لم يكن اعتقال الشاب العشريني أنس جود الله لأكثر من عامين متتالين إدارياً لدى الاحتلال، وخوضه إضرابا مفتوحا عن الطعام لـ63 يوما، للمطالبة بإنهاء معاناته مع الاعتقال الإداري، أمرا كافيا بنظر أجهزة السلطة في مدينة نابلس، للنيل من إرادته وعزيمته، لتعتقله بعد شهرين من إفراج الاحتلال عنه، وتزجه في اعتقال آخر إداري، لكن ببصمة فلسطينية هذه المرة.
فبعد أن عدمت السلطة الحجج والمبررات التي لم تعد تنطلي على المواطن أو المؤسسات الحقوقية وغيرها، وجدت تلك الأجهزة ضالتها في "الاعتقال على ذمة المحافظ"، لتستمر في جريمة الاعتقال السياسي بالضفة، دون توجيه أي تهمة أو عرض الأسير أمام النيابة أو أية محاكمة، ليشبه لحد كبير الاعتقال الإداري الذي تمارسه (إسرائيل) ضد أكثر من خمسمائة أسير فلسطيني لديها.
أنس جود الله، هو واحد من عشرات الشبان الذين تعرضوا للاعتقال على يد أجهزة السلطة بالضفة المحتلة، تحت بند (على ذمة المحافظ)، ليمضوا أياما وشهورا في الاعتقال، دون معرفة مصيرهم ولا أي موعد للإفراج عنهم ولا حتى التهمة الموجهة ضدهم.
وأمضى أنس في اعتقاله الأخير لدى السلطة 66 يوما، خمسون منها على ذمة المحافظ، إلا أنه تم الإفراج عنه في العاشر من الشهر الجاري، بكفالة مالية مقدارها 5 آلاف ديناري أردني، وتحديد جلسة محاكمة أخرى له في السابع من الشهر القادم.
وعن تفاصيل اعتقاله يقول أنس:"لم يتم عرضي على أي محكمة ولا أي جهة قانونية، ولم يوجه لي تهم واضحة، فكان ذلك كفيلا لأن أعرف أني معتقل على ذمة المحافظ، فهذا الاعتقال يسمح باحتجاز الشخص لستة شهور دون توجيه أي تهمة".
ويضيف:"هذا اعتقال تعسفي دون توجيه تهم، في بداية اعتقالي كان هناك عنوان عريض يتحدثون معي فيه، وهو حول اعتقالي لدى الاحتلال، حيث كان المحقق يقول لي أنه من حقنا أن نعرف ما هي المعلومات التي تم اعتقالك بسببها".
وبعد مرور خمسين يوماٍ من الاعتقال على ذمة المحافظ، وبعد أن رفع أنس ومعتقلين آخرين شكوى ضد محافظ نابلس لدى الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، تم عرضهم أمام النيابة وتوجيه تهمة إثارة النعرات الطائفية ضدهم.
وأشار جود الله إلى أن هذه التهمة عادة ما يتم توجيهها للمعتقلين السياسيين بالضفة، لتكون غطاءً ومسوغاً قانونياً للأجهزة لاستمرار الاعتقال، مضيفا:"لا يتم التحقيق معنا على تلك التهمة، بل على تهم أخرى تتعلق بانتمائنا لحركة حماس، والقضايا التي اعتقلنا لأجلها لدى الاحتلال، لكنهم لا يعترفون بذلك أمام المحاكم ولا يوجهون لنا تهمة الانتماء لحماس لأنها غير محظورة بالقانون، وبذلك يكون لديهم مسوغ لاستمرار اعتقالنا".
واعتقل أنس جود الله ثلاث مرات لدى الاحتلال، بينما اعتقل سبع مرات لدى أجهزة السلطة، اثنان منهما على ذمة المحافظ.
بدوره، أوضح المحامي غاندي الربعي، مدير دائرة الرقابة على السياسات والتشريعات في الهيئة المستلقة لحقوق الإنسان، إن الاعتقال على ذمة المحافظ هو اعتقال إداري حسب قانون منع الجرائم الأردني عام 1954م، مع العلم أن هناك مرسوما رئاسيا صدر عام 2003 حد صلاحيات المحافظين، لكن بقي العمل بهذا الأمر، وخصوصا الفقرة المتعلقة باحتجاز المواطنين كإجراء وقائي دون توجيه تهمة أو عرض على النيابة، ودون محاكمة عادلة.
وقال غاندي في حديثه لـ إن:"هذا الاعتقال يستند لقانون منع الجرائم الأردني، ولكنه غير دستوري، لأن القانون الأساسي نفى اعتقال أي شخص إلا بتهمة ومحاكمة عادلة".
وتابع:"أي اعتقال لمواطنين على ذمة المحافظ هو شكل من أشكال الاحتجاز التعسفي، بحيث أن قرار الاعتقال والإفراج يكون إداريا وبيد المحافظ، وكأنه يمتلك سلطة لاحتجاز المواطنين واحتجاز حريتهم دون تهمة، وبشكل تعسفي".
ولفت المحامي إلى أن الهئية المستقلة لحقوق الإنسان قدمت طعنا للمحكمة العليا بصفتها الدستورية، ضد الاعتقال على ذمة المحافظ، إلا أن المحكمة ردت الطعن دون توضيح الأسباب، مضيفا:"هذا أمر مستغرب جدا، ولا يوجد أي توضيح لرد الطعن ودون سماع مرافعتنا".