قائمة الموقع

مقال: لماذا دعا الجمهوريون (نتنياهو) لإلقاء خطابه في الكونجرس؟

2015-03-04T15:35:58+02:00
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال القاء الخطاب
أ.د. علي الهيل

يقول البروفسور (نعومي تشومسكي Naomi Chomsky) المفكر الأمريكي المعروف إن الولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأتها تعيش على الحروب. قتلت الملايين من أهل الشمال الأمريكي أصحاب الأرض الأصليين واستأصلت ثقافتهم بكل جوانبها وأحلت محلها شذاذ آفاق أوروبيين بيض، جاؤوا إليها ليس ولاءً للعنصر الأبيض قدر ولائهم لخلق ثروات شخصية في أرض بِكر زاخرة بكل شيء وليس فقط النفط والغاز.  إنها أرض (العالم الجديد).

لذلك تجد الأجيال الجديدة تحس بأنها انقطعت عن تاريخها وثقافتها الأصلية وأنهم يعيشون في أمريكا بلا تاريخ ولا ثقافة. هذا لا يعني أن أسلافهم لم يحسوا بالشيء نفسه. بَيْدَ أن الانشغال بصنع المال وشهوة الثروة في (العالم الجديد) أنستهم مؤقتاً من أين جاؤوا أصلاً.

الأجيال الجديدة كلما وجدت فرصة لقضاء إجازة، يذهب كل منهم إلى بلده الأوروبي الذي جاء منه، يزورون المقابر، في مناطق مختلفة ومتباينة في بريطانيا وفرنسا وهولندا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها، علهم يجدون قبوراً تحمل أسماء عائلاتهم الأُوَل.

إنه النَّهم الإنساني الطبيعي للتاريخ والجغرافيا والثقافة الذي ما يزالون يفتقدونه في الأرض التي غزوها أو غزاها أسلافهم بحثاً عن حياة أفضل على حساب أهل الأرض الأصليين. لأنهم يحسون بأنهم فُصلوا عن تاريخهم وجغرافيتهم وثقافتهم. في البداية سَمَّوا أهل الأرض الأصليين (الهنود الحمر) لقد كانت تسمية ظالمة. لذلك انبرى عالِم الاجتماع العظيم (تالكت بارسنز) ووضع السجلَّ صحيحاً وسَمَّاهم "الأمريكيون الأصليون Native Americans".

(بارسنز) الذي رحل عن عالمنا قبل 25 عاماً أغضب الكثير من العنصريين والصهاينة المسيحيين الأصوليين المنتمين لللوبي المسيحي الصهيوني، الذي ما يزالون يزوِّرون التاريخ ويصورون للعالم أن الآباء المؤسسين لأمريكا (إبراهام لنكولن وجورج واشنطن ووليام جيفرسون) أبطال تاريخيون أنقذوا أمريكا من حفاة عًراة سُمُّوا خطأً (الهنود الحمر) بالضبط كما يقولون عن الفلسطينيين والعرب وعن أحقية "إسرائيل" في فلسطين والعالم العربي.

إنني شخصياًّ لا أرى أو لا أكاد أتبينُ فرقاً بين (الديمقراطيين والجمهوريين) الديكتاتوريين أو الحزبين الديكتاتوريين اللذين يجثمان على صدور الأمريكيين (العبيد والأحرار معاً) منذ 1492 أو لنقل منذ انتهاء حرب الشمال والجنوب لتوحيد أمريكا في اسم (USA) من 861 – 1865 بغلاف اسمه الديمقراطية، لاسيما فيما يتعلق بالعالم العربي أو الإسلامي أو ما يُسمى تمويهاً "الشرق الأوسط" بسبب وجود "إسرائيل" في العالم العربي وفي القلب منه في فلسطين. ذلك لسبب بسيط وهو لسيطرة لوبي المسيحيين الأصوليين الصهاينة على هذين الحزبين تاريخياًّ.

