وسط ارتفاع في الحرارة قد يتخطّى في بعض البلدان العربيّة والإسلاميّة الدرجات المئويّة الخمسين، يحلّ شهر رمضان هذا العام. ولا يتردّد المؤمنون في الصيام على الرغم من طول ساعات النهار واشتداد القيظ والعطش، فالحديث واضح "من عطّش نفسه لله في يوم حار، كان حقاً على الله أن يرويه يوم القيامة".
هذه ليست المرّة الأولى التي يؤدّي فيها الصائمون فريضتهم هذه وسط ظروف مماثلة، إلا أنهم وحتى يتمكّنوا من ذلك من دون مشكلات صحيّة تذكر، لا بدّ من بعض إرشادات. الدكتور سَني حليس، متخصص في طب العائلة ومحاضر في الجامعة الأميركيّة وفي جامعة القديس يوسف في بيروت، يحاول الإحاطة بالموضوع.
يشدّد حليس في حديثه لـ "العربي الجديد" بداية، على أن "الجفاف هو الخطر الأساسي في صيام الصيف الحار والساعات الطويلة، خصوصاً إذا كان الصائم يعمل في الشمس أو يبقى لوقت طويل معرّضاً لأشعتها، وإذ لم يشرب كميات كافية من المياه في الفترة الممتدة من الإفطار إلى السحور".
والجفاف قد يؤدي بحسب حليس إلى "دوخة وهبوط في الضغط. كذلك قد يصاب الصائم بجلطات، في حال وجود استعداد لها أو كان مصاباً بالسكري أو يتناول أدوية معيّنة كتلك المدرّة للبول مثلاً - في حال كان يعاني من ارتفاع في ضغط الدم - أو لا يقوم بحركة كافية أو كان مسافراً. حينها يتضاعف خطر الجلطات ثلاث أو أربع مرات".
ويوضح حليس أن الشعور بالعطش قد يكون ردّ فعل يدلّنا على الجفاف. لكن عدم الشعور بالظمأ لا يعني أن المرء لا يعاني منه. فالمتقدمون في السن قد يعانون من الجفاف من دون أن يشعروا بالعطش. من هنا، "لا بدّ من الانتباه إلى كميات المياه المستهلكة، أقله ليترَان. والاستهلاك يرتبط أيضاً بالمجهود المبذول خلال النهار والتعرّق".
إلى ذلك، يدعو حليس إلى الحدّ من التعرّض للشمس وعدم ممارسة الرياضة في النهار قبل الإفطار، إذ بذلك تنشف مياه جسم الصائم كلياً. لكنه "من المفيد أن يمشي الصائمون بعد الإفطار لمدة ساعة تقريباً. من المهم أن يثابروا على مجهود رياضي، من دون إجهاد كبير".
خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان، يعاني الصائمون بحسب حليس من "مشكلات في التأقلم مع نظام الأكل المستجدّ. هم يتّجهون إلى الإسراع في تناول الطعام في وجبة واحدة، فيعانون بالتالي من مشكلات في المعدة لا سيّما النفخة. من هنا، لا بدّ من مضغ الطعام جيداً". يضيف أنه "من المفضّل البدء بالتمر والمياه، وبعد فترة قصيرة تناول الشوربة لتتبعها الأطعمة المتوفّرة الأخرى، وإنما باعتدال".
ويعود حليس إلى المياه، قائلاً إنها "السائل الأهم لتخفيف العطش وللارتواء. فالعصائر قد تكون منعشة وطيبة المذاق، لكنها تحتوي على كثير من السكر وقد تزيد الوزن، بالإضافة إلى أنها لا تمنح شعوراً بالارتواء. لذا يفضّل استهلاكها باعتدال". ويشير إلى أن استهلاكنا للحلويات يزداد في رمضان. بالتالي إذا أضفنا العصائر إليها، هذا يعني أن استهلاكنا للسكر أصبح كبيراً جداً". وكبديل عن العصائر، ينصح بتناول "الفواكه كاملة، إذ تحتوي على ألياف تساعد في عملية الهضم وتمنح شعوراً بالشبع". إلى جانب النفخة، يتحدّث عن مشكلة هضميّة أخرى هي الإمساك، نتيجة نقص المياه وعدم تشغيل المعدة والجهاز الهضمي. لذا يأتي استهلاك الأطعمة التي تحتوي على ألياف ضرورة.
ويشدّد حليس على "أهميّة السحور. فساعات الصيام طويلة، وتقسيم الوجبات مهم جداً. لذا يُنصح بتأخير موعد السحور قدر المستطاع". بالنسبة إليه، من المفضّل أن تأتي هذه الوجبة متنوّعة حتى تزوّد الجسم بطاقة تساعده على الصمود. ويحذّر من "المبالغة في الكميات. فذلك يؤدي إلى نفخة ويزيد من حموضة المعدة".
من جهة أخرى، يلفت حليس إلى أن الصيام قد يكشف مشكلة صحية لم يكن الصائم متنبها لها. إذا فقد وعيه مثلاً، لا يجب الاستخفاف بذلك. لا بدّ من أن يفطر ويوقف صيامه ويراجع طبيبه بأسرع وقت.. "فليس على المريض حرج". كثر هم الذين يكابرون، لكنهم بذلك يزيدون المشكلات الصحية سوءاً. هؤلاء يعدّون الصيام واجباً لا بدّ منه حتى ولو كانوا مرضى.
يبقى أن للصيام فوائد كثيرة على جسم الإنسان بحسب ما يؤكد حليس، وهو "يحتمل ذلك من دون مشكلة طالما نحن قادرون على ترطيبه. المشكلة ليست في نقص الأكل بل في نقص المياه".