قائمة الموقع

مقال: رحمة في غير موضعها..بقلم : أ. يوسف علي فرحات

2010-04-19T08:19:00+03:00

أ. يوسف علي فرحات    

أقدمت وزارة الداخلية في الأسبوع الماضي على إعدام اثنين من العملاء وذلك بتهمة التعامل مع الاحتلال والتسبب في مقتل عدد من المجاهدين 0 هذا وقد أثار تنفيذ حكم الإعدام بحق هؤلاء المجرمين حالة من الارتياح في صفوف المواطنين ، كما أثار حالة من السخط لدى مؤسسات حقوق الإنسان ، والتي أظهرت حالة من الشفقة والرحمة تجاه هؤلاء الجناة 0

وهنا نقول إن الذين يتعاطفون مع هؤلاء المجرمين لا يفهمون العدل ، فكيف يشفقون على المجرم ، ولا يشفقون على الضحية ، أما دروا أن هؤلاء المجرمين تسببوا في قتل عدد من المجاهدين ، فكيف يمنح هؤلاء الحياة وغيرهم يحرمها ؟!

إن تفكير هؤلاء ومنطقهم يثير العجب ، يقولون : إنا خسرنا نفساً – وهو نفس الإنسان المقتول – فلا ينبغي أن نخسر نفساً أخرى ، وهي نفس القاتل 0

نظروا هذه النظرة الجزئية ، ونسوا أنَّ ترك هذا القاتل بدون عقوبة يجرئ غيره على القتل ، يغريهم بالقتل ، مادام الإنسان لا يُقتل ، وإنما يسجن ، ثم في مناسبة من المناسبات يُفرج عنه 0إن السجن لا يردع أمثال هؤلاء المجرمين القتلة ، قالوا : إن السجن تهذيب وتأديب وإصلاح ، ولكنا وجدنا أن الكثيرين من هؤلاء لا تهذبهم السجون ولا تصلحهم ، فالذي يسرق مثلاً يدخل السجن فيخرج منه أشد ضرواة وحنكة وتجربة ، تعلم من عتاة اللصوص الذين سبقوه فن الإجرام ، فلو كان معه الشهادة الابتدائية في الإجرام يجد من معه الثانوية ، وإن كان معه الثانوية يجد من معه البكالوريوس أو الدكتوراة في الإجرام 0

لهذا كله شرع الله القصاص ليؤمن الحياة للناس ، حتى لا يعتدي الناس بعضهم على بعض ، ولا يتطاولون بعضهم على بعض ، ويقتل بعضهم بعضاً دون رادع 0

إن للنفس الإنسانية منزلة كبيرة في هذا الدين ، حتى ولو كانت هذه النفس غير مسلمة ، إلا أنها معصومة ولا يجوز الاعتداء عليها بدون مسوغ شرعي ، فلحياة الإنسان قيمة كبيرة عند الله ، فهو بنيان الله تعالى ، ملعون من يهدمه ، ملعون من يريد أن ينتزع الروح من بين جسد إنسان ، ولم يعطه الله تعالى هذا الحق 0ولذلك قرر الله تعالى هذا القصاص لحياة الإنسان :﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ 0

هذا وقد وشغَّب البعض على نظام العقوبات في الإسلام ورأى أن العقوبة في الإسلام تتسم بالقسوة والهمجية والشدة 0 والرد على هذه الشبهة من وجوه 0

 

1- لابد من القسوة في العقوبة ردعاً للجاني ولكل من تسول له نفسه بارتكاب جريمة ، وذلك حماية للفرد والجماعة، فإذا لم تكن كذلك فليس لتطبيقها أي أثر في الزجر والردع . حتى تأديب الرجل ولده، لابد أن يكون فيه شيء من الإيلام والقسوة ليتأتي تأديبه وإصلاحه [انظر: التشريع الجنائي في الإسلام 1/655. ] 0 وقديماً قال الشاعر أبو تمام الطائي:

              فقسا ليزدجروا  ومن يك حازماً فليقس أحياناً على من يرحمُ

ولكن ما هي الدرجة التي يجب أن تقف عند قسوة العقوبة على جريمة ما؟

إن الذي يحدد هذه الدرجة هو تصور مدى خطورة الجريمة التي استلزمتها ، أي أن القسوة يجب أن تكون ملائمة للجريمة فتزيد بزيادة خطورتها وشدة آثارها، وتنقص بنقص ذلك.

وهذا الضابط هو محل وفاق عند جميع المشتغلين بالتشريع والقوانين مهما اختلفوا في تحليل فلسفة العقاب. وإن اختلاف القوانين العقابية الوضعية أكبر شاهد على ذلك.

والحكمة في تغليظ العقوبات الشرعية التي توصف بالقسوة، من قتل القاتل ورجم الزاني، وقطع السارق وغيرها من العقوبات المقدرة ظاهرة جلية، فإن هذه الجرائم هي أمهات المفاسد وكل واحدة منها تتضمن اعتداء على واحدة أو أكثر من المصالح الخمس الكبرى، والتي أجمعت الشرائع والعقلاء في كل زمان على وجوب حفظها وصيانتها لأنها لا يمكن أن تستقيم الحياة بدونها [انظر: على طريق العودة للإسلام ، للبوطي ص103-104، 126-128 ] .

