لم تزل أم يوسف كلاب تنحب على وفاة ابنها حاتم في حادث سير رغم مرور أشهر على الحادثة، بعد أن دهسه شابٌ بسيارة استأجرها دون أن يملك رخصة قيادة، ولم يكتف بذلك، بل هرب بعد أن أوصل الطفل لمستشفى الشفاء بغزة، فيما واصل مكتب الإيجار غير المرخص عمله بعد الحادثة.
السائق "م.ه" نقل الطفل حاتم "9 سنوات" لمستشفى الشفاء، ومن ثم هرب من المكان، ليمكث الطفل في العناية المكثفة مدة أسبوع، ومن ثم حوّل لمستشفيات الأراضي المحتلة، ليمكث فيها أسبوعا آخر قبل أن يفارق الحياة؛ لصعوبة حالته الصحية.
عشرات مكاتب التأجير تعمل دون تراخيص في قطاع غزة بعيدا عن الأطر القانونية لمزاولة هذه المهنة.
وبالعودة لتفاصيل دهس الطفل حاتم، يقول إياد كلاب والد الطفل: "خلال سير ابني على الرصيف قرب منزل جده في مخيم الشاطئ، انحرف سائق سيارة من نوع كيا عن مساره؛ تجنبا لمجموعة مواطنين ولكن العجلات كانت أسرع في اختطاف طفلي.
الخطير في القضية ما قاله والد الطفل بأن المكتب الذي استأجر منه "م.ه" السيارة، استلم سيارته من جهاز المرور بعد مضي 48 ساعة على وقوع الحادث، دون أن يجري إغلاق المكتب على أقل تقدير، وهذا ما تأكدت منه "الرسالة" لدى شرطة المرور حيث يفرج جهاز المرور عن صاحب المكتب والسيارة ويبقى المستأجر فقط في السجن.
القانون لا يطبق
خلال الأشهر القليلة الماضية، حاولت "الرسالة" الوقوف على طبيعة الحوادث التي تسببت بها السيارات المستأجرة تبين أنها تنقسم لثلاثة أقسام، أولاها حوادث كان أساسها استئجار سيارة دون الشروط القانونية، والثانية استخدمت فيها السيارات المستأجرة في أمور منافية للأخلاق، أما الثالثة فتتمثل باستخدام تلك السيارات في قضايا نصب واحتيال.
ويبلغ عدد الحوادث التي وصلت لشرطة المرور منذ بداية العام والتي تسببت بها السيارات المستأجرة 15 حادثا، توفي على إثرها أربعة بينهم طفلان عدا عن عدد من الاصابات بعضها وصفت بالخطيرة، إلا أن المقدم فهد حرب مفتش تحقيقات حوادث المرور في قطاع غزة أكد لـ"الرسالة" أن جزءا كبيرا من الحوادث يتم حله بعيدا عن الدوائر القانونية والشرطية، أي ما يعني أن الأعداد أكبر من ذلك.
وبحسب حرب فإن مكاتب تأجير السيارات التي تسبب مستأجروها بحوادث سير لا تغلق، بل يوقف صاحب المكتب لمدة 24 ساعة فقط حتى لو كانت طريقة الإيجار تخالف القانون والمستأجر لا يملك رخصة.
يبلغ عدد الحوادث التي وصلت لشرطة المرور منذ بداية العام بسبب السيارات المستأجرة 15 حادثا، توفي على إثرها أربعة بينهم طفلان عدا عن عدد من الاصابات بعضها وصفت بالخطيرة، إلا أن المرور أكدت أن جزءا كبيرا من الحوادث يتم حله بعيدا عن الدوائر القانونية والشرطية، أي ما يعني أن الأعداد أكبر من ذلك
تأجير دون رخص
دخل الفتى محمد "16 عاما" لأحد مكاتب تأجير السيارات بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، ليستأجر سيارة رغم عدم حيازته رخصة سياقة، وبعد حوار قصير ناوله صاحب المكتب مفتاح سيارة كيا فورتي، ليأتي النبأ بعد ساعة فقط: السيارة انقلبت وبأعجوبة نجا الفتى من الموت.
