قد تحتاج تركيبة لعلاج الكلف، أو أخرى للتنحيف، وقد يعطيك الصيدلي أيضا تركيبة للثعلبة أو الصدفية، وأخرى للتفتيح، أو قد يتطور الأمر ويصنع تركيبة فاتحة للشهية، وأخرى لعلاج ألام المعدة.
تراكيب حسب الطلب، تجدها في صيدليات قطاع غزة، وبأسعار متفاوتة، حسب قدرتك المالية، يتباهى أصحاب الصيدليات بها، بعضهم يبيعها سرا، والمفاجئ أن منهم من يعلن عنها أمام بوابة الصيدلية في محاولة للترويج، مما أثار لدينا العديد من الأسئلة.
ما هي الصفة القانونية لهذه التراكيب المباعة في علبة بلاستيكية دون أي توثيق أو ترخيص او مكونات أو رقم أو حتى اسم؟! وما هي الصلاحيات المتاحة للصيدلي حتى يركب الدواء ويبيعه؟ ومتى يصل إلى هذه المرحلة إذا كان بالفعل قد سمح له قانونيا بذلك؟
في بداية العمل على هذا التحقيق، اتضح أن منها ما هو قانوني، ومنها مالا تنطبق عليه الصفة القانونية، ولأن عددا من المواطنين كانوا ضحية لهذه التراكيب فكان لابد من تسليط الضوء على الأضرار التي تركتها على أجسامهم.
قابلنا أم أحمد عبد الله، ربة بيت في اواخر عقدها الثالث، تحدثت عن تجربتها مع تركيبة لعلاج الكلف على يد أحد الصيادلة، واشتكت من أعراض جانبية خطيرة تعرضت لها كاحمرار، وحروق في الوجه اضطرتها للعودة إلى ذات الصيدلي، والذي بدوره أعطاها تركيبة أخرى صنعها أيضا بيده.
قالت السيدة: "تكررت هذه الحالة ما زاد من ظهور الأعراض، وأخيرا وبعد تجريب عدة أنواع من التراكيب ذهبت إلى طبيب مختص لحل المشكلة".
في قصة أخرى أخبرت الفتاة الجامعية سمية (اسم مستعار) عن تجربتها فقالت: "وصفت لي صديقاتي تركيبة يبيعها أحد الصيادلة المشهورين في قطاع غزة، ولأجل حاجتي إلى تخسيس الوزن بأي طريقة، اشتريتها، وفعلا حققت التركيبة فوائد في بداية الأمر".
وأضافت "تراجع وزني بشكل كبير، ولكن بعد ذلك حدث لدي زيادة مفرطة وبشكل مفاجئ، وصعوبة في التنفس وألم في المعدة، حتى وصلت إلى حالة إغماء نقلت بعدها إلى المستشفى، واتضح أن الدواء قد تسبب لي بهبوط حاد في الضغط".
وقد تفاجئنا من التوصيف الذي يطلقه الضحايا على الصيدلي بأنه طبيب وهذا التوصيف الخاطئ جعلهم يستخدمون التركيبات العلاجية دون أن يتأكدوا من صحتها، وهو ما ساعد في انتشار التراكيب الدوائية.
وفي حالة ثالثة تناولت أم حسن (اسم مستعار) أعشابا تباع في الصيدلية القريبة من منزلها الواقع غرب مدينة غزة بدون مصدر أو اسم ومعبأة داخل علبة بلاستيكية بعد أن أقنعها الصيدلي بأنها علاج فعال لصعوبة الهضم وانتفاخ المعدة، وأنها مصنعة على يد أستاذ صيدلة في إحدى الجامعات.
تقول أم حسن: "أصابتني حالة تلبك معوي فظيعة وذهبت بعدها إلى المستشفى وخشيت أن أخبر زوجي بشكوكي في ذلك الدواء الذي تناولته".
ولأن الجمال هو مطلب كل سيدة وفتاة ولا سيما الباحثات عن علاجات للبشرة والسمنة فإن المقبلين على شراء هذه التراكيب ينتمون لفئة النساء.
تراكيب ممنوعة
للصيادلة آراء متباينة في هذا الموضوع، منهم من تحدث بجرأة حول التراكيب العلاجية التي صنعها بيديه، واخرون تحفظوا على الإدلاء بإفادتهم في هذا الموضوع حفاظا على سمعة صيدلياتهم.
في مقابلة معه، أكد مالك صيدلية تقع في المحافظة الشمالية -رفض الكشف عن اسمه- أنه يملك رخصة مزاولة مهنة الصيدلة من وزارة الصحة، وبناء على ذلك يقول إن الترخيص يتيح له تركيب الدواء.
