قائد الطوفان قائد الطوفان

بلغ عددها 180 ألف منزل

"عدالة التوزيع" تغيب عن المهدمة بيوتهم في العدوان

IMG_0287
IMG_0287

الرسالة نت - محمد الشيخ

على بقايا منزله غير الصالح للعيش الآدمي في حي الزيتون شرق مدينة غزة، يقيم المواطن سفيان فروانة خيمة صغيرة علّها تحميه من حر الصيف الحارق في شهر رمضان المبارك.

المواطن فروانة وصل إلى هذi الحال بعد أن تقطعت به السبل في إيجاد أي جهة حكومية أو دولية تعوضه عن بيته المستهدف في العدوان الأخير على قطاع غزة عام 2014، أو حتى تدفع له بدل إيجار حتى يتمكن من العيش بكرامة في مكان يأويه وأسرته.

ولم يتسن لنا معرفة أعداد الأشخاص أو الحالات المشابهة لحكاية فروانة بسبب عدم وجود إحصاءات دقيقة لدى الجهات المعنية، لكن المعطيات تشير إلى أن هذا واحد من بين مئات الأشخاص الذين فقدوا مأواهم ولم يجدوا تعويضا مناسبا، ويشتكون من غياب عدالة التوزيع، لذا آثرنا البحث عن أصل المشكلة حيث أن بقاء الوضع على ما هو عليه يهدد حياة عشرات الأسر التي تقيم فوق الركام.

فصول معاناة فروانة (35 عاما) كما تروي زوجته "للرسالة"، بدأت أثناء العدوان على غزة عندما لجأ إلى أحد مراكز الإيواء التابعة لأونروا في حي الرمال، وخلال فترة مكوثه في المركز بحث عن جهة تقدم له التعويض المادي عما أصاب منزله من أضرار حتى يرممه قدر المستطاع ويصبح صالحا للسكن، وعندما وجد من يعوضه تفاجأ بأن هناك تقرير ضده مفاده "أن البيت لم يهدم من القصف" ما دفع الجهة المانحة لوقف الدعم حتى التأكد من البيانات التي تقدم بها فروانة.

وتوجه فروانة -المعيل لـ 4 أطفال- إلى الجهات المسؤولة عن تقديم الأموال للمهدمة بيوتهم، بدءا من وزارة الأشغال العامة والإسكان ثم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وصولا إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، حتى يجدوا له حلا في مشكلته ويتأكدوا من صحة ما تقدم بحقه في التقرير ويحصل على التعويض المناسب.

مسؤولية مشتركة

وبعد محاولات حثيثة، وعدت (UNDP) بالشراكة مع أونروا المواطن فروانة بتعويضه بعد أن تأكدت من حقه في التعويض، وقررت صرف مبلغ مالي له لترميم منزله قدر بـ 4500 دولار مخصوم منها 14% لصالح الحكومة -وفق ما أخبرته الجهات المانحة- ووقع على المبلغ منذ شهر من كتابة هذا التحقيق، لكنه لم يحصل على دولار واحد حتى اللحظة، وفق قوله.

الأشغال: تأخر تعويض بعض المتضررين بسبب الدول المانحة

في المقابل، يقول باسل ناصر رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) المسؤول عن المهدمة بيوتهم من المواطنين غير اللاجئين، إنهم يتعاملون مع التقارير التي تصل من وزارة الأشغال بمن يستحق الحصول على تعويضات من عدمه، ولا تتدخل في حالات المواطنين. وهنا تتحول المسؤولية تجاه وزارة الأشغال التي قالت على لسان الدكتور مفيد الحساينة، إن هناك بعض التأخير في دفع التعويضات للمتضررين بسبب تأخر الدعم من الدول المانحة للجهات المختصة.

وإلى فصل جديد من فصول معاناة المهدمة بيوتهم، التقينا بالسيدة أم محمد عبد الله صاحبة منزل ذي سقف اسبستي واقع على الأطراف الغربية من مخيم جباليا وتعرض جزء بسيط منه لضرر بفعل قصف الاحتلال لمنزل مجاور في الحي، تتطلع للحصول على التعويضات المالية لأجل إصلاح تلك الإضرار، خصوصا بعد ما عاين الباحثون حالة المنزل. 

وتشير السيدة التي تعيل 7 أفراد بعد وفاة زوجها، إلى أن وفدا مختصا عاين منزلها قبل عدة شهور واعدين بمنحها التعويض قريبا. "حتى اللحظة يا أخي لم يأت لنا ولا شيكل". تقول أم محمد بعدما ضربت كفا بكف.

