في سابقة هي الأولى من نوعها، تبدو ملامح التصدع في العلاقة بين السلطة الفلسطينية والأردن بارزة، رغم اللقاءات الدائمة بين الجانبين، والتأكيد المتبادل على دور الاردن في القضية الفلسطينية، حيث أن الحديث عن خلافات بينهما نادر، بالنظر الى تعدد المصالح الشخصية لأعضاء متنفذين داخل السلطة في عمان.
أصل الخلاف والتصدع برز من الدور الذي لعبه الاردن في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، حسب ما كشفه مصدر أردني مسئول فضل عدم ذكر اسمه، الذي أكد على انعدام ثقة الاردن بالسلطة.
وقال المصدر لـ : "غالبا ما كانت السلطة تطلب تدخل الاردن في المفاوضات للضغط على الاحتلال للقبول ببعض القضايا، وعندما يتدخل يجد أن السلطة قد تنازلت عنها"، وتكرار هذه الحالة خلال مسيرة المفاوضات الماضية، وما سببه من احراج متكرر للأردن أحدث شرخا للثقة في السلطة.
اضافة الى الخلاف حول ملف تعويض اللاجئين الفلسطينيين في الاردن، رغم عدم انشاء صندوق لتعويضهم حتى اللحظة، إلا أن السلطة تصر على أن تتولى مهمة توزيع أموال التعويض على اللاجئين، وهو ما يلقى معارضة اردنية.
واشتد الخلاف بين الجانبين الفلسطيني والاردني، على اثر عدم حصول السلطة الفلسطينية على حصتها المالية من الموافقة على مخطط "قناة البحرين" بين عمّان وتل أبيب.
وأكد مصدر فلسطيني وثيق الاطلاع لوكالة محلية، أن السلطة الفلسطينية أبدت اعتراضها على تمرير المخطط دون أن تكون طرفًا في الاتفاق كما كان مطروحًا سابقا، وينص المخطط على موافقة الأردن على إنشاء "قناة البحرين" بينه وبين دولة الاحتلال، مقابل أن تقوم الأخيرة بدفع أموال جراء الضرر الذي سينتج اثر ضخ المياه العادمة والملوثة في البحر الميت.
وفي ضوء هذا الخلاف يأتي تأكيد رئيس السلطة محمود عباس خلال كلمته في منتدى "دافوس" المنعقد في الأردن الجمعة، على العلاقة الأخوية التي تربط البلدين الشقيقين الأردن وفلسطين، والتي تشكل أرضية صلبة لتعزيز التعاون في مجالات مختلفة، وهو ما قد يُفهم على أنه غزل طبيعي لحليف استراتيجي للسلطة الفلسطينية.
وفي ذات المكان والزمان، يعبر رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور، عن خشيته من أن تتفاجأ الأردن بمفاوضات إسرائيلية فلسطينية سرية تفضي إلى اتفاق هزيل على غرار أوسلو وفق ما نشرت الإذاعة الإسرائيلية باللغة العربية.
حديث بدا صادما للطرف الفلسطيني الذي سبق أن غازله من وقت قريب، مما يثير علامات الاستفهام حول ما يدور في الخفاء، وما اذا كان الاردن مطلعا على لقاءات تدور بين السلطة والاحتلال تحت الطاولة، وحاولت "الرسالة" أخذ تعقيب من السلطة الفلسطينية على حديث النسور، الا أن كل المحاولات باءت بالفشل ورفض كل من تواصلت معهم التعقيب عليه، ومنهم من نفى تصريح النسور.
وفي غمرة هذا الحديث لا يمكن تجاهل ما تم الكشف عنه خلال الفترات الماضية، عن عقد لقاءات بين مسئولين في السلطة والاحتلال بعمان، كان آخرها لقاء محمود الهباش مستشار رئيس السلطة مع مسؤولين إسرائيليين مؤخرًا، اضافة لقيادة الاردن دفة لقاءات جمعت مسئولين اسرائيليين مع ممثلي عدد من الدول العربية، ما يعني أن تحركات السلطة لا تغيب عن العين الأردنية.
لكن التخوف الأردني بحسب الكاتب والمحلل السياسي الأردني راكان المجالي، قد يكون متصلا بنشاط الحركة الدولية التي تقودها مساع فرنسية للذهاب إلى مجلس الأمن الدولي، عبر مبادرة تستهدف عودة المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وفق مدة زمنية لا تتجاوز 18 شهراً، تستند إلى مبدأ حل الدولتين وإعلان دولة فلسطينية على حدود العام 1967 مع إمكانية تبادل أراضٍ بين الطرفين.
ولم تغفل المبادرة الفرنسية مسألة تعويض اللاجئين، مما يعيد للذاكرة الخلاف المستمر حتى اللحظة بين السلطة والاردن حولها، ما يعني استمرار وتشعب الخلاف بينهما اذا لم يصلا الى حل لها، وفق المجالي.
من جانبه أكد فالح الطويل السفير الأردني الأسبق لـ ، على عمق العلاقة الاردنية الفلسطينية، ونفى احتمالية تمدد وتوسع الخلاف بين الاردن والسلطة، واصفا اياه "بخلاف الأخوة".
وحول موقف الاردن من أي جولات تفاوضية مقبلة بين السلطة والاحتلال، قال: "الأردن يريد اجبار (إسرائيل) على الجلوس للمفاوضات حول قضايا محددة ووفق جدول زمني محدد، يقضي بإنهاء احتلاله للدولة الفلسطينية على حدود 67"، موضحا أن الدول العربية والأوروبية باتت مقتنعة بهذه الطريق لحل القضية الفلسطينية.
وأشار الى رفض الاحتلال اقامة دولة فلسطينية، ويغطي رفضه بطبقة من الدبلوماسية لا تنطلي على احد، لا سيما وأن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو أعلن خلال لقائه مع فيدريكا موغيريني مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أنه مع حل الدولتين، مخالفا ما وعد به جمهوره خلال الانتخابات الاسرائيلية.
ومن وجهة المحلل المجالي، فإن اعتقاد واشنطن إذا كان هناك من داعٍ لمفاوضات فلسطينية- إسرائيلية، فإنه ينبغي أن تكون في عهدة (إسرائيل)، بحيث ألا يخضع التفاوض إلى مرجعية دولية وأجندة زمنية، بقدر ما هو موقف أميركي متساوق مع نظيره الإسرائيلي للاستفراد بالملف الفلسطيني.
وأمام التخوف الأردني من انتاج اتفاق "هزيل" على غرار اتفاق اوسلو خلال المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية المتوقعة، التي يُشرف على توقيع نتائجها مهندس أوسلو محمود عباس، تبقى العلاقة بين الطرفين والمشاريع القائمة بينهما قيد انتظار ما ستؤول اليه تلك التخوفات.