وقال "إذا اثبتت التركيبة نجاحها فإنني اعرضها للبيع، وذلك لا يحتاج موافقة وزارة الصحة".
وهذا ما أثار الفضول أكثر ودفعنا للبحث، وأثناء ذلك، التقطنا صورة لإعلان أبرزته إحدى الصيدليات يفيد بوجود الكثير من التراكيب والأعشاب، لعلاج النحافة والسمنة، والكلف، وأدوية لعلاج الصدفية والبواسير، وعندما أبلغنا وزارة الصحة بالأمر لم تحرك ساكنا.
وبالدخول إلى الصيدلية ذاتها للاستفسار عن طبيعة التراكيب فاجأتنا الصيدلانية المناوبة بقولها "عملنا يقوم على بيع التراكيب، الكثير من الناس يقبلون عليها، فعاليتها مضمونة، ويصنعها صيدلي متخصص، وأنا أساعده في تركيب كريمات للتفتيح وعلاج الكلف".
صيادلة: مصدر دخل كبير على ضوء الاقبال المتزايد
وقد بدت المستحضرات مغلفة في علبة غير مخصصة لحفظ الأدوية ولا تحتوي قائمة المكونات وتاريخ الصلاحية وختم النقابة، ولا حتى طريقة الحفظ.
وذلك يتعارض مع ما نص عليه قانون المزاولة في مادته (59) والتي تقول: "كل دواء يحضر أو يصرف يتم تعبئته في وعاء مناسب وتلصق عليه رقعه مطبوعة تحمل ما يلي: اسم المريض واسم الصيدلية وعنوانها ورقم القيد في سجل الوصفات الطبية المتسلسل وتاريخها وكيفية استعمال الدواء".
وعن الآلية التي يتم التعامل بها مع المريض، تقول الصيدلانية: "نحن نتعامل مع المريض بشكل رسمي، نقوم بفتح ملف، ونتابعه خطوة بخطوة، يأتي لنكشف عليه داخل الصيدلية، ثم نقرر له نوعية الدواء اللازمة له ولحالته، وبناء على ذلك نتابع معه لشهرين أو ثلاثة وربما أكثر، حسب الحالة لدينا".
وهنا يتضح من كلامها أنها تمارس عمل الطبيب، في واقع يخالف تماما قانون مزاولة المهنة خصوصا المادة 63 التي تنص على أنه لا يجوز استعمال الصيدلية كعيادة طبية، كما لا يجوز حتى حقن الإبر حسب القانون من الصيدلي المسئول أو أي شخص آخر.
ومن خلال مقابلات أجرتها معدة التحقيق في عدد من الصيدليات لاحظت تخوفا كبيرا من الحديث، وأحدهم اصيب بانفعال وأنكر بيعه لهذه التراكيب ثم رفض إكمال الحوار، ولكن في المقابل وعلى ضوء إقرار أكثر من صيدلي ببيع التراكيب بعيدا عن الرقابة، حاولنا الوقوف على رد وزارة الصحة على هذا الأمر.
الممنوع والمسموح
الدكتورة نور لبد مسئولة قسم التراخيص في دائرة الصيادلة في وزارة الصحة أوضحت أن الترخيص يتيح للصيدلي بيع المستحضرات والوصفات الطبية وتركيبها، بالإضافة إلى تركيب بعض الكريمات والمراهم بناء على وصفة من طبيب مختص.
وأكدت على وجوب وجود رقابة من وزارة الصحة "فلا يجوز أن يقوم الصيدلي نفسه بذلك بشكل عشوائي".
وبحسب المادة 50 من قانون مزاولة المهنة يحظر على الصيدلي صرف أو تجهيز أي وصفة طبية إلا إذا كانت صادرة عن طبيب مسجل في سجل الأطباء المصرح لهم بممارسة المهنة، وأن تكون مواده الأولية مطابقة للمواد الأولية الواردة في دستور الأدوية المقرر من الوزير.
ويتقاطع ما قاله الدكتور رأفت رضوان مسئول قسم التفتيش في وزارة الصحة، مع سابقته في التأكيد على أهمية أن تكون الوصفة العلاجية مكتوبة في سجل موجود في الصيدلية يحوي تركيبات الوصفة واسم الشخص والطبيب الذي وصف هذه الوصفة، بما يتوافق مع قانون مزاولة المهنة في مادته رقم (58).