2- إنَّ هؤلاء الطاعنين قد اعتبروا مصلحة المجرم ونسوا مصلحة المجتمع وأشفقوا على الجاني، وأهملوا الضحية واستكثروا العقوبة وغفلوا عن قسوة الجريمة ولو أنهم قرنوا العقوبة بالجريمة ولاحظوا الاثنين معاً، لخرجوا موقنين بالعدالة في العقوبات الشرعية ومساواتها لجرائمها. فالله - سبحانه وتعالى - شرع لكل جريمة ما يناسبها وجعل الجزاء من جنس العمل وما ربك بظلام للعبيد [انظر: مجلة البيان ص18 وروح الدين الإسلامي، ص429.  ].

3- إنَّ معاقبة الجناة هو في حقيقة الأمر بتر للعضو الفاسد من جسم المجتمع وهذا غاية المصلحة للمجتمع، كالطبيب الذي يستأصل بمبضعه العضو الفاسد من جسم أخيه . أليس ضربه المبضع في لحمه وقطعه الجزء الفاسد من جسمه مظهراً من مظاهر القسوة ؟ ولكنها قسوة هي عين الحكمة والرحمة والمصلحة، وبخاصة إذا قيست بما يترتب على تركها من هلاك وتلف، وما ينشأ عنها من آلام وأوجاع تفوق مصلحة بقائها. والمجتمع هو الجسم كله ، وما الفرد الفاسد إلا عضو من أعضائه [انظر: مجلة البيان ص18-19.].

قال عز الدين ابن عبد السلام:  "وربما كانت أسباب المصالح مفاسد، فيؤمر بها أو تباح لا لكونها مفاسد، بل لكونها مؤدية إلى المصالح، وذلك كقطع الأيدي المتآكلة، حفظاً للأرواح، وكالمخاطرة بالأرواح في الجهاد. وكذلك العقوبات الشرعية كلها ليست مطلوبة لكونها مفاسد، بل لأدائها إلى المصالح المقصودة من شرعها، كقطع السارق، وقطاع الطريق، وقتل الجناة، ورجم الزناة وجلدهم وتغريبهم، وكذلك التعزيرات، كل هذه مفاسد أوجبها الشرع لتحصيل ما رتب عليها من المصالح الحقيقية [قواعد الأحكام في مصالح الأنام ص35-36 الطبعة القديمة 1/12. ].

4- إنَّ الإسلام قبل أن يستأصل هؤلاء المجرمين، ويُقرر عليهم العقوبات الرادعة قد أعذر إليهم : حيث قدم لهم من وسائل التربية والوقاية ما كان يكفي لإبعادهم عن الجريمة ثم إنه لا يطبقها أبداً حتى يضمن أن الفرد الذي ارتكب الجريمة قد ارتكبها دون مسوغ ولا شبهة اضطرار، وذلك كالسرقة عام المجاعة، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الضرورة شبهة قوية تدرأ حد السرقة.

كما أن الإسلام يعترف بقوة الدافع الجنسي، ولكنه يعمل على إشباع هذا الدافع بالطريقة المشروعة، طريق الزواج. كما أنه يحرص على تنظيف المجتمع من كل وسائل الإغراء والإثارة التي تؤجج الغريزة، وتحرك كوامن الشهوة، كما أنه يأمر بغض البصر وحفظ الفرج، ويحرص –كذلك- على شغل أوقات الفراغ بالتقرب إلى الله والمسارعة إلى الخير، وبذلك كله يمنع الدوافع التي تسوغ الجريمة. ثم إذا وقعت فإنه يحتاط احتياطاً شديداً في إثباتها . وهكذا فليست العقوبة هي الوسيلة الأولى أو الوحيدة للإصلاح والتقويم ولكن حين يأتي دورها في التطبيق فإنها تمثل مواجهة حاسمة للظاهرة الإجرامية فهل يبقى بعد ذلك مجال للطعن في عدالة هذه العقوبات ومناسبتها ؟[ انظر: شبهات حول الإسلام  ، محمد فطب ص148-150 ومجلة البيان ص20 ]

5- إنَّ الغاية الكبرى من هذه العقوبات هو التخويف والردع الذي يمنع وقوعها ابتداء ولا يُحوج إلى اللجوء إليها إلا في أضيق الحدود. فإنَّ هؤلاء الذين يُشنعون بهذه العقوبات يتصورون –خطأ- أنها كالعقوبات الوضعية، ستطبق كل يوم، وعلى أعداد غفيرة من الناس، فيتصورون في المجتمع الإسلامي مجزرة هائلة: هذا يجلد، وهذا يقطع، وهذا يرجم. ولكن الواقع أن هذه العقوبات الرادعة، لا تكاد تنفذ إلا في نطاق محدود، وعلى أعداد يسيرة غارقة في الفساد، ومتأصلة في الشر والإفساد، وفي إيذاء الأمة، وزعزعة أمنها واستقرارها [انظر: شبهات حول الإسلام، ص155.].

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00