عن تفاصيل ما جرى يقول الفتى محمد: "أخذت من والدي 200 شيكل للخروج مع أصدقائي في رحله لمدينة غزة، خططت لاستئجار سيارة لمدة 6 ساعات بـ 100 شيكل والباقي للبنزين.
وتتراوح أسعار التأجير في قطاع غزة ما بين 130 -150 شيكل كل 12 ساعة، إلا أن "الرسالة علمت أن أصحاب المكاتب يستغلون الصبية برفع الأسعار للتغاضي عن عدم حيازتهم لرخصة القيادة وهو الأمر الذي حدث مع الفتى محمد.
في الأثناء تحرزت الشرطة الفلسطينية على السيارة المتضررة، واتجه والد الفتى لتقديم شكوى ضد صاحب السيارة، لتأجيره ابنه سيارة برغم عدم حيازته رخصة قيادة، وبعد تدخل عدة اطراف، اتفق على التنازل عن شكواه مقابل عدم دفعه تعويضا لصاحب السيارة.
تقصي "الرسالة" أظهر أن عدد المكاتب المرخصة هي 6 مكاتب فقط من أصل أكثر من 60 مكتب منتشرة في القطاع وتشترط وزارة النقل والمواصلات لفتح مكتب التأجير أن ان يكون صاحب الشركة فلسطيني الجنسية، وتوفر مدير مهني للشركة حاصل على الثانوية العامة على الاقل، فيما يجب أن تمتلك الشركة 3 سيارات مرخصة ومؤمنة تأمينا شاملا عند تسجيل الشركة، بالإضافة لضرورة توفير كراج لسيارات الشركة وألا تقل مساحة المكتب عن 16 م2، علاوة على موافقة الهندسة والسلامة المرورية.
بحسب المقدم حرب فإن المكاتب التي تتسبب السيارات المستأجرة عبرها بحوادث سير، لا يجري إغلاقها، بل يسجن صاحب المكتب لمدة 24 ساعة فقط حتى لو كانت طريقة الإيجار تخالف القانون والمستأجر لا يملك رخصة
وأكد ضابط في المباحث فضل عدم الكشف عن اسمه أن العشرات من القضايا الأخلاقية بالإضافة لقضايا النصب والاحتيال يتم ضبطها دوريا ويتبين أن السيارات المستخدمة في الجرائم مستأجرة.
ويرغم صاحب مكتب التأجير او سمسار التأجير المستأجر على توقيع كمبيالة مفتوحة، أي لا تتضمن مبلغا محددا للدفع به، وفي حال تضررت السيارة يقدم صاحب السيارة الكمبيالة للشرطة الفلسطينية بعد كتابته للمبلغ الذي يريده دون التوافق مع المستأجر، أمرٌ قد يميل للنصب والاحتيال أكثر من حفظ الحق.
مكاتب بلا تراخيص
وتقر وزارة النقل والمواصلات على لسان المهندس علاء مشتهى مدير دائرة النقل الخاص بالوزارة أن ملف مكاتب تأجير السيارات حساس وتحدث فيه الكثير من التجاوزات القانونية دون متابعة الأجهزة الأمنية المعنية بالشأن.
وبحسب مشتهى فإن عشرات مكاتب تأجير السيارات -لا عدد رسمي لها- في غير مستوفية بتاتا للشروط القانونية وتعمل "على عينك يا تاجر"، وتستغل الطرقات لاصطفاف سياراتها دون الاكتراث لعدم الالتزام بالترخيص وبما يعطل حركة السير.
ويشير إلى أن عددا كبيرا من المكاتب تؤجر سياراتها لمن لا يملكون رخصة للقيادة، فيما لا تلجأ لأخذ تفاصيل عن المستأجر بحسب القانون.
وفي قصة موت أخرى، تمثلت باستئجار أحد المساجين على ذمة 15 قضية مالية في مركز شرطة الشاطئ لسيارة خلال فترة استراحة اعطيت له لمدة 24 ساعة، توجه عبرها لحي الشجاعية ليكون مسرحا لحادثة مقتل طفلة وإصابة شقيقتها بجراح خطيرة وعدد آخر من الاصابات وتضرر سيارتين ودراجة نارية.
