تبدو العلاقة عكسية ما بين مساحة غزة الصغيرة وثقلها الكبير في المعادلة الفلسطينية، التي لم تسقط من حسابات راسمي السياسات الإقليمية والدولية، حيث باتت هذه القطعة المحدودة تشكل عنوانا لعدد من الأسئلة التي تحتاج إجابات.
ففي الشأن الداخلي الفلسطيني علق رئيس السلطة محمود عباس ملف المصالحة على بوابة غزة الشمالية ولم يجتاز تنفيذ أي من بنودها معبر بيت حانون - ايرز، مستخدما إياها ورقة بديلة للتأثير على الاحتلال في حال أصر على عدم العودة إلى المفاوضات واستكمال مشروع التسوية.
تلك الورقة الضاغطة اتضحت معالمها بعدما قررت اللجنة التنفيذية قبل أيام بتوجه وفد موحد يضم ممثلين عن فصائل العمل الوطني، إلى القطاع للبدء بحوار شامل بمشاركة حركتي حماس والجهاد، من أجل تنفيذ جميع ما جرى التوصل إليه في الاتفاقيات السابقة، وما اتخذه المجلس المركزي من قرارات بشأن المصالحة الوطنية.
ورغم أنه كان من المفترض أن تنتهي ملفات المصالحة قبل نهاية العام الماضي أي بعد ستة أشهر من توقيع اتفاق الشاطئ في مايو 2014، الا أن عباس علقها لاستخدامها في مناوراته التي تبعت فوز نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية.
وبقي ملف اعمار غزة وإعادة فتح معبر رفح يراوحان مكانهما على غرار المصالحة، فيما اتجهت الاتهامات لرئيسي السلطة والحكومة بالوقوف وراء تعطيلهما، مستخدمين غزة وسيلة ضغط لصالحهما. هذا ما دفع اللجنة القطرية لإعمار غزة للتوصل لآلية جديدة لإدخال مواد البناء الخاصة بمشاريعها حسبما كشف رئيس اللجنة السفير محمد العمادي.
أما على الصعيد الإسرائيلي، عادت غزة لتشكل تحديا جديدا لنتنياهو بعدما هاجمه منافسوه في دعايتهم الانتخابية بسبب فشله فيها، خاصة أنها ملا زالت تخفي تبعات الحرب الأخيرة.
بينما ينتظر القطاع أن يجني ثمارا جديدة على غرار صفقة وفاء الاحرار عام 2011، ولا سيما فيما يتعلق باختفاء جنديين إسرائيليين فيها حسبما أعلن الاحتلال، حينها سيشكل ذلك نقطة جديدة تضاف لإنجازات غزة واخفاقات من وقع في وحلها.
وإلى البوابة الجنوبية، ما يزال ينتظر القطاع تغيير الحكومة المصرية سياستها تجاه خنق غزة، عقب الحراك الإقليمي الداعم لتخفيف الحصار، والحديث عن لغة سعودية جديدة ينتهجها الملك سلمان بن عبد العزيز للتحالف السني في مواجهة المد الشيعي في المنطقة.
وتعد مساندة غزة في حال بادر بها اللاعبون العرب في المنطقة (مصر والسعودية) رافعة قوية لهم أمام شعوبهم التي ما انفكت تدعو للتخفيف عن المواطنين فيها.
وكانت قيادة حركة الجهاد الإسلامي قد نقلت عقب زيارتها الأخيرة للقاهرة عن وعود جدّية من السلطات المصرية بفتح معبر رفح بصورة منتظمة، الا أنها لم تطبق حتى اللحظة.
ويشهد قطاع غزة هذه الأيام حراكا دوليا دراماتيكيا بهدف التخفيف عن المواطنين، بعدما عرضت أطراف أوروبية على حماس تهدئةً مع الاحتلال (الإسرائيلي) لعدة سنوات، فيما أكّدت الحركة أنه لا بد أن يكون بالتوافق والتشاور مع جميع الفصائل الفلسطينية، وأن على الاحتلال الالتزام بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار القائم.
فيما كشف الدكتور باسم نعيم، القيادي في حماس، عن زيارة مرتقبة للوفد السويسري إلى غزة، للرد على ملاحظات "حماس".
ويحاول المجتمع الدولي التخلص من (الصداع) الذي تسببه غزة له بسبب الحراك النشيط للمنظمات والشعوب المساندة للقطاع في أوروبا، على اعتبار ان تنحية غزة من الصراع يساعد في تهدئة المنطقة.
تمترست غزة على مدار السنوات الماضية خلف دورها المحوري في المنطقة، وشكلت رافعة للجميع عند حاجتهم اليها، سواء للتشبث بها كعنوان لاستعادة كرامة العرب وتسجيلها انتصارات متتالية في ساحات العدوان، أو لمن يلجأ اليها لكسب المواقف والأصوات، لتبقى غزة (تقبل من أتاها مؤمنا أو كافرا).