مخالفة وعقاب
وفي الحديث عن مخالفة القانون ونوع العقاب الذي يقع على الصيدلي في هذه الحالة، قال رضوان: "إن ما تعلن عنه الصيدليات هو مستحضر طبي موجود أصلا وهذا مسموح، ولكن النوع الثاني المركب داخل الصيدليات، ممنوع تصنيعه بيد الصيدلي وتتم مصادرته وإتلافه مباشرة، وأي صيدلي يقوم على صناعة تركيبة دون إذن وغير موضوعة في السجل يعد مخالفا ويجب على الوزارة مصادرتها، وحذر من استخدام هذه المستحضرات".
الصحة: تصنيع الأدوية داخل الصيدلية مخالف للقانون
أما عن العقوبة فقال: "تبدأ الوزارة بأخذ تعهد على الصيدلية لمخالفتها القانون وإن عادت للتصنيع بدون إذن أو تصريح يتم توقيفها عن العمل لفترة، وإذا تكررت المخالفة يتم توقيفها نهائيا بقرار من وزير الصحة".
ويبدو واضحا أن هناك جهل لدى بعض الصيادلة بالمادة رقم (3) من قانون مزاولة المهنة والتي تتيح لهم تحضير وتركيب وتجهيز وتصنيع وتعبئة وتجزئة أو استيراد وتخزين الدواء بقصد البيع، ولكن بشروط أهمها أن تكون التركيبة واضحة لجهة وزارة الصحة وكذلك للمريض نفسه.
على ضوء ذلك أشار رضوان إلى أن معظم الصيادلة يظنون جواز تصنيع تركيبات بشكل عشوائي، مرجعا ذلك إلى ما اسماه "عدم وضوح القانون"، لافتا إلى مصادرتهم للكثير من التركيبات المصنعة عشوائيا.
ونصت المادة 92 من قانون الصيادلة على أنه إذا ارتكب الصيدلي المسئول أي مخالفة لأحكام هذا النظام فللوزير أو من ينيبه بناء على تقرير المفتش وتوصية من المدير - اتخاذ أي الإجراءات التالية: (التنبيه، الإنذار، الإحالة إلى المجلس التأديبي، الإحالة إلى المحكمة المختصة).
في السياق يشير المحامي أسامة أحمد إلى أن قانون مزاولة مهنة الصيدلة الفلسطيني نص في المادة (22) على أنه يحظر على الصيدلية العامة جلب الأدوية من الجهات غير المرخصة.
ويقول المحامي أحمد "من باب أولى يحظر تركيب الأدوية في نفس الصيدلية دون توضيح محتوى الأدوية والمواد الكيميائية التي تدخل في التركيب"، متسائلا عن الطرف الذي يتحمل المسؤولية.
عدم تنسيق
في الأثناء رفض رئيس قسم التفتيش بوزارة الصحة أن تتحمل وزارته المسؤولية وحدها، منوها إلى ضرورة التنسيق مع دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، خصوصا فيما يتعلق ببيع كريمات ومساحيق لتجميل البشرة "كثير ما يكون منها خدعة أو منتهي الصلاحية ولا يكون دور وزارة الاقتصاد قويا في إدانة المتاجرين بهذه البضائع، وهذا لا يندرج ضمن اختصاص وزارة الصحة"، على حد قول رضوان.
ولهذا شدد رضوان على ضرورة أن يكون هناك تنسيق في وضع قاعدة معلوماتية عن التجار والصيدليات التي تبيع هذه المنتجات، مع وزارة الاقتصاد الوطني لغاية متابعتها.
ولكنه نوه أيضا على أن كل منتج يباع في الصيدلية يندرج ضمن إشراف وزارة الصحة، حتى لو كان أي مادة لها علاقة بالتجميل، "إذا بيعت في مراكز التجميل، ومحلات التجميل، فهذا لا يندرج ضمن مسؤوليات وزارة الصحة، وإنما يتبع عمل دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد".
من الفور انتقلنا إلى دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد للوقوف على مسؤوليتها تجاه المخالفة القانونية القائمة من قبل الصيادلة. وعليه قال الدكتور رائد الجزار مدير الدائرة "تكمن المشكلة في وزارة الصحة التي تراقب هذه الأمور، ومفتشو وزارة الاقتصاد لا يتمتعون بخبرة كافية للتفتيش في هذا المجال، ولكن إذا كان هناك تعاون مشترك وتم الاتصال بالإدارة العامة لحماية المستهلك، سنقوم نحن بدورنا لحماية المستهلك ونراقب المشكلة".
