على مقعد سيارته الصفراء التي لا تكل عجلاتها من الدوران يجلس العم حرب القر، ممسكًا المقود بيده، وتتوزع نظرات عينيه على جنبات الطريق لالتقاط زبائنه.
شوارع المدينة المزدحمة وأزقة المخيم الضيقة، يرسم من خلالها الستيني كل يوم طريق رزقه لا يأبه لتعب المهنة التي شاب عليها.
داخل مركبته الصغيرة أثار فضول مراسل "الرسالة" التعرف على حكايات وقصص القر، التي نُسجت على مدار نصف قرن حينما بدأ شق طريقه في هواية تحول حبها لحرفة يجلب منها قوت يومه.
ويقول الرجل إن صعوبة الظروف التي كانت تمر بها عائلته وشغفه بقيادة السيارات هو الذي دفعه لامتهانها. مضيفا "تعلمت قيادة التاكسي منذ أن كنت في الثامنة عشرة من عمري، وكنت أعمل سائق أجرة داخل الأراضي المحتلة، فتردي الوضع الاقتصادي هو الذي دفعني للبحث عن العمل خاصة أنني كنت أكبر أشقائي وكُلّفت بإعالتهم بعد رحيل والدي".
بعد فترة وجيزة عمل "أبو محمد" سائق تراكتور في إحدى الشركات الإسرائيلية بداية السبعينات، حتى أن طموحه كان وقتها بقيادة الباص الكبير، قائلا: "أسرني حب القيادة ومتعتها".
ولم يكن أمام القر وقتها إلا السعي للحصول على رخصة قيادة باص، ليتحقق حلمه ويصبح من أشهر سائقي شركة الباصات الإسرائيلية (إيقد).
ويستذكر الرجل الذي اجتاح الشيب رأسه تلك الأيام مكملا "كانت أيام خير، كنت أنقل الركاب داخل الأراضي المحتلة وأقضي أكثر من 24 ساعة خلف المقود أشعر كأنها دقائق قليلة، فالعمل كان مريحا جداً وممتعا".
ومع حلول العام 2000 وتزامناً مع اشتعال الانتفاضة الثانية، عندما دهس سائق إحدى الحافلات عشرات الجنود (الإسرائيليين) الأمر الذي دفع شركة الحافلات التي يعمل بها القر إلى توقيفه عن العمل، ومنعه من دخول الأراضي المحتلة.
ويتابع حديثه: "لم أجد أمامي وقتها إلا شراء سيارة أجرة وبدأت العمل عليها إلى وقتنا الحالي".
ويعد سائق التاكسي القر أن الراكب أمانة في عنقه حتى يوصله الى المكان الذي ينوى الوصول إليه، مبيناً أنه يوصل بعض الركاب دون أن يتقاضى منهم أجرة نظراً لظروفهم الصعبة التي يحدثونه بها.
ولا تشكل مخاطر الطريق معضلة لدى معظم سائقي التاكسي ومن بينهم القر، بقدر ما تشكله الازدحامات المرورية من أرق دائم لأصحاب سيارات الأجرة وركابهم كونها تستنزف الكثير من الوقت والوقود.
ووفق الرجل ذو الوجه المجعد، فإن سوء الظروف الاقتصادية دفع الكثير من المواطنين وحتى الموظفين إلى التهافت على قيادة التاكسي، مما أدى الى امتلاء شوارع القطاع بالآلاف من سيارات الأجرة مسببة ازدحاما خانقا.
يتنهد القر قليلاً ثم يكمل: "كل شيء في هذه المهنة تغير فأصبحت مهنة العاطلين عن العمل، ولولا تعلقي وحبي لها لتركتها، لكنني لا أستطيع مغادرة هذا المقعد الذي أصبح جزءا مني".
ويرى القر بأن قيادة التاكسي والعمل في هذه المهنة تحتاج إلى صبر؛ لأن السائق يقابل أشكالا وأذواقا مختلفة من الركاب، وقد يتعرض للشتائم من الركاب، لكن خبرة القر في هذه المهنة تحول دون وقوعه في هذه المواقف. كما يقول.
أصبح تاكسي المسن القر مع مرور الوقت صالونا لتبادل الآراء وحل المشكلات، فهو يساهم في طرح الحلول على زبائنه الذين يسردون له قصص حياتهم.
وعن ذلك يقول الستيني: "كثير من الركاب يطرحون مشكلاتهم وأحاول مساعدتهم ويتقبلون رأيي بصدر رحب وبعضهم يثني علي".
سرعة السائقين وتدافعهم على الركاب أكثر ما يثير حفيظة القر فهو يفضل القيادة بهدوء وعقلانية، خاتما حديثه بالقول: "الرزق مكتوب عند علام الغيوب، فلماذا العجلة؟".