بُتر الحلم بالتخرج، وتلاشت فرحة انتظرها الخريجون سنوات طويلة، تقاذفتهم خلالها سجون الاحتلال والسلطة، وبات حلم ارتداء ثوب التخرج صعب المنال، وأمنية بعيدة المدى، ارتبطت بزوال واقع التنسيق الأمني.
42 جامعيا انتهى بهم المطاف في نهاية الفصل الدراسي الصيفي الحالي بعيدين عن مقاعد الدراسة، محرومين من أداء الامتحانات النهائية، بعد أن اختطفتهم أجهزة السلطة وحولت أحلامهم بإنهاء الفصل إلى حلم الحرية من سجون القهر ومقاعد الشبح في أقبية التحقيق.
"ابني لم يعتقل، ابني اختطف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى" هكذا وصفت السيدة أم عاصم لحظة اعتقال ابنها محمد العاروري الطالب في قسم الحاسوب في جامعة بيرزيت برام الله.
وأضافت في حديثها لـ"الرسالة نت":"كان محمد في طريقه مغادرا من الجامعة برفقته شقيقه، باتجاه الموقف الذي اعتادا أن ينتظرا والدهما فيه لاصطحابهما للمنزل في بلدة عارورة قضاء رام الله، وبينما كان يقف على الرصيف بانتظار والده، تفاجأة بجيب مدني يقف أمامه بطريقه هستيرية، ترجل منه عدة عناصر مسلحين بزي مدني، وأمسكوه وزجوا به إلى داخل الجيب".
وتتابع: "حينها كان شقيقه يقف على الجانب الآخر من الشارع، سمع محمد وهو ينادي عليه وهو بين أيدي الخاطفين، ويقول له (هؤلاء مخابرات)".
تزامن ذلك الموقف مع وصول والد محمد، الذي حاول أن يجادل الخاطفين، ويذكرهم بحرمة شهر رمضان، وبأن نجله طالب جامعي على أبواب امتحانات نهائية، لكنهم رفضوا السماع له، وقالوا "خمس دقائق وبروح".
تلك الخمس دقائق لم تنته بعد بتوقيت جهاز المخابرات في رام الله منذ أسبوع، كما أنها لم تقتصر على احتجاز محمد، بل طالت لتعرضه للتعذيب الشديد والضرب المبرح، الذي سبب له نوبات إغماء متتالية، نقل على إثرها للمستشفى لتلقي العلاج.
وتؤكد "أم عاصم" أن نجلها بدأ خلال جلسة محاكمته هزيلا شاحبا مصفر اللون، لا يقوى على الوقوف على قدميه، مضيفة أنه "دخل لقاعة المحكمة بعد يومين على اعتقاله وكان جسده كله يرتعش ولا يقوى على الوقوف، حتى أن القاضي عندما رآه طلب منه أن يستريح وأمر بتحويله للمستشفى".
أما محمد الذي حاول أن يوصل صوته لوالدته ومحاميه داخل قاعة المحكمة فاستجمع قواه وقال لهم: "ضربوني بخراطيم المياه، وبأقدامهم على جسدي، وأغمي علي عدة مرات ونقلوني للمستشفى".
وكان محمد قد امتنع عن تناول وجبتي السحور والإفطار في الأيام الأولى لاعتقاله نتيجة تعرضه للتعذيب واختطافه، بحسب عائلته.
أما الأم التي رأت فلذة كبدها بهذه الحال في قاعة المحكمة، فقد خارت قواها، وانهارت، بعد أن صاحت بوجه القاضي "ألستم عرب؟ ألستم مسلمين؟ لماذا تفعلون هذا بابني، ماذا فعل لكم؟ هو طالب بالجامعة لا يرتكب أي جريمة، ونحن في شهر رمضان ألا تراعون حرمة له"، إلا أن تلك الصرخات لم يسمعها ضمير القاضي، الذي أمر بتمديد اعتقال محمد لسبعة أيام أخرى.
صمتت قليلا بعد تنهيدة طويلة أتبعتها بحسبنا الله ونعم الوكيل، ثم تابعت حديثها لـ"الرسالة نت": "محمد الآن في سنته الخامسة بالجامعة، لم يتمكن من التخرج مع طلبة دفعته بسبب الاعتقالات المتواصلة لدى الاحتلال والسلطة، وكان خلال الفصل الحالي فرحا لأنه أوشك أخيرا على التخرج خلال الفصل القادم، كان متحمسا جداً ويدرس لساعات طويلة ويحضر لامتحاناته النهائية، لكن السلطة تتعمد اعتقاله للتنغيص عليه وحرمانه من التخرج وتقديم الامتحانات".
وينال طلبة الجامعات في الضفة المحتلة نصيب الأسد من حملات الاعتقالات السياسية التي تشنها أجهزة السلطة بين فترة وأخرى بحق أنصار حركة حماس بالضفة، الأمر الذي يؤخر تخرج العديد منهم، ويضع حياتهم الأكاديمية على المحك.
تلك الاعتقالات وصفها عضو مجلس الطلبة في جامعة النجاح الوطنية عن الكتلة الإسلامية فوزي بشكار بأنها "كيدية وتنم عن حالة التضييق التي يعيشها المواطنون في الضفة المحتلة".
وأضاف بشكار في حديثه لـ"الرسالة نت": "الاعتقال السياسي والملاحقة على خلفية الفكر لا سيما الفكر الإسلامي والمنتمي لحركة حماس مستمر في كل جامعات الضفة المحتلة، فكل إنسان يحمل فكراً مناوئاً للسلطة مهدد بالاعتقال".
وأشار بشكار إلى أن عدد الطلبة الجامعيين المعتقلين في سجون السلطة وصل لما يقرب الخمسين طالبا، 23 منهم من جامعة النجاح الوطنية وحدها، ومن بينهم طلبة خريجون.
ولفت إلى أن استهداف الطلبة جاء تزامنا مع تقديم الامتحانات النهائية في الجامعة، مما قد يشكل خطرا على التحصيل الأكاديمي لهم وتخرجهم.
وذكر أن أجهزة الطلبة المعتقلين غالبيتهم اعتقلوا على يد جهاز المخابرات، وقد وجهت لهم تهم "باطلة وعارية عن الصحة، كحيازة سلاح ناري، وإثارة النعرات الطائفية، كما أن هناك طلبة لم يتم تقديمهم للمحاكمة".
ولفت بشكار إلى أن الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح توجهت لإدارة الجامعة وطالبتها بالوقوف أمام مسئوليتها بالدفاع عن طلبتها والمطالبة بإطلاق سراحهم، لكن الجامعة اكتفت بالرد بأنها سترفع توصية بذلك للجهات المسئولة واخلت عن أنفسهم أي مسئولية أخرى بمتابعة ملف الطلبة المعتقلين.
ويعمل طلبة الكتلة الإسلامية في جامعات الضفة في ظل ملاحقة وتضييق شديد من أجهزة السلطة وأمن الجامعات، حيث يتم استدعاء العشرات منهم واعتقالهم على خلفية عملهم تحت راية الكتلة الإسلامية.