لم تنفك السلطة الفلسطينية وحلفاءها في منظمة التحرير تحديدًا، من ربط مفهوم اتفاق التهدئة المرتقب، مع نظرية المؤامرة، إذ راق لمسؤوليها والمتحدثين باسمها نعت جهد التهدئة بـ" الفخ"، أمام سيل من التصريحات اطلقتها قيادات السلطة والمنظمة معًا، للتعبير عن سخطهم ضد حماس والاتفاق المزمع.
ليس هناك ما تقدمه هذه الأطراف، سوى القاء التهم ورفع مسمى التمثيل الشرعي والتباكي على منظمة لا يعرف رئيسها عدد أعضاء مجلسها الوطني، بل لا يعرف أعضاءها أين تذهب نقود صندوقها الاستثماري، دون أن تبحث هذه الجهات فعلًا ما قدم من مقترحات أوروبية لتثبيت التهدئة، الذي قدمها اصلًا عزام الأحمد رئيس وفد المصالحة اثناء العدوان على غزة الصيف الماضي.
ما تشير اليه الأطراف المعينة بإعداد "طبخة التهدئة"، قالوا أنها أوشكت على الانتهاء، إلّا ان ثمة ما يستوجب ان يحظى بإجماع وطني ترغب حماس الحصول عليه لضمان حياة أطول لهذه التهدئة، خاصة مع فصائل المقاومة، ما دفع لتأخير الإعلان عن بعض خطواتها، حسب ما ذكره مسؤولون بحماس لـ .
وقال قيادي بالحركة مفضلًا عدم الإفصاح عن اسمه، إن ما تم تقديمه من مقترحات يمكن ان يشكل قاعدة متفق عليها فلسطينيًا، خاصة وأنها جزء من مطالب تقدمت بها الفصائل في نقاشات التهدئة مع الاحتلال في القاهرة، إلّا أن ثمة ما يستوجب نقاشًا مع القوى الفصائلية، خاصة بما يتعلق بعمر التهدئة وطبيعة ظروفها ومعطياتها.
وأشار القيادي إلى أن ما يمكن الحديث بشأنه أفكار مهمة تضمنت عدة مبادئ وتفاصيل، ولم تتبلور في خطة جاهزة للنقاش بعد كي يرد عليها رسميًا.
لكنّ فحوى ما سرّب وما يمكن ان يستشف من حديث القيادي، أن التهدئة ستكون مقابل رفع كامل للحصار البري والبحري عبر فتح نوافذ القطاع وتشغيل معابرها حتى بما في ذلك التي أغلقت اول الانتفاضة وهي أربعة معابر، وتنظيم الية لفتح معبر رفح، مع تشغيل ميناء بحري لم يتفق على مكانه بعد.
ويؤكد الدكتور صلاح البردويل القيادي بحماس، أن ما تذهب اليه الأطراف من اتفاق لن ينفصل عن فحوى مشروع سياسي قائم على شراكة داخلية بين الفصائل، ويضمن تهدئة واسعة بغزة والضفة والقطاع والقدس معًا ( ضمان عدم وجود تجاوزات)، إضافة لـبحث قناة غير مباشرة لإنهاء أزمة الأسرى.
بالونات اختبار
وذهب لتأكيد هذا الموقف، زياد الظاظا عضو المكتب السياسي لحماس، حيث ابدى حرص حركته التواصل مع جميع القوى تحديدًا تلك التي تقاوم الاحتلال وترفض وجوده، ما يعني أن الحركة تضع أولوية النقاش مع فصائل المقاومة.
وحذر الظاظا في حديثه لـ"الرسالة"، التعاطي مع الترويج الإعلامي المهول لهذه التهدئة، لان كثيرًا مما يطرح هو بالونات اختبار من (إسرائيل) واطراف مرتبطة بها، في إشارة الى السلطة الفلسطينية.
