غزة/ مها شهوان
"شفيت غليلي بضرب الأستاذ"، بتلك الكلمات بدا طالب الثانوية العامة احمد ناصر 17 عاما حديثه "للرسالة"، معربا عن سعادته وعدم ندمه لما اقترفه من فعل مشين بحق معلمه.
رفع احمد شعره عن عينيه قائلا:" منذ العام الماضي ومدرس الانجليزي يتعمد توبيخي أمام زملائي ، فلم اعد أطيق إهانته المتكررة"، مشيرا إلى أن ما دفعه لذلك انه تعرض للضرب بالعصا على رجليه أثناء عودته للفصل بعد الاستراحة مما دفعه في البداية إلى ضرب رأسه برأس المعلم.
"الرسالة" سلطت الضوء للتعرف على الأسباب التي تؤدي إلى وجود تلك الحالات في مدارس القطاع، بالإضافة إلى التعرف على دور وزارة التعليم في حفظ كرامة المدرس، وكذلك كيفية الحد من انتشار حالات الاعتداء على المدرسين.
مستغلا قصره
وتابع احمد:" احتد الأمر بيني وبين المعلم وطلب مني مغادرة المدرسة لكنني رفضت وحينما اشتدت المشاجرة بيننا ضربته بالكرسي"، موضحا أن الأمر انتهى بحبسه داخل مركز الشرطة لمدة يوم واحد وفصله من المدرسة ومن ثم تحويل دراسته للنظام المنزلي.
لم يكن احمد وحده من تعدى على أستاذه فطالب الصف العاشر عمر صلاح 15 عاما تعرض لتوبيخ أستاذه ظلما كما ذكر، موضحا انه حينما انتهى أستاذه من الشرح غط في نوم عميق وقام احد زملائه بالفصل بفرط مسبحة ووزعها على الطلبة المحيطين به وبدءوا يقذفونها على سبورة الفصل علها تصيب الأستاذ.
وقال عمر:" أصابت احدى حبات المسبحة الأستاذ حتى استيقظ وشاهدني العب بحبة وظن أنني الفاعل فنادى علي وضربني بـ"البربيش" على أرجلي مما دفعني لصفعه بالألم لأكثر من مرة مستغلا قصره.
أما في إحدى مدارس النصيرات فكانت الطريقة التعدي على المعلمة مختلفة حينما قامت إحدى طالبات الصف التاسع بممارسة هوايتها المفضلة هذه المرة مع معلمتها ، فهي تهوى جمع الحشرات البلاستيكية لتخيف بها من حولها.
المرشدة الاجتماعية –رفضت ذكر اسمها – قالت:" إحدى المشكلات التي صادفتها في المدرسة أن طالبة وضعت ضفدعة بلاستكية على كرسي المعلمة التي هوت أرضا لتفقد جنينها، لافتة إلى أن إدارة المدرسة عاقبت الطالبة وفصلتها نهائيا.
ألفاظ نابية
أما الطالبة ليلى خضر 16 عاما من إحدى مدارس شمال القطاع والذي كان باديا عليها علامات الشقاوة والحركة الزائدة ذكرت أن معلمة اللغة العربية كثيرا ما كانت تنعت الطالبات بالألفاظ النابية مما دفعها في إحدى المرات لرفع جلباب معلماتها دون أن تشعر، المعلمة عرضة للسخرية من الطالبات طيلة الحصة إلى أن جاءت إحدى المدرسات وكشفت الأمر.
بينما الطالبة أماني اللوح في الصف الثاني عشر وهي متفوقة في دراستها أوضحت لـ"الرسالة" أن معلمة الرياضيات طلبت منها الخروج إلى السبورة لحل النظرية وطيلة حلها والمدرسة تستفزها بكلام جارح دفعها إلى عدم التركيز في الحل ، مشيرة إلى أن استمرار المعلمة في الاستهزاء عليها جعلها ترمي الطبشورة في وجهها والعودة إلى مكانها بالرغم من إلحاح الأخيرة عليها لاكمال الحل .
مدرسة المشاغبين
من جهته ذكر الأخصائي الاجتماعي د. درداح الشاعر أن الاعتداء على المعلمين في قطاع غزة لا يمكن اعتباره ظاهرة ، مبينا في الوقت ذاته أن حالات الاعتداء باتت شائعة في الفترة الأخيرة.