وعن تفاصيل الحادث يقول المقدم حرب أن المواطن "م.ز" خلال قيادته لسيارة بدون أوراق أو لوحات أرقام في شارع البلتاجي في حي الشجاعية اصطدم بمؤخرة شاحنة، وبعد شجار مع سائق الشاحنة ركب سيارته وقادها بشكل جنوني في محاولة للهرب، وبعدها اصطدم بسيارة كانت متوقفة على جانب الطريق.
لم تقف القصة عند هذا الحد، بل حاول السائق الهرب من صاحب السيارة، ليصطدم بمجموعة من المواطنين ومنهم أطفال، ليتسبب بعدها بمقتل الطفلة رشا الغطاس "4 أعوام" وإصابة شقيقتها رغد "عامان"، عدا عن إصابة 3 شباب من المارة.
خلال مجريات التحقيق اكتشف معد التحقيق بأن عملية تأجير السيارات لا تقتصر على المكاتب بل هناك سماسرة يعملون دون مكاتب أو عناوين ثابتة بالاتفاق مع مواطنين يملكون سيارات حديثة
وأثناء تواجد "الرسالة" داخل مقر وزارة النقل والمواصلات عملت عن وجود سماسرة يعملون بنظام الاتصال دون امتلاكهم لمكاتب مرخصة للتأجير.
وبعد محاولات حثيثة، استطاعت "الرسالة" الحديث مع أحدهم والذي قال: "كنت أملك مكتبا أغلقته بعد أن طلبت وزارة النقل والمواصلات مني البدء في إجراءات الترخيص، والآن أعمل من المنزل في ذات المهنة عن طريق الاتصال".
السمسار السابق هو نموذج لعشرات يعملون في تأجير السيارات بذات الطريقة دون وجود مكاتب وهو الأمر الذي أكدته كل الجهات التي قابلتها "الرسالة"
بدوره أعرب صاحب شركة الفاروق لتأجير السيارات رمضان النيرب، (وهي شركة مرخصة) عن استيائه من استمرار هذا الكم الكبير من مكاتب التأجير برغم عدم حصولهم على ترخيص قانوني، ودون رقابة.
وأوضح النيرب أن إيجار السيارة يستلزم معرفة الشخص المستأجر، وألا يقل عمره عن 24 عاما، وأن تكون السيارة مؤمنة تأمينا شاملا، وأن يحمل رخصة قيادة سارية المفعول بحسب الشروط التي تفرضها شركته.
وأبدى استغرابه من تذرع أصحاب المكاتب بأن الترخيص مرتفع، بقوله: "الترخيص 3000 شيكل سنويا، مبلغ متواضع بالمقارنة مع حجم العوائد التي يجنيها العامل في هذا المجال".
تبادل للاتهامات
قصة السمسار السابق دفعتنا للبحث عن سماسرة تأجير السيارات، لنكتشف أن عددا من مكاتب التاكسيات تلجأ هي الأخرى لتأجير السيارات، كما أن أصحاب المكاتب لا يملكون أكثر من سيارة واحدة، وبقية السيارات هي ملك لمواطنين، يودعونها عند صاحب المكتب مقابل عائد مادي يومي، وفي ذلك مخالفة قانونية واضحة.
وللتأكد من ذلك، توجهت "الرسالة" برفقة السائق للمكتب، وطلبنا منه استئجار سيارة لمدة 6 ساعات، وبالفعل، عرض علينا أكثر من سيارة من أنواع مختلفة ولكل منها سعر خاص.
وتجدر الإشارة إلى أن لوائح وزارة النقل والمواصلات تشترط لفتح المكتب أن يمتلك صاحب المكتب 3 سيارات -على الأقل- مسجلة باسمه، وهو الأمر الذي لا تلتزم به الكثير من المكاتب حيث تلجأ لتأجير سيارات بترخيص "ملاكي" وهذا مخالف للقانون.
وينص القانون على أن مركبة التأجير هي المركبة المسجلة بسلطة الترخيص تحت اسم شركة تأجير للسيارات وتستعمل لأغراض التأجير فقط وحسب النظام الخاص بذلك.
وزارة النقل والموصلات لم تنف الأمر، إذ أكدت عمل عدد من مكاتب التاكسيات في تأجير السيارات برغم أن عملها يقتصر في توصيل الركاب وقضاء حاجاتهم عبر إحدى السيارات برفقة السائق.
