قائد الطوفان قائد الطوفان

أسماها بـ(Symbolic)

رسومات الفنان المدهون تبث الروح في جدران مهشمة

احد صور الفنان المدهون
احد صور الفنان المدهون

الرسالة نت- محمد أبوزايدة

 

زادت لحظة تأمله بينما يضع كفتا يديه على أوداجه، هائمًا في عالمٍ آخر، بعدما قدّم لوحة فنية ليشارك أصدقاءه بها، فسخروا منه بقولهم "الجميع يرسم مثلك، لم تأتِ بجديد"، حتى وقع نظره لحظتها على جدرانِ بيته المهشم، فجالت في ذهنه فكرة أن يحييه من جديد بريشته.

جلس الشاب رمزي المدهون "متربعًا" في زاوية بيته في حي الزيتون شرق مدينة غزة، وبدأ يرسم عليه طفلًا يتأرجح على حبلٍ وكأنّه في "سيركٍ" مستعينًا بتشققات الجدار لتعطي شكلًا مكملًا لرسوماته.

"أنهيت رسمتي الأولى قبل أربعة أشهر، وعرضتها على من سخروا مني فصدموا من الفكرة، ونالت إعجابهم بشدة"، يقول المدهون (30 عامًا)، ويشير إلى أنّه صوّرها بهاتفه المحمول، وعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي حتى لاقت صدىً كبير.

ولفت الشاب الفنان إلى أنه بحث عما يشبه فنّه على الشبكة العنكبوتية فلم يجده من قريبٍ أو بعيد، وأوضح أنّ رسوماته عبارة عن " الرسم على تشققات المنازل، بصورٍ صغيرة الحجم باللون الأسود، تعطي دلالاتٍ من الواقع". فشرع برسوماته على جدران بيته، وأطلق عليه اسم (Symbolic).

"ماذا تعني؟"، سألنا المدهون، فأجاب "هو الترجمة لمعنى اسمي، ويوحي بالرسم الرمزي، الذي أجمع من خلاله بين اللون الأسود والحجم الصغير".

تواصلت رسومات المدهون، حتى أضحى بيته لوحة فنية من الرسومات، وفي كل رسمةٍ يسرح بخياله مع ما يناسب التشققات، وينتهي برسمةٍ جديدة، تعطي فكرة من الواقع.

لم تكن موهبته وليدة لحظة "الخيال"، لكنّ لها جذور تعود لـ(15 عامًا)، حينما اكتشف موهبته بالرسم أثناء دراسته للمرحلة الاعدادية، وهو ينجز تكليفًا بمادة "الفنون الجميلة"، فأنهى لوحة بـ"قلم الفحم"، حازت على "تصفيق جميع الطلبة".

استمر في رسوماته لأنّها "تخرج طاقة من داخلي، وأعتمد على تجسيد ما يقع أمام ناظري في حدود ورقاتٍ صغيرة، إلى أن أتقنت الرسم بالزيت، ثم انقطعت فترة بسبب ضغط العمل، وعدت قبل أشهرٍ من جديد". وفق قوله.

ويعملُ المدهون مديرًا لقسم انتاج القهوة في شركة والده، مؤكدًا أنّ فنه "هواية تعبر عما في داخله، ويهرب من العالم إليها".

ومع كل هروبٍ من واقعه، يلجأ لزوايا بيته، يجلس جلسته المعتادة، فيحيط به أطفاله الصغار الأربعة، يكثرون من أسئلتهم العفوية البريئة، وغالبًا ما يخرج ضيفنا بفكرةٍ جديدة نتاج اجابته عن استفساراتهم.

" لا يفارقوني أثناء الرسم، ويجتمعون حولي ويسألون عن سبب هذه الرسمة، ويتساءلون إن كانت تعكس حزني أم ماذا"، يقول المدهون، متبسمًا وهو يسرد موقفًا مع ابنه البكر "علاء (9 سنوات)"، حينما يرقب ريشته وهي تشق خطوطها على الجدران، فيسعى إلى تقليد والده بذلك.

يضيف " لديه الموهبة، وأسعى لتنميتها من خلال الرسم أمامه، وتشجيعه على رسوماته حتى لو كانت بسيطة"، لافتًا إلى أنّ صغيره يعرض الصور من خلال طباعتها على زملائه، وكثيرًا ما يحتدم النقاش بينهما، وينتهي بـ"مشكلة دفاع عن فن والده".

بأسلوب الفخر بنفسه يتحدث رمزي، "أنا أكمل الرسم لهدفين، أولهما تعليم أبنائي أن لا شيء مستحيل، ولتزيين الجدران التي كنّا نعاني من تشققاتها، وأصبحنا نبحث عنها لنعطيها شكلًا جديدًا وفكرة ذات قيمة، والهدف الآخر لأوصل رسالة للعالم أن غزة تخرج منها مواهب، حتى لو وضعت داخل قفصٍ لا يدخل إليه الهواء".

البث المباشر