استثمر الكيان (الإسرائيلي)، أموالاً طائلة في بناء مطار رامون الذي يقع قرب مدينة أم الرشراش المحتلة (إيلات)، أقصى جنوب فلسطين التاريخية، إلا أن نسبة المسافرين فيه كانت شبه معدومة -وفقًا لمختصين في الإعلام العبري-.
وقبيل "وفاة" هذا المطار المهمش، لعبت (إسرائيل) مجددًا بورقة سلطة فتح الأمنية، وصرحت مسبقًا أنها ستسمح للفلسطينيين باستخدام المطار، لتسير منه رحلات السفر مباشرة.
ولم يدم الأمر طويلاً، حتى سيرت فعليًا أولى الرحلات التي تقل فلسطينيين إلى قبرص، ليتم تفعيل مطار رامون رسميًا أمام الفلسطينيين، دون أن تسجل السلطة موقفًا واضحًا من هذه الرحلات رغم أبعادها السياسية الخطيرة.
الجدير ذكره، أن مساحة مطار رامون تبلغ 14 ألف دونم، وبتكلفة بناء نصف مليار دولار، ويعتبر ثاني أكبر مطار في الكيان (الإسرائيلي).
عجز أم صفقة؟
يقول الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، إنه منذ أشهر عدة، أعلنت (إسرائيل) عن عزمها السماح للفلسطينيين باستخدام مطار رامون الذي يقع قرب إيلات، والسبب المعلن لهذا الإجراء اقتصادي، وهو إنقاذ المطار الذي كلف أموالًا كبيرة، ولم يستخدمه المسافرون، ولكن السبب الأهم سياسي؛ حيث إنه يقضي على الآمال الفلسطينية في توفير – لا الآن ولا في المستقبل - أحد مقومات السيادة بإعادة فتح مطار القدس في قلنديا، ومطار غزة، وإقامة مطارات أخرى في أريحا وغيرها كما خطط في بعض الأوقات".
وأضاف المصري، في مقال كتبه، أنه "لم تعلق السلطة على هذه الأنباء، على الرغم من أن السماح باستخدام المطار يقوّض ما تبقى من صلاحيات لها، فالمسافر ليس بحاجة إليها، فهو يمكن أن يسافر إذا حصل على الضوء الأخضر من الاحتلال دون دفع رسوم وبأسعار سفر مخفضة ومغرية برًا وجوًا على الأقل في البداية".
وأوضح الكاتب في مقاله أن السلطة اكتفت على الرغم من كل ذلك بالقول في البداية أن لا علم لها بالأمر، بينما ذكرت ونقلت مصادر إعلام (إسرائيلية) أن السلطة أُعلِمت بالأمر، وأنها عارضته معارضة وصفتها بالناعمة، وتم افتعال أزمة معبر الكرامة خلال الفترة الأخيرة، واستمر صمت السلطة، وعندما أُعلن عن تنظيم رحلات -أولاها تمت بالفعل يوم أمس- تساءل الكثيرون: هل موقف السلطة عجز أم ناجم عن صفقة؟ وإذا كانت الثانية فمن يقف وراءها: السلطة، أم أفراد منها من وراء ظهرها؟
ومضى المصري بالقول: "لم يبدد هذه الشكوك إعلان وزير المواصلات أن السلطة تعارض قيام الفلسطينيين بالسفر عن طريق مطار رامون، وستنظر في اتخاذ إجراءات ضد شركات السياحة ومن يستخدم هذا المطار من الفلسطينيين من دون أن يتم تنفيذ ذلك، ومن دون موقف رسمي جدي واضح وضوح الشمس، فلن تجرؤ مكاتب السياحة المرخصة لدى السلطة ولا المسافرين على السفر لو هناك رفض حقيقي".
ويضيف: "وتعرض موقف السلطة سابق الذكر للسخرية والانتقاد من أوساط شعبية واسعة: أولًا، نظرًا إلى صمتها طوال أشهر، ثم تهديدها اللفظي بمعاقبة من يستخدم مطار رامون. وثانيًا، لأن الآلاف من كبار موظفي السلطة والقطاع الخاص والمنظمات الأهلية وعائلاتهم والحاصلين على بطاقات (VIP) و(BMC) يستخدمون مطار اللد، وهناك إجراءات (إسرائيلية) اتخذت لتوسيع إصدار تصاريح للسفر عن طريق مطار اللد من دون أن تحرك السلطة ساكنًا".
وقال "حتى تثبت السلطة أنها جادة في الرفض، عليها أن تتخذ قرارات وعلى كل المستويات من الرئيس واللجنة التنفيذية، وانتهاء برئيس الحكومة ووزرائها، وتنفذها الشرطة والأجهزة الأمنية والوزارات ذات العلاقة، تقضي بمنع استخدام مطاري رامون واللد، فما هو حرام على الفقراء يجب أن يكون حرامًا على الأغنياء وأصحاب النفوذ، ومن دون ذلك سيبقى التساؤل: صفقة أم عجز؟ كما عليها أن تعمل مع الأردن لتحسين شروط السفر عبر معبر الكرامة، لجهة الوقت والتكاليف والمعاملة، والضغط الفلسطيني الأردني على (إسرائيل) لتسهيل الإجراءات، وفتح المعبر 24 ساعة كما وعد الرئيس الأميركي جو بايدن في زيارته الأخيرة.
السلطة تكذب!!
وفي السياق، أعلن مسؤول شركة طيران (إسرائيلية)، أن الرحلة الأولى التي نقلت مسافرين فلسطينيين من مطار رامون، سُيرت بالتنسيق بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية".
وكشف أمير عاصي المستشار الاستراتيجي لشركة "أركيع" (الإسرائيلية)، أن الرحلة جاءت بـ"مبادرة خاصة بالتنسيق مع السلطات الفلسطينية و(الإسرائيلية) المعنية".
وقال إن المسافرين القادمين من بيت لحم والخليل ونابلس وأريحا، تجمعوا عند معبر ميتار في الجزء الجنوبي من الضفة الغربية ثم نقلوا مباشرة إلى المطار، موضحًا أنه في السابق أقلعت رحلات مماثلة لحاملي جوازات السفر الفلسطينية انطلاقا من مطار "بن جوريون".
وتأتي التفاصيل التي سردها عاصي، لتفند ما صرح به وزير النقل والمواصلات في حكومة اشتية عاصم سالم، قبل أسبوع، والتي حذر فيها من فرض عقوبات على أي فلسطيني يقلع عبر مطار رامون حال تم فتحه مجالاته الجوية أمام الفلسطينيين.