قائد الطوفان قائد الطوفان

بعد عام على العدوان

رائحة البارود وصور الموت لم تغادر ذاكرة "الحوانين"

احد المنازل المدمرة خلال العدوان على غزة (الأرشيف)
احد المنازل المدمرة خلال العدوان على غزة (الأرشيف)

الرسالة نت-عبد الرحمن الخالدي

لم تختلف كثيرا ملامح الحاج جمال الكفارنة الذي دمّر الاحتلال منزله بطوابقه الثلاثة قبل عامٍ من الآن، فهو ما زال يستذكر كل زاوية فيه بما احتوت من أثاثٍ وممتلكات باتت هباءً منثورا.

فالحاج الكفارنة، قابلته "الرسالة" في اليوم التالي لإعلان وقف إطلاق النار إبان العدوان الأخير على القطاع، على أعتاب منزله الذي سوّي بالأرض في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، يتأمل بحسرة طوابقه التي بناها بأيديه وعرق جبينه، فهو عامل بناء قديم.

بعد عام على مرور العدوان، يقول الكفارنة: "لم يختلف الأمر علينا حتى اليوم، فنحن تنقلنا بين منازل أقربائنا ومدارس الإيواء، وصولا إلى الكرفانات التي لا تقي حر صيف ولا برد شتاء، وفقدنا الأمل في إعمار منازلنا والعودة لحياتنا الطبيعية".

ورغم صعوبة معيشة الحاج الكفارنة وعائلته، إلا أنه كان أفضل حالا من إحدى أسر عائلة المصري التي كان لها النصيب الأكبر في البلدة من الضرر خلال الحرب، فقد وصل بها الحال إلى العيش في خيمٍ مرقّعة مقابل ركام منازلهم التي دمرها الاحتلال.

ويقول الشاب حمزة المصري: "الأوضاع في البلدة كما هي، بل تزداد سوءا يوما بعد يوم، وتأخير الإعمار يؤثر على كافة مناحي الحياة خاصة على المدى البعيد"، مستذكرا لحظات تشرد مئات الأسر تحت القصف (الإسرائيلي) العنيف بالمدفعية وشتى أنواع السلاح.

ويوضح المصري أن عائلته التي كانت تملك منزلا من عدة طوابق ومحلا تجاريا تعتاش من مقدراته، باتت اليوم بالكاد تستطيع تأمين قوت يومها، ويستر أفرادها أجسادهم بما استطاعوا انتشاله من بين الركام والدمار، مع ما تمكنوا من جمعه أو وفرته لهم بعض الجمعيات والمؤسسات.

ويُضيف: "عشرات العائلات في البلدة ما زالت تعاني آثار الحرب، فالأوضاع المادية صعبة للغاية، والأمراض تنتشر بين أبنائها بفعل سوء التغذية واكتظاظ الأهالي في الخيام والكرفانات الضيقة".

ويشتكي المصري تراجع التحصيل العلمي لأشقائه بفعل الظروف القاسية التي تعيشها عائلته، علاوة على ترك أخويه الصغيرين المدرسة، وانشغالهما بجمع "الحصمة" لبيعها وجني بعض النقود التي تساعد الأسرة على تأمين احتياجاتها الأساسية.

محاولات إحياء

مهنا المصري، سكرتير اللجنة الشعبية لمساندة أهالي بيت حانون، والتي تشكلت بعد العدوان الأخير مباشرة، أكد صعوبة الأوضاع في بلدة بيت حانون وبقاء آثار العدوان قائمة في مختلف مناحي الحياة.

يقول المصري لـ"الرسالة": "لم تغادر صور القصف والدمار ذاكرة أهالي البلدة، فآثارها باقية في الشوارع والميادين، ومئات الأسر ما زالت تعاني الأمرّين بفعل تأخير إعمار منازلهم".

ويوضح أنه ورغم محاولات اللجنة الشعبية والعديد من المؤسسات الخيرية تقديم مختلف أنواع المساعدات إلى أهالي البلدة، إلا أن حجم الدمار الذي لحق بأكثر من 70% من إجمالي مساحتها تفوق تأثيراته حجم أي مساعدات.

وأشار المصري إلى أن البلدة الآن تحتوي أكثر من 170 منزلا متنقلا "كرفان"، وُضع 80 واحدة منها في مجمع مُدّ بالمياه والكهرباء بعدادات الدفع المسبق، فيما الكرفانات الأخرى موزعة على باقي المتضررين قرب منازلهم.

ووفقا لتقديرات اللجنة، فإن ما يقارب 10 آلاف وحدة سكنية في بلدة بيت حانون تضررت بفعل الحرب، دُمر منها 1600 منزل بشكلٍ كلي، فيما بات 1550 منزلا غير صالح للسكن.

وتبلغ مساحة البلدة التي أُخليت بشكلٍ كامل خلال العدوان الأخير، حوالي 12500 دونم، تحتضن أكثر من 45 ألف نسمة، تغيرت عليهم ملامح مدينتهم بعد عودتهم بمجرد انتهاء 51 يوما من القصف والقتل والدمار.

إعمار بطيء

رئيس بلدية بيت حانون، محمد نازل الكفارنة، أكد على خطورة الأوضاع في البلدة واستمرار معاناة أهلها، موضحا أن البلدية نفذت عشرات المشاريع التي مكنت المواطنين من البقاء في بلدتهم على الأقل.

وأشار الكفارنة إلى أن مجموع خسائر بلدة بيت حانون جراء العدوان الأخير قُدّرت بحوالي 263 مليون دولار، مشددا على بقاء الآثار النفسية والمادية والمعنوية على نفوس المواطنين فيها.

وحمّل رئيس البلدية رئيس السلطة محمود عباس وحكومة الحمد الله مسؤولية استمرار معاناة مئات المواطنين في البلدة ومختلف محافظات قطاع غزة، مطالبا إياه بضرورة القيام بواجبه لمساعدة وإغاثة آلاف الأسر التي تضررت بفعل آلة الحرب (الإسرائيلية).

وتبقى غزة تستذكر أكثر من 2200 شهيدا ارتقوا خلال 51 يوما من العدوان الشرس، فيما لا يزال 11 ألف جريح ومصاب يروون تفاصيل وأحداث قصفٍ بالكاد تصمد أمامه أعتى جيوش العالم.

البث المباشر