وزارة الاقتصاد : مفتشونا لايتمتعون بخبرة كافية في هذا المجال
وكلام الجزار بحد ذاته يكشف عن عدم وجود تنسيق في الرقابة بين الطرفين (الصحة- الاقتصاد)، الأمر الذي يدفع الصيادلة باتجاه الاستمرار في تركيب الأدوية خصوصا تلك المتعلقة بالتجميل.
ورفض الجزار اعتبار مسؤولية التفتيش على كل مستحضرات التجميل ملقاة على عاتق وزارته، محملا مسؤولية ذلك إلى وزارة الصحة.
دور النقابة
في الأثناء كان لابد من وضع هذه المسألة مثار البحث على طاولة نقابة الصيادلة، التي استنكر نقيبها الدكتور خليل أبو ليلة، لأفعال الصيادلة المتعلقة بتحضير مركبات التجميل ولكنه أوضح لنا أن النقابة لا حق لها في مراقبة الصيدليات.
النقابة: مجلس تأديب لمعاقبة المخالفين
وقال أبو ليلة: "إن هذا الأمر من اختصاص وزارة الصحة وفق ما ينص عليه قانون مزاولة مهنة الصيدلة في فلسطين، ولكن في حال ورود شكوى لنا من أي مواطن، من حقنا أن ننظر في الشكوى المقدمة، وإذا كانت هناك مخالفة من الصيدلي نستدعيه إلى المجلس التأديبي للمساءلة".
وأضاف "إذا تمت إدانته فمن حق المجلس أن يوقع عليه إحدى العقوبات المنصوص عليها في قانون مزاولة المهنة دون مرجعية إلى وزارة الصحة، لأن النقابة مستقلة ومرخصة ووفقا للقانون يلجأ المتظلم إلى مجلس القضاء الأعلى".
وأمام هذا التداخل في الصلاحيات، فإنه لم تسجل عمليا مخالفات بحق الصيادلة وفق إفادة مدير التفتيش في وزارة الصحة، وقال "المخالفات حتى الآن محدودة وإذا قلنا إن عدد الصيدليات في غزة حوالي 700 صيدلية فإن المخالفات لا تتجاوز 1%" حسب تعبيره.
وهذا الأمر أكده أيضا الرائد فواز هنية من دائرة المباحث الطبية في وزارة الصحة، حيث أفاد عدم تلقي أية شكوى بحق أي من الصيادلة.
متى وكيف
وفي ظل المسؤولية المتشابكة والمتداخلة، حاولنا الوقوف على دور دائرة الرقابة الدوائية في وزارة الصحة. هناك أشار رئيس الدائرة الدكتور أشرف أبو مهادي إلى أن الصيدلية ليست مكانا لابتكار أدوية وذلك الذي يباع في الصيدليات ليس ابتكارا، ويحق للصيدلي التركيب حسب وصفة طبية أو حسب دساتير الأدوية الدولية وهو دستور أدوية أو Pharmacopoeia هي عبارة عن كتاب يحتوي جميع الأدوية المسموح باستخدامها بالإضافة إلى صفاتها وخصائصها وطرق تحضيرها، يتم إصدارها من المؤسسات الصحية الرسمية في الدول المختلفة.
الرقابة الدوائية: هذه التراكيب لا تخضع للفحص
وقال "إذا كانت الصيدلية قد تحولت إلى مكان لتركيب كميات كبيرة من الأدوية فهو ممنوع إلا بقرار من الوزارة وفحص لإحدى العينات حتى يسمح له، وإلا تتحول هذه الصيدلية إلى مصنع للأدوية فالصيدلية ليست مكانا للتصنيع".
ويضيف أبو مهادي "هذه التركيبات معلومة ومدروسة في هذا الدستور، ونقوم نحن أثناء التفتيش على الصيدليات بالتحقق من صدق هذه التراكيب ومحتوياتها"، مشددا على أنها ليست عمل الصيدلية الأول على اعتبار أن الأمر ليس تجارة.
واعتبر أن المركب يجب أن يمر بدورة الإجراءات الإدارية وبالتسعيرة، وشكل العبوة والنص المدون عليه، وملصق يسمى برقاع التسعيرة من نقابة الصيادلة، وهذا مؤشر بأن التركيب آمن واستنفد كافة إجراءات وزارة الصحة، وبناء عليه فإن أي منتج لا يتطابق مع هذه المواصفات فهو مشكوك فيه.
وفي ظل هذا التأرجح في المسؤولية بين وزارة الصحة ووزارة الاقتصاد، ووعود بالتعاون، وعدم وضوح قانون مزاولة مهنة الصيادلة بالشكل الكافي، يضيع حق المواطن، ويبقى الضمير هو المتحكم بالأمر.