في المقابل تلقت أسرة المواطن أحمد -اسم مستعار- مبلغ 4000 دولار تعويضا عن تهشم نافذة من جراء الحرب، وذلك نتيجة محاباة الباحث في "أونروا" لهذه الأسرة القاطنة في شمال القطاع، بسبب علاقة تجمعه مع صاحب المنزل.

ويقر المواطن أحمد أن الواسطة والمنفعة المتبادلة تلعب دورا هاما في الحصول على قيمة تعويضات تفوق حجم الضرر، ما يعكس غياب عدالة التوزيع.

وفي آخر إحصائية رسمية صدرت عن وزارة الأشغال العامة والإسكان، تحدثت عن تعرض ما يقارب 180 ألف منزل للقصف من الاحتلال الإسرائيلي في العدوان الأخير على غزة، توزعت ما بين 12.604 هدم كلي، 6.600 جزئي غير صالح للسكن، 160.000 هدم جزئي، فيما لم يتسن للوزارة حصر عدد المواطنين الذين حصلوا على التعويضات من مختلف الجهات المانحة.

الحكومة تنسق

وفي إطار محاولتها للتعرف على معايير تعويض متضرري العدوان، توجهت "الرسالة" إلى وزير الأشغال مفيد الحساينة، وهو بدوره أشار إلى أن المعيار الأول مخصص لأبناء الشهداء ممن استشهد والداهم، ومن ثم العائلات فوق الخمسة اشخاص، مشيرًا إلى أن الوزارة سلمت للجانب الإسرائيلي أسماء المواطنين الذي قدموا رخصًا وتم اختيارهم ليتم الموافقة عليهم وتسليمهم الاسمنت للشروع في البناء، لافتًا إلى انه سيتم إعادة بناء المنازل الاسبستية بالباطون.

أمّا بشأن التوزيع الجغرافي للبناء فأشار الحساينة إلى أنه تم تحديده بحسب نسبة الدمار في مختلف مناطق القطاع، فالشجاعية تم اختيار إعادة اعمار 4800 وحدة سكنية فيها، وبيت حانون2100 وحدة، ومنطقة خزاعة 1700 وحدة سكنية.

مصدر من أونروا: الوكالة فتحت تحقيقا كاملا بسبب الخلل في جمع المعلومات

وبشأن توزيع المساعدات على المتضررين كبدل ايجار، بين وزير الاشغال أنه تم دفع 6 ملايين دولار عن طريق وكالة الغوث، مشيرًا إلى أنه تم التعاقد مع ((UNDP بقيمة عشرة ملايين دولار لإعادة إعمار جزئي لمنازل المواطنين في حي الشجاعية وبعض المناطق وتم صرف 4 ملايين منها وتبقى 6 ملايين وذلك من خلال منحة مقدمة من البنك الإسلامي.

وحول الإشكاليات التي واجهت الوزارة أثناء إحصاء المنازل والأضرار وأثناء توزيع الأموال على المتضررين، أقر الحساينة بوجودها داعيا المواطنين ممن يشتكون في مسألة تظلمهم من عدم استلام الأموال او التعويضات بالتوجه للوزارة لحل ازمتهم.

"أونروا" تفتح تحقيقا

وبالانتقال إلى "أونروا"، الجهة المسؤولة عن دفع التعويضات للمهدمة بيوتهم والتي تضم أكبر شريحة من المتضررين وهم فئة اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة، علمت "الرسالة" من مصادر خاصة مقربة من القائمين على برنامج توزيع المساعدات المالية، أنه كان هناك خطأ في التوزيع في بعض مناطق قطاع غزة بسبب بيانات غير دقيقة حصلت عليها الوكالة من أصحاب المنازل المدمرة أثناء التسجيل، أو خلل من الباحثين أنفسهم في تسجيل المعلومات عن المهدمة بيوتهم، ما دفع الوكالة بفتح تحقيق كامل في ملف الباحثين بعد حدوث خلل كبير في التوزيع، وإعادة تقييم المستحقين للمساعدات من جديد.

ما علمته الرسالة من مصادرها، أكد بعضه المستشار الاعلامي للأونروا عدنان أبو حسنة، ونفى علمه بالبعض الآخر.

