يعرض على فضائية الأقصى خلال هذا الشهر الفضيل مسلسلا دراميا بعنوان "الفدائي". وهو عمل فلسطيني متميز يعكس تطورا نوعيا في الأعمال الفنية بدأت بمسلسل الروح والذي بث في رمضان الماضي برعاية الاقصى أيضا، وهذين العملين يعتبرا تأصيل فني للمقاومة الفلسطينية الحديثة في الضفة وغزة، فمسلسل الروح فصل التجربة النضالية في قطاع غزة قبيل الانسحاب الاسرائيلي عام 2005، والفدائي اليوم يكشف جانب من جوانب الضفة الغربية وتعقيدات الحياة والمقاومة ويرسم صورة ثورية بدأت تترجم على أرض الواقع. الفدائي بعكس الروح يركز على أحداث الضفة مع إضافات هامشية من قطاع غزة، والروح ركز على تفاصيل مقاومة غزة مع إضافات قليلة للضفة، وهذا يعتبر رؤية متكاملة تعطي منهجية واضحة لتأريخ العمل النضالي من جهة، وتعزيزه في الوجدان الفلسطيني من جهة اخرى. ما يميز العملين حقيقة أنهما نقلة فنية مقدرة، فأنت أمام سيناريو محترم متكامل سلسل، وحبكة مع حوار منطقي، بالإضافة لأداء تمثيلي مقنع، مع إضاءة وتصوير ومؤثرات وانتاج، وإخراج مقدر ومحترف يمكنه المنافسة على المستوى العربي. ويحسب لفضائية الاقصى انها اهتمت بالدراما واعطتها مساحات تستحقها ودققت في التفاصيل الصغيرة، حتى أن أغنية المقدمة "التتر" تخرج بصوت عذب ولحن جميل وكلمات قوية تشدك، وتدخلك في عالم المسلسل وتهيئك نفسيا للدخول لأحداث المسلسل. كما ان السيناريو عالج مواضيع متعددة في حياة الشعب الفلسطيني بشكل عام والمقاومة بشكل خاص، كتجربة الاعتقال واساليب التعذيب والتغلب على العصافير مع التوعية الأمنية المكثفة للمجاهدين؟، بالاضافة لعلاقة المستوطنين بالسكان وما الى ذلك. ويحسب للمسلسل دخول العنصر النسائي بشكل قوي، فهناك الكثير من الوجوه والتي تمثل لأول مرة وتلقى تقديرا واعتزازا من الجمهور، كما تلتقط المشاهد بشكل ذكي مراعية عادات وتقاليد شعبنا وغير معتدية على النص والمشهد الدرامي في الوقت نفسه. اهتم الاحتلال الإسرائيلي كثيرا بدراما فضائية الأقصى، واعتبرها نوعا من أنواع التحريض غير المباشر، حتى صرح يعلون أن سينما حماس والاقصى هي سبب العمليات العسكرية الاخيرة في الضفة، وقال إن حماس تصنع مسلسلات وأفلام في غزة والضفة تنفذها. الدراما اليوم والفن بشكل عام من أهم الاسلحة، واحد نقاط القوة في الصراع مع الاحتلال وفي تثبيت وتعزيز الهوية الفلسطينية، ونتمنى زيادة الاهتمام بها عبر رصد موازنات مالية محترمة، ومنح كتاب السيناريو/ والممثلين والمخرجين والمصورين مكافآت مالية مجزية، وإيفادهم لدورات تخصصية محترفة، فمشهد واحد عن ألف كلمة، وفيلم واحد معد جيدا اكثر تأثيرا من مكتبة. ونحتاج أن تتوسع أغراض وأهداف الأعمال الدرامية، فلا تقتصر على المقاومة ورصد تفاصيلها، فنتمنى مشاهدة أعمال تاريخية تناقش الأحداث الفلسطينية القديمة وتبرز دور قيادتها ورموزها وشهدائها في تلكم الحقبة، ولحلقات درامية اجتماعية تناقش المشاكل الخاصة بمجتمعنا، وأخرى كوميدية وثالثة للأطفال، ونتمنى ان تتوسع هذه الصناعة وأن تلاقي رواجا، وقد يكون ذلك بتسويقها لفضائيات ووسائل إعلام أخرى، وأعتقد أن اعمال بمستوى الفدائي والروح يسهل تسويقها ويمكن لها ان تنافس. كل التقدير لشبكة الأقصى الفضائية لهذا الاهتمام، والذي رفع مستوى الدراما الفلسطينية، فما يعرض يستحق المشاهدة، ويمكنه المساهمة في بناء وجدانا فلسطينيا نقيا يعرف ما له وما عليه وما حدود وتشابك العلاقة مع الاحتلال.