منذ زمن بعيد كانت أسطورة حورية البحر قد استنزفت بعضا من حبر أقلام الشعراء وأدباء الماضي حين دونوا أحداثها، وها هي تشغل تفكير ريشة الرسام وعدسة المصور لهذا الزمان. المصوران الصديقان إبراهيم فرج وفادي ثابت استغلا شاطئ "المدينة المحاصرة" غزة وطفلتين كانتا تداعبان الشاطئ وراحا يرسمان بعدستهما شيئا لربما يحاكي تلك الأسطورة الخالدة وجمال غزة من جهة أخرى.
شاطئ مدينة النخيل "دير البلح" وسط قطاع غزة نادى على الطفلة أسماء (12عاما) وعلى المئات من أهل المدينة، لينعموا بأجوائه المنعشة، طالبًا منهم أن يقتربوا إليه ويبتعدوا عن رائحة البارود ومشاهد الجدران الممزقة ولو لسويعات.
استجابت أسماء لهذا، وراحت تداعب البحر على طريقتها، بشكل متكرر تغط رأسها الذي يغطيه شعر خروبي طويل بالماء، ثم بحركة فنية ترفعه، راسمة أقواسا من ذرات الماء تعلقت في الهواء للحظة.
لم يدر في خلد أسماء أن ذلك الجمال العفوي الذي ترسمه بمساعدة البحر وشعرها، ستقنصه عدسة المصور الصحفي إبراهيم فرج، ولم تعلم في يوم من الأيام، أنه سينادى عليها "حورية البحر"، فصورة إبراهيم غزت مواقع التواصل الاجتماعي وأخذت رواجا أسرع من النار في الهشيم، ليطلق عليها المغردون والناشطون "حورية بحر غزة".
كان وقت ظهور تلك الحورية بعد ما استقر قرص الشمس في كبد السماء الذي رمى بأشعته على صفحات البحر، وأظهر ملابس الطفلة وما يحيطها بمنتهى القوة في الألوان، ورغم أن تلك الصورة التي أظهرت جزءا من وجه غزة الجميل الملطخ بالغبار بفعل الدمار، إلا أنها تعرضت لانتقادات البعض، فأحدهم تعجّب وقال إن هذه حركة مفبركة، وآخر تساءل كيف للمصور أن يلتقط الصورة دون أخذ أذنها؟، ولكن دون شك ستبقى لوحة الطفلة أسماء خالدة هكذا قال الكثير حين شاهدوها.
حورية الجنوب يبدو أنها استدعت أبناء سلالتها، ففي أقصى شمال غزة بالقرب من شاطئ منطقة الواحة، خرجت من لُجج البحر حورية أخرى تدعى " شهد".
كانت عدسة المصور الفني فادي ثابت الصديق المقرب من إبراهيم، تراقب بهدوء شاطئ البحر الذي احتضن الوافدين إليه. واحد من هؤلاء الوافدين، الطفلة شهد والتي راحت تتكلم مع مياه البحر بشعرها المُسدل إلى أسفل ظهرها، والذي بان للعلن أن الطفلة تحاول تقليد صورة أسماء المشهورة. المصور فادي لبّى رغبة شهد، فمع انحدار الشمس إلى المغيب، وهو الوقت الأنسب لالتقاط الصور الجمالية، ضغط المصور على زر كاميرته موجها العدسة قُبالة جسد شهد الصغير وشعرها، لينتج لوحة تشابه لوحة صديقه.
تشابهت فكرة المصورين، ولكن الناظر بتأمل في الصورتين، يجد أن لكل واحدة زاوية خاصة من الجمال. تعرض المصور فادي لانتقاد حاد فاعتبره الكثير أنه تعمد التقاط الصورة، وأن تقليد صديقه شيء مذموم، لكن المصور ثابت كان قد أرفق الصورة التي نالت إعجاب الكثير بنص مفاده أن اللقطة جاءت صدفة، وقبل نشرها استأذن من صديقه إبراهيم نشرها على صفحته الخاصة.
يختتم فادي حديثه مع "الرسالة": " أنا وصديقي إبراهيم نحاول أن نظهر وسنظهر الوجه الجميل لغزة المحاصرة".
ورغم أن الغزيين بالغوا في وصف صورة الحوريتين أسماء وشهد وإعطائهن ذاك اللقب، إلا أن الناظر إلى الصورتين سيبتسم ويقول: "ما أجملك يا غزة".