أمّا حركة الجهاد الإسلامي، فأعلنت على لسان خضر حبيب، موافقتها من حيث المبدأ على اتفاق تهدئة مع الاحتلال، لكن ينبغي أن يكون ضمن شراكة سياسية واحدة، وضمن سقف زمني محدد شريطة الا يتجاوز خمسة أعوام، خشية الا يقام واقع احتلالي جديد داخل الأراضي المحتلة، مشيرًا إلى عدم تلقي حركته لهذه اللحظة أي أفكار بشأن التهدئة.
وذهبت تقديرات سياسية إلى أهمية مقترح التهدئة وما يحمله من انفراجات خاصة في المجال المعيشي والاقتصادي في قطاع ضجّ بالفقر والجوع والبطالة، وما نجم عن سنوات الحصار، من نسب مرتفعة لهذه الظواهر التي باتت تؤرق كاهل المجتمع.
وتشعر السلطة بخشية حقيقية من التعامل الدولي مع حركة حماس، خاصة وأنها ليست مشرفة على "طبخة التهدئة"، وهو مثار تهجمها عليها، وفق ما قاله حسن خريشة لـ"الرسالة"، وما اثار خشيتها فتح القنوات الأوروبية التي كانت مغلقة لوقت قريب مع حماس، وسط تسريبات بلقاءات عالية المستوى عقدت بين الحركة ومسؤولين أوروبيين.
السلطة أمام خيارين
ولم تعد أوروبا متحفظة على فتح باب سياسي مع الحركة، ما يعني أن عباس لم يعد هو المحتكر السياسي للقرار الفلسطيني، وأن ثمة طرف يدرك عباس قوته مقارنة به، وخشيته من وجود البديل، بتقدير المراقبين.
ما يفسره الدكتور محسن صالح رئيس مركز الزيتونة للدراسات الاستراتيجية، أن السلطة فعليًا أمام خيارين، أولهما الخشية من تصاعد نفوذ حركة حماس إن تحققت تهدئة طويلة وصاحبها اعمار، واضعاف قدرة السلطة على السيطرة في القطاع، والضغط الثاني حرص السلطة على القيام بإدارة القطاع وفق معاييرها.
وقال صالح لـ"الرسالة"، إنّ السلطة ترغب فعليًا ضمان إدارة العلاقة الخارجية للقطاع ضمن إيقاعاتها وضوابطها المحددة، خاصة وأن حكومة الوفاق لن تتمكن من انجاز برنامج التهدئة باعتباره اتفاقًا بين المقاومة والاحتلال، وتجاهل المجتمع الدولي لدورها في ذلك.
ورأى أن التحدي الأبرز يكمن في الصراع حول مستقبل برنامجي التسوية والمقاومة في الضفة والقطاع، أيهما سيكون انجع وخيارًا مهمًا، خاصة ان تحقق انجازًا ملموسًا لأهل القطاع.
وعلاوة على ذلك يرى المحلل السياسي الدكتور فايز أبو شمالة ، أن فصائل في منظمة التحرير ايضًا تخشى ما يخشاه عباس من انجاز لحركة حماس، وستصب جهودها في النيل من أي انجاز قد تحققه الحركة، كي لا تبدو في موطن من يسرق إنجازها.
وأوضح أن عباس يخشى فعلًا من نجاح مفاوضات حماس، رغم فشل مفاوضات السلطة التي أجريت لمدة تزيد عن العقدين، عدا أن أي نجاح سينتزع أوراق احتكار التمثيل من عباس، خاصة وأنها ستكون قد جردته من موقفه السياسي بشكل كامل.
وأيّا تكن اختلاف المواقف السياسية، إلّا أن من دمرت بيوتهم ولا زالوا يعيشون في العراء دون أن يطل عليهم رئيس السلطة بنظرة واحدة، لن تهمهم كثيرًا وساوسه، وسينظرون بشغف لأي انجاز تحققه مقاومة عايشوا إنجازاتها قبل عام، بانتظار ان تحقق لهم الوعد برفع الحصار وكسره للابد.