وفي توضيحه لجزئية إعادة التقييم، يقول أبو حسنة "للرسالة"، إعادة النظر في البيانات المقدمة تهدف إلى اعطاء الناس المستحقين فعلا الذين دمرت بيوتهم في العدوان، فوجدنا في بعض المناطق أن هناك الكثير من البيوت غير المدمرة وسجلت على أنها مدمرة، فعملت اونروا على اعادة تقييم لكل المناطق لأنه كان هناك معلومات غير حقيقية من شأنها أن تؤثر على المهدمة بيوتهم فعلا. مبينا أن أونروا من خلال التقييم مجددا وجدت في بعض المناطق مئات من الأسماء التي لا تستحق التعويض.

وعن سبب الخلل في التوزيع، أوضح أبو حسنة أنه في البداية كان بسبب نوعية الضرر المسجل، كما قال إن هناك أسبابا أخرى كثيرة رفض ذكرها. وعندما ألحت "الرسالة" عليه للحديث عنها، أكد أن الخلل في بعض المناطق كان يقع على عاتق الجميع (أونروا، الباحثين، المواطنين)، مستدركا "لذلك قامت أونروا بعملية غربلة واعادة تقييم".

أونروا: خلل في جمع البيانات ببعض المناطق يتحمل مسؤوليته الجميع

أما عن المعلومة الأخرى التي حصلت عليها "الرسالة" بفتح الوكالة لتحقيق في البرنامج القائم على توزيع المساعدات المالية، اكتفى أبو حسنه بالقول "أنه ليس لديه أي معلومات حول ذلك".

ووصل عدد النازحين لمدارس أونروا منذ بدء العدوان الأخير على قطاع غزة إلى 300 ألف نازح في أكثر من واحد وتسعين منشأة تابعة للمنظمة الأممية، لكن رويدا رويدا بدأ العدد يتناقص حتى وصل آخر فترة لـ 5 عائلات فقط في إحدى مدارس الاونروا، وتم إخراجها من المدرسة.

إغلاق وغصب

ومؤخرا أعلنت أونروا عن إغلاق آخر مراكز الإيواء التابعة لها في قطاع غزة بعد خروج كافة النازحين منها حيث دفعت لهم بدل إيجارات لأربعة أشهر قادمة قبيل شهر رمضان المبارك، وبين أبو حسنة أن الوكالة دفعت بدلات للإيجار لمدة أربعة أشهر، تتراوح قيمتها الإجمالية ما بين 800 و1000 دولار، مؤكدا في الوقت ذاته أن مواصلة تقديم بدل الإيجارات يعتمد على دعم الدول المانحة.

وأكد المستشار الإعلامي للأونروا أن إغلاق آخر مراكز الإيواء تم بموافقة النازحين ودون أي ضغوط، وهذا ما نفاه "أبو يزن حلس" أحد المواطنين الذين خرجوا من المدارس بقوله: "اخراج المواطنين كان بالشرطة ولم يكن برضى المواطنين".

ويضيف صاحب المنزل المهدم الواقع قرب معبر (ناحل عوز) شرق حي الشجاعية شرق مدينة غزة، "أثناء الاعلان عن مرحلة إعادة الإعمار، رفضنا الخروج من مراكز الإيواء وأخذ بدل ايجارات، لأنه لا يوجد بيوت للإيجارات بالإضافة إلى أن عملية إعادة الاعمار إلى أجل غير مسمى ولا نعرف متى سنعود إلى منازلنا الحقيقية". متابعا "لكن الواقع فرض علينا قبول بدل الإيجار بسبب إجبارنا على الخروج من المدرسة، وأبلغتنا أونروا أنه جرى صرف بدل إيجارات للمهدمة بيوتهم كليا لمدة أربعة شهور قادمة".

وحول مستقبل النازحين بعد انتهاء فترة الأشهر الأربعة التي يتلقون خلالها بدل إيجار من المنظمة الدولية، قال أبو حسنة إن القضية تتعلق بدعم الدول المانحة وتوفر الأموال اللازمة للاستمرار في دفع بدل الإيجارات وإصلاح الأضرار البسيطة والشاملة التي أصابت المنازل، مشيرا إلى أن الوكالة تمر بضائقة مالية غير مسبوقة حيث بلغ العجز في ميزانيتها أكثر من مئة مليون دولار والذي من شأنه أن يؤثر على مجمل عملياتها في حال عدم توفر المبالغ المطلوبة.

أما بالنسبة للتأخير في دفع بدل الإيجار للمتضررين، تابع أبو حسنة: "كل الذين دمرت بيتوهم بصورة شاملة يتسلمون بدل الايجارات فقط، وبالنسبة للتأخير فإنه يتعلق بمدى وصول الاموال من المانحين للأونروا".

