوضع الحالي معقد وآخذ في التغير، فقد أدت زيادة حدة التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الضفة الغربية إلى زيادة عمليات إطلاق الصواريخ من غزة، في الوقت الذي تقوم فيه الفصائل في القطاع بإظهار دعمها لتلك العاملة في الضفة الغربية.
وقد يؤدي التنافس السياسي الفلسطيني داخل وخارج قطاع غزة إلى دفع حماس، ولو على مضض، إلى اتباع سياسة أكثر ميلاً إلى الجرأة بشأن القيام بهجمات على إسرائيل، وإذا لا يحدث ذلك عن طريق قيامها بشن ضربات بصورة مباشرة، فسيحدث من خلال منح المنظمات الأخرى المزيد من الحرية.
على أية حال، عندما يتم إطلاق صواريخ على إسرائيل، غالباً ما يقوم الجيش الإسرائيلي بالرد عن طريق ضربه أهداف تابعة لحركة حماس، وعندما يقترب نشطاء فلسطينيون من السياج الحدودي، تقوم قوات الجيش بالرد بقوة.
حيث تسعى إسرائيل إلى تعزيز مستوى الردع الذي حققته في عملية "الرصاص المصبوب" عن طريق القيام بغارات جوية وإصدار تحذيرات، ولكن هناك شعور بأن هذا لا يكفي، حيث يتآكل ذلك الردع في ظل الظروف الراهنة.
ويشعر الإسرائيليون في الجنوب أيضا بشكل متزايد بعدم الارتياح إزاء تصاعد الهجمات الصاروخية وحوادث الحدود، مما يزيد من الضغط القائم على الحكومة والجيش للرد بقوة.
وعلى الأغلب كان كبار المسئولين الإسرائيليين حذرين من الوضع، على الرغم من أن وزير المالية من حزب الليكود "يوفال شتاينتس"، ذكر بأن إسرائيل قد تضطر إلى إعادة احتلال قطاع غزة لكي تدمر نظام حماس.
بالإضافة إلى ذلك، اتخذ بعض ضباط القيادة الجنوبية موقفاً عاماً أكثر تشدداً من الموقف الذي يتخذه رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي "غابي اشكنازي"، الذي كان حتى الآن حذراً جداً.
وهكذا، يرى الباحث الأمريكي "وايت" فإنه منذ عملية "الرصاص المصبوب"، تتمتع إسرائيل بهدوء نسبي في جنوب البلاد، وتفتقر إلى مبررات كافية للقيام بعملية كبيرة في غزة.
كما تجد نفسها في خضم الجدل السياسي الصعب الدائر مع واشنطن، والذي يمكن أن يتفاقم باندلاع حرب أخرى، ويبدو أن حماس تحتاج إلى فترة هادئة لأسبابها الخاصة.
وعلى الرغم من هذه التحفظات على كلا الجانبين، تتجه ديناميات الوضع في غزة نحو حدوث المزيد من العنف وقيام عمليات عسكرية أكبر حجماً، إن إدارة هذه الديناميات، ومنع وقوع صراع كبير ستشكل تحدياً لكل من إسرائيل وحماس على حد سواء..فهل ينجحا في ذلك، ويمنعان وصول الأمور إلى مواجهة دامية ستعتبر الحرب السابقة بالنسبة إليها "بروفة" مصغرة؟