وأثناء تواصل الرسالة مع الجهات المعنية توصلت إلى أن الجهات المسؤولة عن الرقابة على مكاتب تأجير السيارات هي ثلاثة جهات الأولى وزارة النقل والمواصلات ويقع على عاتقها متابعة المكاتب العاملة ومدى مطابقتها للشروط اللازمة للعمل.
أما الجهة الثانية فهي جهاز المباحث الذي يقوم على متابعة العاملين بعيدا عن أعين الوزارة ودون تراخيص من خلال جهاز التحري التابع للجهاز، فيما تتابع الجهة الثالثة وهي الإدارة العامة للمرور ملاحقة السيارات التي تعمل في الشوارع دون تراخيص، وتتأكد من حيازة السائق لرخصة سياقة تؤهله لقيادتها.
بدروه أكد المقدم حرب أن عمل المرور يتلخص في المتابعة الميدانية لأوراق السيارات، والتحقيق في الحوادث، نافيا أن يكون للمرور دور في إغلاق مكاتب الإيجار أو متابعة سماسرة الإيجار.
واللافت أن شرطة المرور ووزارة النقل والمواصلات تبادلتا الاتهام حول مسؤولية إغلاق ومحاسبة المكاتب غير المرخصة.
فبينما ألقى المهندس علاء مشتهى مدير دائرة النقل الخاص بالوزارة باللائمة على جهازي المرور والمباحث العامة؛ لعدم متابعتهما لمكاتب التأجير، وعدم التعامل بإيجابية مع مراسلات الوزارة، بدليل أنها أرسلت كتابا للنيابة العامة بخصوص تلك المكاتب لتوجيهه للأجهزة الأمنية المعنية، إلا أنه لم يحدث أي تغيير بعد مرور شهرين من إرسال الكتاب على حد تعبيره.
في المقابل اتهم المقدم حرب وزارة النقل والمواصلات بالتقصير في إيصال المعلومات الكافية للأجهزة الأمنية حول المكاتب العاملة في غزة دون تراخيص، داعيا اياها لعقد اجتماع ثنائي وفوري لتفعيل خلية أزمة، مؤكدا ارسالهم عدة خطابات للوزارة بهذا الخصوص فيما لم يتلقوا ردودا.
مشكلة الرخص
خلال جولة "الرسالة" الميدانية للاطلاع على عمل المكاتب في عدة محافظات، التقينا بأحد أصحاب مكاتب التأجير، وعند سؤالنا عن الترخيص، عرض ورقة مزاولة مهنة حصل عليها من بلدية رفح جنوب قطاع غزة.
توجهنا لمقر البلدية لنتساءل عن صحة الاجراء القانوني بمنح مواطن مزاولة مهنة برغم عدم حصوله على الترخيص اللازم من وزارة النقل والمواصلات، ليرد رئيس بلدية رفح صبحي أبو رضوان إن بلديته تتساهل في إعطاء ورقة مزاولة المهنة لغالبية الحرف دون طلب الترخيص اللازم من الوزارة المختصة.
ووفق النقيب مصطفى الشاعر من دائرة تحقيقات حوادث الطرق فإن نسبة الحوادث تزداد في شهر رمضان 10% عن بقية الشهور، وخصوصا حوادث السيارات المؤجرة، إذ تسير بتقديره 50 سيارة مؤجرة بشكل يومي في محافظات قطاع غزة لا يحمل سائقها رخصة قيادة، وهذا يعني وجود 50 قنبلة موقوتة.
ومع بدء موسم الصيف الذي تزداد فيه المناسبات الاجتماعية، ودخولنا في شهر رمضان المبارك، تدق "الرسالة" ناقوس الخطر لدى الجهات المعنية بضرورة التحرك الفوري لوقف عمل هذه المكاتب أو تسوية أوضاعها القانونية وإجبارها على الالتزام بشروط العمل.
وأجمعت الأطراف المعنية التي تحدثت معها "الرسالة" كلاً على حدة، على أن إنهاء هذه الظاهرة لا يحتاج إلا للتنسيق والعمل المشترك، عبر عقد ورشات عمل بشكل فوري لاستغلال فترة الصيف ورمضان لضبط السيارات المؤجرة كافة.