خطة أوباما.. ملهاة جديدة للسلام تتعثر بعجرفة نتنياهو

غزة- عدنان نصر

شقت ابتسامة عريضة ملامح الرئيس الأمريكي باراك أوباما لثوان معدودة ، بعد إعلان بينامين نتنياهو رئيس الوزارء الإسرائيلي تجميد الاستيطان بشكل مؤقت، ثم ما لبثت أن تبددت ، فقد استبق خطوته بتسريع عملية البناء في مئات المستوطنات في الضفة الغربية.

ويولي أوباما اهتماما ملحوظا بالصراع العربي – الإسرائيلي منذ توليه سدة الحكم، للتوصل إلى اتفاق يفضي بحل الدولتين خلال عامين حسب خطته الشرق أوسطية للسلام ، وحاول أن يحصل على موافقة "إسرائيل" بتجميد الاستيطان مقابل خطوات تطبيع عربية، وبعد مد وجزر استجاب نتنياهو لمطالب الولايات المتحدة ولكن حسب رغبته وشروطه.

ويتزامن إعلان خطة أوباما الشرق الأوسطية للسلام خلال عامين مع برنامج حكومة رام الله الذي فصله سلام فياض في وثيقة حملت عنوان "فلسطين.. إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة" خلال العامين المقبلين، ومع تلويح الرئيس عباس المتكرر بالدعوة إلى انتخابات تشريعية ورئاسية في السادس والعشرين من يناير المقبل ، وكأن النقاط الثلاثة انطلقت بتوقيت معين لتصل إلى هدف محدد مسبقا.

 اتفاق متبلور

وكان نتنياهو أعلن تجميد جزئي لمدة تسعة أشهر للاستيطان في الضفة الغربية بناء على طلب الولايات المتحدة. وقالت القناة العبرية الثانية: إن التجميد يشمل بناء مساكن جديدة في المستوطنات، حيث يعيش 300 ألف يهودي، لكنه لا يشمل تجميد 2500 مسكن قيد البناء حاليا في هذه المستوطنات إضافة إلى المباني العامة, كما لا يشمل الأحياء الاستيطانية في القدس الشرقية حيث يعيش 200 ألف إسرائيلي.

وفي مقابل ذلك التجميد فان دولا عربية وافقت على فتح ممثليات تجارية إسرائيلية في أراضيها من بينها قطر وسلطنة عمان وتونس والمغرب. ويدور الحديث عن استئناف عمل مكاتب المصالح الإسرائيلية في دول خليجية وشمال إفريقيه، والسماح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في أجواء دول عربية وإقامة علاقات سياحية وتجارية.

ومن الواضح أن أوباما يواجه تعنتا غير معقول بعكس العلاقات الدبلوماسية الأمريكية- الإسرائيلية منذ عشرة أعوام، ما يترك مجالا للشك في عدم تحقيق خطة سلامه الواهن خلال عامين – كما حددها سابقا.

ولعل ما يدلل على ذلك أسلوب المناورة الذي ينتهجه نتنياهو بشأن تجميد مؤقت للمستوطنات لضمان خطوات تطبيعية مع الدول العربية، وهو ما يثير التساؤل حول وجود آمالا عريضة لخطة أوباما الشرق الأوسطية.

ويشير طلال عوكل الخبير في الشئون السياسية إلى إن إسرائيل غير مقتنعة بتجميد الاستيطان، فهي ستستمر في بناء 2500 وحدة استيطانية، و ستواصل بناءها وفق قرارات سابقة.

ويقول عوكل: " نتنياهو يسعى لبناء مشروع استيطاني ضخم ليرضي المستوطنين، ويجعل تعليق الاستيطان كلام فارغ باعتبار أنه لفترة مؤقت تمكنه من المناورة.

في حين يرى صالح النعامي الخبير في الشئون الإسرائيلية أن هناك اتفاقا إسرائيليا- أمريكيا متبلور حول تجميد الاستيطان لعدة أشهر، مشروط بعدة ظروف أهمها: أن يسمح "لإسرائيل" في مواصلة البناء في الوحدات الاستيطانية التي قيد البناء، والحصول على تطبيع عربي مقابل تجميد مؤقت.