وعن الأسباب التي تدفع الطلبة إلى الاعتداء على المعلمين أشار إلى وجود جملة من العوامل التي تساعد الطلبة أو ذويهم على ارتكاب هذا السلوك اللاأخلاقي، موضحا أن تدني مكانة المعلم في المجتمع الفلسطيني حيث لم تعد النظرة إليه بأنه صاحب رسالة بل وضع في ذيل المهن التي يشغلها الإنسان بالإضافة إلى انه بات ينظر إلى مهنة التعليم على أنها عمل من لا عمل له.
وحمل الشاعر وزارة التربية والتعليم مسئولية بعض القرارات الخاطئة التي تجعل الأهالي والطلبة ينظرون إلى المعلم على أنه عاجز وضعيف، لافتا إلى أن التعليم يقر على المعلم ما يجب القيام به بعكس الطالب الذي لا يحاسب على شيء.
وبين أن المعلم يساهم في جعل الطالب لا يكن له الاحترام وذلك حينما يخل بالميثاق الأخلاقي لتنهار صورته أمام الطلبة مما يجعله إنسانا ضعيفا لا يقوى على تعليم القيم أو الأخلاق، منوها إلى أن وسائل الإعلام والثقافة أيضا كان لهما الدور البارز في التقليل من شان المدرس حينما أظهروه في أفلامهم ومسرحياتهم على انه لم يعد القدوة التي يمكن تجاوزها كمسرحية "مدرسة المشاغبين".
وبالنسبة للبيئة المحيطة بالطلبة ومدى تأثيرها على سلوكهم أكد الشاعر أن البيئة الأسرية التي يسودها العنف الأسري تنعكس آثارها السلبية على سلوك أبنائهم في المدرسة والشارع ،لاسيما وان البيئة الفلسطينية تمجد العنف في سلوك الطلاب.
وفيما يتعلق بحماية المعلم لفت الشاعر إلى أن المدارس لن تصلح إلا بعد إعادة منظومة الضبط الأخلاقي، بالإضافة إلى قيام المدرسة بعملية التعليم وغرس القيم الفاضلة وتفعيل القيم الإسلامية في المناهج التعليمية" ، داعيا المدرسة إلى تقليل أوامرها ونواهيها التي تدفع الطالب للاعتداء على المدرسين ومن بالمدرسة.
لجنة التحقيق
من جهة أخرى قال وكيل وزارة التربية والتعليم د. زياد ثابت أن الوزارة تقوم حاليا بإعداد نظام متكامل للنظام المدرسي يوضح العقوبات التي ستصدر بحق كل من المعلم والطالب في حال ارتكابهم لأية مخالفة، موضحا أن تطبيق النظام سيتم مع بداية العام الدراسي القادم.
وأشار إلى انه تم تطوير بعض القوانين لتكون واضحة للطالب وأولياء الأمور والمدرسة ذاتها، مبينا انه سيتم تشكيل لجان ضبط مدرسية تعمل على حفظ الأمن، بالإضافة إلى توقيع أولياء الأمور على تعهدات تفيد عدم مخالفة أبنائهم لقوانين وأنظمة المدرسة.
وارجع ثابت ازدياد حالات الاعتداء على المدرسين في الفترة الأخيرة إلى وجود معلمين ومديري مدارس جدد على غير اطلاع كامل بالقوانين، لافتا إلى عزم وزارته لعقد دورات تدريبية لكافة الطلبة والمعلمين ومديري المدارس للتعرف على واجباتهم ومسئولياتهم.
وعن الدور الذي تلعبه وزارته في متابعة ما يجري في المدارس أكد وكيل الوزارة انه يتم باستمرار مراقبة كافة حالات الاعتداء ويكتب فيها تقرير ليرفع إلى لجنة التحقيق التي بدورها توقع العقوبة على الجهة التي ارتكبت الذنب.
وفي الختام تبقى حكمة "من علمني حرفا كنت له عبدا " لم يعد لها أثر في مدارسنا ،لعدم وجود الاحترام الكافي لمعلمينا ومعلماتنا مربي الأجيال، إلى جانب عدم وضع القوانين الرادعة التي تحفظ للمعلم قيمته وكرامته.