تطابقت اعترافات مسئولين في السلطة برام الله مع ما ذكره مسئولون (إسرائيليون) من أن "التنسيق الأمني يجري حتى الآن على ما يرام، ولا توجد ملامح لوقفه حتى هذه اللحظة"، الأمر الذي يكشف زيف ما تم الإعلان عنه مؤخراً حول وقف السلطة للتنسيق الأمني بجميع أشكاله مع (اسرائيل).
وكان المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، أوصى خلال اجتماعه الذي انعقد على مدار يومي الأربعاء والخميس الماضيين بـ"وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع سلطة الاحتلال (الإسرائيلي) في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين".
مجرد "توصية"
وفي التفاصيل، فقد أكد مسؤولون في السلطة في حديثهم لصحيفة "الحياة اللندية" أن رئيس السلطة محمود عباس لن يتخذ أي خطوة في اتجاه تطبيق قرار وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال.
ذلك بعد أن نقلت مصادر رسمية رسالة إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى السلطة بضرورة عدم المساس بنماذج وأنظمة التنسيق الأمني المبرمة مع (إسرائيل) خشية أن تكون لذلك عواقب وخيمة على العلاقة الأميركية الفلسطينية.
ويرى غسان الشكعة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أن ما جرى من قرارات في المجلس المركزي للمنظمة "ليس اختراعا يُطرح لأول مرة وإنما هو توافق في آراء الكثير من الشرائح المجتمعية الفلسطينية"، زاعماً أنها قرارات تم التوافق عليها وبالتالي تمثل "إرادة سياسية" لكل الفلسطينيين.
ودون الإشارة إلى "التنسيق الأمني" رفض الشكعة في حديثه لـ"الرسالة" اعتبار ما يصدر عن المجلس المركزي مجرد "توصيات"، مؤكداً أنها قرارات ملزمة لـ"القيادة الفلسطينية" لأن -المجلس المركزي- مرجعية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
غير أن الشكعة يرى بأن قرارات المجلس المركزي للمنظمة يجب أن يتبعها اجتماع للجنة التنفيذية للمنظمة وقيادة السلطة لمناقشة تلك القرارات، معرباً عن تمنياته بأن يشارك جميع الفرقاء السياسيين من كل الفصائل بمن فيهم من هم خارج المنظمة في مثل هذه الاجتماعات، في إشارة إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
من جهته، شكك يحيى موسى القيادي في حركة حماس، في قدرة المجلس المركزي على إلزام السلطة برام الله على تنفيذ قراراته، معتداً بفرضية شرعية المجلس المركزي بأن قراراته يجب أن تكون ملزمة ولا يمكن اعتبارها "توصيات".
وتساءل موسى "متى كانت قيادة السلطة تحترم قرارات المجالس المختلفة سواء المجلسين الوطني أو المركزي أو غيرهما؟"، مشيراً إلى أن السلطات التنفيذية دائماً ما كانت تضرب بجميع هذه القرارات عرض الحائط.
وأوضح موسى لـ"الرسالة" أن الحالة الفلسطينية الموجودة الآن رسخت أن "عباس يتحكم بالقرارات ولا يحتكم للمؤسسات"، مستنداً في ذلك إلى أن اتفاقات المصالحة لم ينفذ عباس منها شيئا، في حين أن عينه فقط على إرضاء أمريكا و(إسرائيل) والاستماع لهم عما هو مقبول وما هو غير مقبول بالنسبة لهم.
وقال موسى "لو أن المجلس المركزي في يده القرار، لكان قد شكل لجنة تحقيق في تاريخ التنسيق الأمني الذي يعني قتل المقاومين واعتقالهم وتبادل معلومات وتعميق الانقسام".
توفر الارادة
أما جميل مزهر عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فقد رهن قيام السلطة باتخاذ قرارات جدية في المجلس المركزي الفلسطيني بتوفر الإرادة السياسية والحقيقية لها بالإضافة إلى التحلل من "اتفاقيات أوسلو" ووقف كامل للتنسيق الأمني.
وقال مزهر "نتمنى أن تكون القرارات الصادرة عن المجلس المركزي جدية وحقيقية ترتقي إلى مستوى التضحيات والمخاطر الجدية والحقيقية المحدقة بالقضية والمشروع الوطني الفلسطينية".
وحول مقدرة السلطة على وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، أوضح مزهر أن السلطة والقيادة المتنفذة قادرتان على اتخاذ قرار واضح وصريح بوقف كافة أشكال التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال. وأضاف "شرط وقف التنسيق أن تمتلك السلطة والقيادة الإرادة السياسية لذلك، والرغبة الجدية والحقيقية بعيداً عن لغة الشعارات والتهديدات".
وشدد على أن استمرار التنسيق الأمني "الذي يستثمره الاحتلال لصالحه، وينقض من خلاله على المقاومة لم يعد مقبولاً على الإطلاق"، داعياً المجلس المركزي إلى حسم موضوع وقف التنسيق الأمني بالكامل.
يجدر الإشارة إلى أن السلطة لوحت في السابق بوقف التنسيق الأمني بعد اغتيال القائد الفتحاوي زياد أبو عين على أيدي الاحتلال دون أن تنفذ ذلك، فيما تهربت من استحقاق وقفه بموجب اتفاقات المصالحة المتكررة.