ويضيف: "في حال عدم قبول العرب والفلسطينيين تلك الشروط، فان "إسرائيل" في حل من هذا الاتفاق ، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن يعلن عن هذا الاتفاق الوشيك على هامش الجمعية العمومية".

 مقايضة

ومن الواضح أن أوباما أوقع نفسه في مطب عويص لم يجول بحسبانه، فسبعة أشهر فشل خلالها في ترويض الادراة الإسرائيلية بتجميد الاستيطان تثير الشكوك حول نجاحه بتحقيق حلم الدولة الفلسطينية خلال عامين- بحسب خطته المذكورة.

ووفقاً لمصادر إسرائيلية- فان الولايات المتحدة وافقت على عدم إطلاق اسم "تجميد" على وقف البناء الاستيطاني في المناطق المحتلة بل اسم "مورتوريوم" أي تأجيل مؤقت، ولن يجدد الاتفاق فترة زمنية دقيقة بل يتحدث عن تأجيل لمدة عدة أشهر من تاريخ الإعلان عن ذلك، ويبدي الأميركيون اهتماما بتسوية لمدة عام في الوقت الذي يتحدث فيه الإسرائيليون عن ستة شهور.

وبحسب الخلافات بين الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية- فان شكل خطة أوباما ستكون قائمة على المقايضة من خلال تحديد جدول زمني بدفع كذا مقابل الحصول على كذا (..)، وإذا لم توافق إسرائيل على تجميد الاستيطان بما يرضي الأطراف العربية والفلسطينية فإنها ستحرج الولايات المتحدة التي راهنت كثيرا وخلقت موقف دولي حول القضية- كما يقول عوكل.

ويضيف عوكل: "إذا نجح أوباما في تمهيد ميدان مفاوضات التسوية وأبدا الطرفان استعدادهما، فإقامة دولة فلسطينية أمر غير مستحيل ، فالفلسطينيون عمليا بدأوا في بناء مؤسسات الدولة في الوقت الحالي بغض النظر عن حالة الانقسام. وتابع: أمريكا والغرب أدركتا أن الوقت حان لبناء دولة فلسطينية تنهي النزاع القائم.

 قواسم مشتركة

ومن اللافت للنظر تزامن إعلان خطة أوباما مع مبادرة فياض لإقامة الدولة الفلسطينية، وتلويح عباس المتزايد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في حال فشل الجهود المصرية للوصول إلى مصالحة فلسطينية قبل السادس والعشرين من يناير، مما يثير تساؤلا حول تلك الأطروحات المتزامنة.

ويشير عوكل إلى أن هناك ترابطا بين تلك الأطراف للالتقاء عند نقطة معينة، ففياض يرى أن هناك مناخا دولي لإقامة دولة فلسطينية، وعليه ِأن يكون مستعدا لبناء الدولة في ظل وضع طبيعي، لافتا إلى أن عباس يريد أن يستبق موعد الانتخابات الفلسطينية، فبعد موعد السادس والعشرين من يناير لن يكون شرعيا، لأن حالة القرار السياسي لن تخدم الفلسطينيين.

وقال: المفروض أن يكون هناك جزءا من جاهزية الفلسطينيين، فموضوع التسوية مرتبط بضرورة وجود جهة فلسطينية منتخبة تفاوض الإسرائيليين.

ولا يختلف النعامي بقوله:" هناك قاسم مشترك بين النقاط الثلاثة، فعباس لديه إصرار واضح على الانتخابات من أجل منحه الشرعية للخوض في مفاوضات قد تفضي لشرعية الاستيطان ،

وأضاف: "المفاوضات لم تحقق تنازلات تذكر، لأن الطرف الإسرائيلي غير جاهز للتسوية، والراعي الأمريكي غير مؤهل للضغط على الاسرائيلين للتعامل مع ملف حل الدولتين، والقضايا الكبرى كالقدس واللاجئون والحدود، موضحا أن هناك التقاء حول نقطة معينة تشمل الحراك العربي، وخطة أوباما، والمصالح الإسرائيلية، ومنح عباس الشرعية.

 

البث المباشر