وفيما يتعلق بعدم حصول بعض النازحين على أموال التعويضات أو بدل ايجارات، بين أبو حسنة أن حوالي 300 عائلة لم يصلها بدل ايجارات من بين 11 ألف، "لكن سيصلها الدور قريبا".

(UNDP): ننفذ التعويض حسب تقارير وزارة الأشغال

وعند الحديث عن إعادة الاعمار فان الوكالة تدفع فقط بدل الايجارات للاجئين الفلسطينيين كجزء من مهماتها، أما (UNDP) والحكومة فهي تختص بغير اللاجئين فالمهام موزعة بين جميع الجهات.

وبخصوص عملية اعادة اعمار، قال المستشار الإعلامي لأونروا أبو حسنة، حتى الان لا يوجد أي حلول غير توفير بدل الايجارات، مبينا أنه تم دفع أموال لإعادة الإعمار من تهدمت بيوتهم كليا لمائتي منزل فقط، أما بالنسبة للمنازل المتضررة اضرارا بليغة، فوزعت الوكالة أموالا على 400 بيت ستتم قريبا اعادة ترميمها.

 مساعد للحكومة

مشكلة المواطن سفيان فروانة التي ذكرناها بداية التحقيق، لم تحل حتى اللحظة رغم توقيعه على المبلغ الذي تقرر له من اللجنة التي تشكلت للبت في مشكلته، وهو ما دفعنا للتوجه إلى الجهة المانحة التي تقدم التعويضات للمواطنين غير اللاجئين (UNDP)، وسؤالها عن آلية التعامل مع أي خلل في المعلومات المقدمة للمستحقين من المتضررة بيوتهم.

باسل ناصر رئيس (UNDP) في قطاع غزة أشار إلى أن من يتابع التقارير التي تتحدث عن خطأ في البيانات التي سجلها أصحاب البيوت المهدمة، وزارة الأشغال وهي من ترسل تقريرا كاملا بمن يستحق أو لا يستحق وما تقرره الوزارة تنفذه (UNDP)، مبينا أنهم جهة دولية تساعد الوزارة في تسهيل مهامها.

وأكد حدوث خلل في بعض الحالات خاصة عند التوزيع، لكنه أشار إلى أنه جرى اعادة تقييمها ولكن ليس كاملا لكل الحالات، كما حدث في أونروا. وفي السياق أشار إلى وجود لجنة مشتركة بين الوزارة و(UNDP) للتدقيق في الحالات المستحقة للتعويض، ومعظم الكشوفات تصدر عن الوزارة ويتم الأمر بشكل تعاوني لاختيار المستفيدين ثم توقيع العقود معهم ودفع الاموال على دفعات.

ومع نهاية العام الماضي حصر (UNDP) الأضرار للمنازل المهدمة، ووصل من الدول المانحة 12 مليون دولار لدعم المنازل غير الصالحة للسكن وليس أصحاب الهدم الكلي، وفق ما أوضح ناصر، مبينا أن عملية التعويض والتنفيذ لها علاقة بحجم التمويل الموجود سواء من وزارة الأشغال او (UNDP).

كما اتفق (UNDP) مع الوزارة على المناطق التي يبدأ من خلالها إعادة الإعمار أو الترميم، وحول ذلك قال ناصر: إن الاختيار وقع على حي الشجاعية، لأنه الأكثر تضررا ومعظم سكانه مواطنون، وتم اختيار من لهم الحق بالتعويض اولا، مبينا أنه جرى التركيز على المنازل التي بها أضرار بليغة وغير صالحة للسكن.

وفي نهاية حديثه مع "الرسالة"، أكد رئيس برنامج (UNDP) بغزة، أنه تم دفع بدل ايجار من 3 شهور إلى سنة كاملة، للناس المهدمة منازلها كليا وغير صالحة للسكن. مشددا أن (UNDP) غير مسؤولة عن أي شكاوى تقدم من المواطنين وأن مرجعهم الاساس وزارة الأشغال.

ومن خلال ما جاء في سياق التحقيق، توصلت "الرسالة" إلى أن أكثر من عامل ساهم في غياب عدالة التوزيع على المهدمة بيوتهم، فمنهم من أخذ حقه، ومنهم أخذ ما يزيد عن حقه، ومنهم ما زال ينتظر الحصول ولو على جزء بسيط من حقه.

البث المباشر