غزة- فادي الحسني
تصاعدت أصوات المولدات الكهربائية مع انقطاع التيار الكهربائي عن مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وبدت حياة اللاجئين البائسين قاطني المخيم، أشبه بورشة تعج بالضوضاء.
ووسط هدير المولدات، يتهافت المواطنون على اتمام أعمالهم المنزلية المرتبطة بالكهرباء، فبعض ربات البيوت دفعن أزواجهن لإعمال المولدات لإكمال خبزهن أو غسيلهن، وأخريات حرصن على تشغيل مضخات المياه تمهيدا لرفعها للخزانات، فيما حرص أصحاب محال تجارية تشغيل المولدات حفاظا على المنتجات الغذائية في ثلاجاتهم من التلف.
وأعلنت سلطة الطاقة في قطاع غزة، عن توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، عن العمل إثر نفاد الوقود اللازم لتشغيلها.
وتحتاج محطة التوليد إلى 2200 كوب من السولار الصناعي، فيما قلصت تلك الكمية إلى 750 كوب، وهو ما لا يكفي لتشغيل وحدة واحدة من المحطة المكونة من أربعة وحدات.
وقال نائب رئيس سلطة الطاقة كنعان عبيد، "إن المحطة كانت تعطي 60 مغيا وات، وأصبحت نسبة العجز في الكهرباء في محافظات غزة أكثر من 50% بعد توقف المحطة، محملا حكومة فتح برام الله المسؤولية عن تقليص الوقود اللازم لتشغيل المحطة.
شريان وحيد
وتعتبر المولدات الكهربائية التي تعمل بالبنزين، هي الشريان الوحيد الذي يمد السواد الأعظم في قطاع غزة بالكهرباء، بعد توقف محطة التوليد عن العمل، ولا يكاد يخلو بيتا من مولد كهربائي.
واضطرت الأربعينية أم صبري القاطنة في مخيم الشاطئ، لتشغيل المولد الكهربائي داخل بيتها الصفيحي المهترئ، مع علمها بخطورة الموقف خاصة أن بيتها غير مؤهل لاحتواء مولد كهربائي، كما أن دخانه يعكر صفو الأجواء ويسبب ضيق التنفس لأطفالها.
قالت أم صبري، وهي تقلب رغيف الخبز على الموقد الكهربائي، :"ليس باليد حيلة، قمت بعجن الدقيق وبعدما هممت لخبزه، انقطع التيار الكهربائي، مما دفعني لتشغيل المولد، وإلا ستتلف العجينة بأكملها".
وعبرت المواطنة عن بالغ قلقها من حدوث انفجار قد يتسبب به "المولد" في أي لحظة، وتقول :"نعلم أن حياتنا وحياة أبنائنا في خطر، جراء تشغيل هذه المولدات داخل البيوت، لكن ترى ما الحل؟".
وتعد مساكن اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات القطاع غير مهيأة لاستيعاب مثل هذه المولدات التي سلكت طريقها من مصر إلى قطاع غزة عبر "الأنفاق"، وذلك في أعقاب فرض الاحتلال حصارا خانقا على قطاع غزة منذ أربعة أعوام، وحرمان القطاع من الوقود اللازم لتشغيل محطة التوليد.
وألقت المولدات الكهربائية بأعباء مالية متزايدة، على كاهل سكان القطاع الذين يزيد عددهم عن مليون ونصف المليون مواطن، 70% منهم يعيشون تحت خط الفقر.
وقال الحاج أبو محمد المجدلاوي، تاجر أدوات كهربائية، إنه على الرغم من تكرار حوادث التفجير والوفاة والاختناق إلا أن نسبة البيع لم تتأثر سيما وأن المولد بات من ضروريات الحياة.
وأضاف المجدلاوي "يحتاج المواطنون للمولدات للإنارة ولطلبة الجامعات والمدارس وهناك مرضى يستخدمون أجهزة كهربائية للعيش، لا يمكن الاستغناء عن المولد في غزة".
ويستحيل استغناء طالب الثانوية العامة محمد عبد الله، عن المولد الكهربائي، في ظل انقطاع التيار الكهربائي، رغم إدراكه حجم الخطر الناجم عن استخدام المولد.
وقال الطالب عبد الله :"هناك عدة مخاطر تنتج عن استخدام المولد لكن من الصعب الاستغناء عنه لاسيما أننا مقبلون على اختبارات الثانوية العامة".
وأزهقت هذه المولدات أرواح ما يزيد عن خمسين مواطناً هذا العام، نتيجة الانفجارات المتكررة التي أحدثتها داخل المنازل.
وفي الثاني والعشرين من فبراير/شباط الماضي لقي 3 أطفال من عائلة واحدة مصرعهم وأصيب خمسة آخرون بسبب انفجار مولد داخل منزلهم في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة.
وقالت مصادر طبية إن الأطفال ترنيم وبسيم أبو جامع (توأم 8 سنوات) وأختهم تسنيم (14عاماً) لقوا حتفهم وعُثر على جثثهم متفحمة داخل المطبخ.
فيما توفي ثلاثة أطفال آخرين من عائلة برغوث، في يناير/كانون أول، خنقا نتيجة استنشاقهم الغازات المنبعثة من المولد وهم نيام في منزلهم بمدينة دير البلح وسط القطاع.
ولا تقتصر الوفيات على الأطفال، ففي الثامن من (شباط) الماضي توفي أيضا الشاب معتز سلام عاشور (18عاماً) نتيجة انفجار مولد كهربائي داخل المنزل في مدينة خانيونس.
انفجار المولدات
ويؤكد معاوية حسنين مدير الإسعاف والطوارئ بوزارة الصحة لـ"الرسالة نت" أن 90 ضحية سقطوا من مختلف الأعمار، منذ مطلع عام 2009 وحتى الآن، نتيجة انفجارا المولدات الكهربائية المتكررة.
وقال حسنين :"إن أسباب انفجار المولدات ناتج عن سوء استخدامها من قبل المواطنين ورداءة صناعتها ورداءة الوقود المستعمل في تشغيلها"، مشيرا إلى وصول أكثر من 200 إصابة بحروق مختلفة نتيجة انفجارا المولدات، بينهم 150 حالة وصفها بـ"الخطيرة".
وتعد أزمة الكهرباء المتجددة التي يعشها القطاع، هي الأسوأ، وفق جمال الدردساوي مدير العلاقات العامة في شركة توزيع الكهرباء بغزة.
وقال الدردساوي في تصريحات صحفية: "الأزمة الكهربائية التي يعشها قطاع غزة هي الأسوأ، نتيجة تراجع كبير في كميات الطاقة المتوفرة لدى الشركة مقابل الطلب على الكهرباء، نتيجة التوسع الطبيعي والذروة الموسمية وزيادة الاستهلاك في بداية فصل الصيف".
ويخشى مواطنون من تطور الأزمة لتصل إلى أمور حياتية أوسع، حيث تسارع بعضهم نحو محطات البترول، لتعبئة اسطوانات الغازل المنزلي، وذلك خشية من انقطاعه هو الآخر عن القطاع.
وسلك الشاب فارس عبيد طريقه حاملا اسطوانتين فارغتين لتعبئتهما من محطة بترول تقع وسط القطاع، ويقول :"خشيت من انقطاع الغاز مجددا فأسرعت إلى تعبئة الاسطوانات الفارغة (..) لا احد يضمن الإعلان عن انقطاعه في أية لحظة".