يختلط الحابل بالنابل في الحملات الأمنية التي تقوم بها أجهزة السلطة "الفلسطينية" في مخيمات الضفة الغربية، مما يجعل كل المكتوين بنارها ينتفضون رفضا لها وفي مقدمتهم حركة فتح التي تنتمي لها تلك الأجهزة.
وتطور المشهد في الضفة - وفق ما ذكرت مواقع فتحاوية- إلى أن يعلن 81 ضابطا وجنديا في أجهزة السلطة تمردهم على قرارات قياداتهم بالهجوم على مخيم بلاطة شرقي نابلس، الأمر الذي أدى إلى احتجازهم.
وأكدت تلك المواقع أن المتمردين ينتمون للقوة الخاصة "101" التابعة للأمن الوطني، موضحة أن قيادات أجهزة السلطة تساوم المحتجزين بين الراتب أو الفصل.
وكانت أجهزة السلطة في الضفة الغربية، صعّدت حملاتها الأمنية في مخيمات الضفة وتحديدا في مخيمي بلاطة وجنين، حيث تقف مجموعة من الأسباب الخفية وراء تلك الحملات التي تتستر خلف أهداف وطنية كـ"محاربة السلاح غير الشرعي وملاحقة الخارجين عن القانون والمحافظة على الأمن والاستقرار".
غير أن الأسباب الحقيقية للحملات تعود إلى الخلافات الداخلية الفتحاوية وحالة التحزب لتياري رئيس السلطة محمود عباس والقيادي المفصول من الحركة محمد دحلان، على عكس ما تروج به السلطة من أن الحملة ضد الفساد.
تصفية حسابات شخصية
ولم يخفِ غسان الشكعة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس بلدية نابلس، بأن الحملات الأمنية التي قامت بها أجهزة السلطة في مخيمات الضفة لم تخلو من تصفية الحسابات الشخصية قائلا "هناك بعض الأفراد والاتجاهات لهم حسابات شخصية"، مضيفا "نحن بشر وليس بالضرورة أن نكون على مستوى واحد من الكفاءة والانتماء والالتزام، فلا بد أن يكون هناك خلل عند كل الأطراف".
واستبعد الشكعة في حديثه لـ"الرسالة" أن يكون من تزعموا "التجاوزات الأمنية" تابعين لدحلان، لافتا إلى أن هؤلاء نفوا ذلك في بياناتهم عبر الإعلام وأعلنوا بوضوح أنهم مع "الشرعية" في صف رئيس السلطة محمود عباس.
وحاول الشكعة التفرقة بين ما قال عنها الأهداف العامة والخاصة للحملات الأمنية في الضفة الغربية، معتبرا أن الأهداف العامة تتمثل في المحافظة على النظام وتطبيق القانون.
أما عن الأهداف الخاصة للحملة الأمنية في مدينة نابلس وتحديدا في مخيم بلاطة، فقد حصرها الشكعة في القبض على تجار المخدرات والخارجين عن القانون!، مشيرا إلى أن هناك قرارا من رئيس الوزراء ووزير الداخلية رامي الحمد الله بهذا الخصوص.
وأعرب الشكعة عن تفاؤله بزيارة الحمد الله لنابلس واجتماعه بقيادة الأجهزة الأمنية والشرائح المجتمعية في المدينة، مؤكدا أن "الحل كان يجب أن يكون على طاولة الحمد الله وهذا تم بنجاح" وأن الحياة عادت إلى طبيعتها في المدينة، وفق ما ذكر.
صنيعة أجهزة السلطة
أما النائب فتحي قرعاوي، فقد اختصر ما يجري في مخيمات الضفة بالقول "من يزرع الشوك لا يمكن أن يجني العنب"، مذكرا بحقيقة أن السلطة هي من زرعت البُغض مع شعبها وأنه من المستحيل صفاء العلاقة بعد أن كسرت السلطة كل الأشرعة والعلاقات مع شعبها.
ووفق متابعته لتطورات الأحداث في مخيمات الضفة، فقد حذر قرعاوي في حديث لـ"الرسالة" من أن ما يجري ما هو إلا بداية الانفجار بعد أن تجاوزت أجهزة السلطة كل المحرمات والممنوعات في ممارساتها ضد المواطنين في مخيمات الضفة، مؤكدا أن استمرار الحملات الأمنية بهذا الشكل يؤسس لشيء خطير للغاية.
وعبر قرعاوي عن اعتقاده بأن الأمور تسير إلى الحسم داخلي وعدم الرضا نتيجة لحالة الضغط الشديدة والاحتقان الحاصل في المخيمات من جراء الحملات الأمنية المتكررة، فضلا عن أن هناك نسبة 70% من المخيمات تعاني من البطالة وتفشى الغلاء الفاحش وتزايد حالات الضغط النفسي والاعتقال والملاحقة اليومية للشباب. وتساءل "ماذا قدمت السلطة إزاء كل ذلك؟ ."
وحول حقيقة أن الحملات الأمنية تستهدف الخارجين عن القانون، قال قرعاوي " السلطة بنيانها هش، وإذا أرادت أن تستعدي الحركة الإسلامية أو المعارضين من اليسار أو تدعم طرف على آخر من فصيلها تتهمهم الخروج على القانون".
وأشار إلى أن هناك معتقلين في سجون السلطة من كافة الفصائل والاتجاهات بما فيهم التابعين لفتح، مؤكدا أن ذلك يعني بأن السلطة تتبع سياسة الحسم مع كل من يعارضها، وبالتالي لن يكون هناك أي نوع من التسامح والاستيعاب الداخلي للسلطة من أي فصيل أو أي طرف .
وكانت كتائب شهداء الأقصى مجموعات الشهيد "أمين لبادة" شنت هجوما عنيفا على أجهزة السلطة، محملة إياهم المسؤولية عن تبعات الاعتداءات على المنازل واقتحامها بشكل همجي.
وحملت الكتائب في بيان لها من أسمتهم "كبار المسؤولين في السلطة" تبعات ما جرى، محذرة من أنها لن تتهاون إذا تكررت الاعتداءات، وطالبت في نهاية المطاف بأن لا تمس الحملات الأمنية من وصفتهم "الشرفاء والمناضلين".
انقلب السحر على الساحر
من ناحيته، يرى عبد الستار قاسم استاذ العلوم السياسة في جامعة النجاح، أن ما يجري في الضفة من اشتباكات بين حركة فتح وأجهزة السلطة التابعة لها " نتاج ما جنته السلطة عندما شجعت على الزعرنة والبلطجة".
وأوضح قاسم لـ"الرسالة" أن السلطة هي من صنعت "الزعران" في الضفة من أجل ترهيب وتخويف المواطنين والاعتداء عليهم، لافتا إلى أنه بذلك يكون "انقلب السحر على الساحر".
وقال قاسم "هؤلاء زعران يتصارعون مع بعضهم البعض سواء كانوا في أجهزة السلطة أو في حركة فتح"، مشيرا إلى استياء الشارع الفلسطيني من الفوضى والفلتان الحاصل في الضفة الغربية.
وختاما، فلم يعد خافيا على أحد حجم التطهير الذي ينفذه محمود عباس وأتباعه داخل السلطة وحركة فتح، بغية القضاء على أتباع القيادي المفصول محمد دحلان ومنع تعاظم قوته، حيث طالت "الحملة التطهيرية" في الآونة الأخيرة عددا من قيادات الحركة.