صحيح أن مجموعات الضغط السياسية والاقتصادية اليهودية الصهيونية الإسرائيلية على رأسها اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للعلاقات العامة (الإيباك) وهي الأقوى في الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن المسيحيين الأصوليين الصهاينة من كلا الحزبين (بايدن "الديمقراطي" نائب الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما وديك تشيني "الجمهوري" نائب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن) وغيرهما. هذا اللوبي المسيحي الصهيوني الأمريكي وله أشباه في أوروبا الغربية والشرقية على حد سواء ربما أحياناً بنسب متفاوتة، هو الاقوى من اللوبي اليهودي أي اللوبي الصهيوني الامريكي المسيحي وهو أبُ وأُمُّ الحركة الصهيونية اليهودية و"إسرائيل" لدواعٍ أيدولوجية وتاريخية تتوافق مع المصالح الإمبريالية الرأسمالية الأمريكية. ولا تُخفي (الإيباك) تعاونها التنسيقي مع اللوبي المسيحي الصهيوني الأمريكي والأوروبي وهما متلاحمانِ تلاحُمَ اللُّحمةِ والسُّدى.

إضافة إلى كتابات (نعومي تشومسكي) الانتقادية لكلا اللوبيين اللذين يضعان مصالح "إسرائيل" فوق مصالح أمريكا حتى الداخلية وليس فحسب ما يتعلق "بالشرق الأوسط" أي بالانحياز المطلق "لإسرائيل" ظهرت كتب ودراسات كثيرة لمفكرين أمريكيين وأوروبيين كثيرين ولكنْ للأسف تم التعتيم على كتبهم والتعسف في حقوقهم. من هؤلاء (روجيه جارودي) في فرنسا و(جورج جلوي) في بريطانيا المتهمين بمعاداة السامية.  ظهر في أمريكا كتاب "The US’ foreign Policy and The Israeli Lobby " لجون ميرشيمار وستيفن وُلت فضحا فيه كيف أن أي قرار يتعلق بإسرائيل والعالم العربي أو الإسلامي يجب أن يمر من خلال مصفاةِ أو فلتر "الإيباك" طبعاً بتنسيق مع اللوبي المسيحي الصهيوني الأمريكي المتجذر في النظام الحاكم الديكتاتوري من خلال الحزبين الوحيدين اللذين يتداولان على السلطة ويتبادلان الأدوار لكنهما يخدمان الأهداف ذاتها للوصول للغايات ذاتها.

في ضوء ذلك، سمعنا هرطقات وتزوير وكذب رئيس وزراء "إسرائيل" (بنيامين نتنياهو) حسب ما نشرته الصحف الحرة في أمريكا.  دعا الجمهوريون المسيطرون على مجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس الأمريكي (نتنياهو)  للحديث عن الملف النووي الإيراني ومحاولة الزج بأمريكا في حرب مع (إيران) أو الحصول على دعم الكونجرس له بشن غارات على (إيران) متجاهلاً بالقطع أنه هو من لديه سلاحٌ نوويٌّ متقدمٌ يحمل أكثر من مائتي رأس نووي و الجمهوريون الذين كانوا يصفقون له و يقفون له إعجاباً إما أنهم يتجاهلون أو أنهم متعرضون لغسيل مخ أن “إسرائيل” ضعيفة و أنها لا تمتاك سلاحاً نوويا رادعاً لإيران.

في خطابيه أمام لجنة (الإيباك) الإثنين وفي الكونجرس الثلاثاء كان (نتنياهو) يتصرف كأنه هو الرئيس الأمريكي.  طبعاً الرئيس (أوباما) ظل معزولاً في مكتبه بالبيت الأبيض لا حول له ولا قوة، سوى أنه صرح بأن (نتنياهو) لم يقدم بديلاً عن سياسة إدارته إزاء الملف النووي الإيراني.

بقيَ أن نقول في الختام صحيح أنَّ اليهود الأمريكيين خارج وداخل (الإيباك) ككل الأقليات كالسود مثلاً تاريخياًّ يصوت أكثر من80% منهم للحزب الديمقراطي.  بَيْدَ أن المرحلة الحالية تشهد تماهياً بين اليهود والجمهوريين نتيجة سيطرتهم على (الكونجرس) إنها إهانة لكل حر أمريكي أن يقف (نتنياهو) في الكونجرس الأمريكي وهو قاتل الأطفال في غزة ومرتكب المحارق والمجازر والمذابح بشهادة (الأنروا) وأحرار أمريكا وأوروبا والعالم.

اخبار ذات صلة