في خطوة مفاجئة أعلن مدير عمليات الأونروا في غزة روبرت تيرنر، عزمه مغادرة منصبه في منتصف تموز المقبل، بعد ثلاثة سنوات من العمل شهد فيها القطاع جولتين عنيفتين من المواجهة، نجم عنها كم مهول من المأساة والكارثة التي أحلت بالقطاع.
إعلان الاستقالة تزامن مع خطوات تقليص حادة شملت قرابة النصف من احتياجات القطاع من حيث الجوانب الاغاثية والتشغيلية في قطاع غزة، وهو أمر ألمح إليه تيرنر من بين أسباب الاستقالة التي تقدم بها، مع اقراره بأن غزة أثبتت انها لا تقهر، رغم ما تتعرض له من أزمات.
ما يفسر موقف تيرنر، الخطوات المفاجئة التي اتخذتها الوكالة اتجاه اللاجئين المشردين بتراجع مساعداتها المالية والعينية، بذريعة تراجع دعم الدول المانحة لبرامجها الإغاثية، وهو الأمر الذي يرفضه اللاجئون بخطوات احتجاجية سلمية.
وبموجب القرار الأممي (302) الصادر عام 1949م، فإن وكالة الغوث هي المسئولة عن اللاجئين الفلسطينيين (الضفة المحتلة، قطاع غزة، الأردن، سوريا، ولبنان)، وهذا التعريف حرم ما يزيد عن 25% - 30% من اللاجئين من خدمات وكالة الغوث، طبقًا لإحصاءات مراكز مختصة بدراسة اللاجئين.
ومؤخرًا أصدرت الوكالة قرارًا يفضي بوقف برامج اغاثية وتشغيلية في قطاع غزة، ولبنان، بينما شهد العقد الأخير توقفًا لعدد كبير من البرامج التشغيلية المصطلح عليها بـ"البطالة"، وتقليص لعدد المستفيدين من برامج الإغاثة إلى نحو النصف تقريبًا.
وكان عدد المستفيدين من خلال برنامج خلق فرص عمل لغاية عام 2011م، حوالي 3500 شهرياً، انخفض إلى الثلث في 18/7/2011م، وأعلنت آنذاك انه وقف مؤقت ثم لم يعاد تفعيله لاحقًا.
وأعلنت الوكالة عن وقف المساعدات التي تتعلق بـمتضرري العدوان الأخير على قطاع غزة كافة، لعدم وجود أموال في خزينتها وعدم إيفاء الجهات الداعمة بتقديم أموالها للوكالة حتى اللحظة.
تقليص الخدمات التعليمية
ويخشى اللاجئون من انتهاج الوكالة بغزة مسار نظيرتها في الأردن، بتقليص عدد مدارسها وموظفيها في المدارس، تحديدًا في ظل ما يرشح من قرارات لدى الوكالة بتقليص عدد المعلمين، واستبدال المختصين منهم بمدرسين يعملون في تدريس مجال الحرف، فضلًا عن وجود مقترح يفضي بدمج أكبر عدد من الطلبة في فصول صغيرة.
وأكدّ مصدر خاص بـ"الرسالة"، وجود نقاش يدور في أروقة الوكالة بزيادة (طالب -طالبين) في كل فصل دراسي بغزة، مع زيادة الاكتظاظ الكبير في الفصول الدراسية المكتظة أصلًا، وما ينجم عنه من آثار سلبية على الأداء والتحصيل العلمي للطلبة.
وقال المصدر إن هذا القرار يعني أن يتم التخلي عن توظيف 250 مدرس جديد أعلنت الوكالة عزمها توظيفهم في غزة، من أصل 22 ألف خريج في القطاع تقدموا لهذه الوظيفة، موضحا أن القرار يشمل أيضًا تقليص في ترفيع المدراء، عدا عن التقليص في عدد الأذنة.
يذكر أن الوكالة وظفت حوالي 75 من المعلمين الجدد العام الماضي، بينما تركت حوالي 70 منهم دون توظيف. كما أفاد بذلك نقابي باتحاد المعلمين بوكالة الغوث.
وإزاء ذلك أكدّ مسئول ملف اللاجئين في حركة "حماس" عصام عدوان، مؤخرًا، عن قرار جديد لـلأونروا، يتعلق بإجراءات تقليصات كبيرة من مستحقي المساعدات التموينية بقطاع غزة في الفترة القريبة، على الرغم من سوء الأوضاع الإنسانية في القطاع.
القرار يعني أن يتم التخلي عن توظيف 250 مدرس جديد أعلنت الوكالة عزمها توظيفهم في غزة
الجانب الصحي
ويعد قطاع غزة الأكثر ازدحامًا في العالم من حيث الزيادة الطبيعية بالسكان والتي تصل لـ (3.5%)، ويعيش فيه حوالي (1.848,794)، 75% منهم لاجئين.
ولم يتوقف قصور خدمات الوكالة على الجانبين الاغاثي والتعليمي، فحسب، بل تعداه ليشمل المستوى الصحي، فغزة يوجد بها حوالي 24 مركزًا طبيًا يتبع لوكالة الغوث.
مسئول في اتحاد موظفي الوكالة، قال إن هذه المراكز لم تشهد تعيينًا جديدًا لأطباء منذ خمس سنوات حيث عيّنت عددًا محدودًا قبل ذلك لم يتجاوز العشرة، بينما لم تعين منذ 4 سنوات أحدًا من الممرضين.
وقال المسؤول "الطبيب الذي كان يعالج مائة شخص أصبح الآن يعالج ألف نظرًا للزيادة العددية بعدد اللاجئين".
أسباب غير مقنعة
وتتذرع وكالة الغوث اتجاه التقليصات الحادة في خدماتها المقدمة للاجئين، نظرًا لتراجع الأموال من الجهات الدولية المانحة، الأمر الذي ألقى بظلاله على طبيعة هذه الخدمات.
وقال سامي مشعشع المتحدث الرسمي للأونروا، إن الوكالة تعاني من عجز مالي في الموازنة العامة ما يزيد مجموعه عن 106 ملايين دولار، مؤكدا أن التبرعات المالية لم تواكب مستوى الطلب المتزايد على الخدمات.
ولم يستبعد مراقبون أن تكون استقالة تيرنر، رسالة غضب واحتجاج، تبعث بها الشخصيات الدولية العاملة في غزة، لتعلن من خلالها خطورة الأوضاع التي يمر بها القطاع.