"أنا عن جد جوعانة"، هذه المرة الأولى التي تشكو الصبية رهف شعورها بالجوع، وهي النازحة من مدينة غزة إلى المحافظة الوسطى، بعد مرور أكثر من ٤٠٠ يوم على العدوان على قطاع غزة.
ففي هذه المرة يتعمد الاحتلال (الإسرائيلي) عدم إدخال المواد الغذائية، أو المعونات إلى القطاع المحاصر، ما زاد من تفاقم الجوع بشكل أكبر من المرات السابقة خاصة في جنوب القطاع.
تقول رهف: "في الشهور الأولى للعدوان مع قلة دخول المساعدات والشاحنات، بدأنا نعاني من شح في الطحين، وارتفاع مهول لأسعاره في الأسواق، ولم تكن الأونروا قد بدأت بتوزيعه على النازحين بعد، والآن أشعر أن هذه الأيام تعود مرة أخرى!".
تعاني مدينة غزة وشمال القطاع من جوع مقصود منذ بداية حرب الإبادة، وها هو الجنوب يدخل نطاق حرب التجويع، مع إغلاق المعابر وارتفاع أسعار معظم السلع الغذائية بشكل ملحوظ.
ورغم الدعوات التي أطلقتها مجموعات شبابية للمواطنين والنازحين لإغلاق الأسواق، والإضراب عن الشراء في محاولة لكسر شوكة بعض التجار من أجل خفض الأسعار، إلا أن المشهد لم يتغير كثيرًا، وما زالت الأزمة تراوح مكانها.
يشير (أبو محمود) إلى حبة طماطم، يحملها بيده ويلتقط معها صورة وكأنها كنز من كنوز المدينة، بينما يلتف أطفاله حوله، ويقول: "حبة طماطم واحدة لا تكفي لعمل أي شيء، وثمنها يصل إلى 13 شيكلا، كيف يمكننا أن نأكل ونبقى على قيد الحياة؟!".
"الأمم المتحدة تكرر استنتاجاتها، وكأنها تخبر العالم بمفاجأة جديدة، والحقيقة أننا نجوع منذ عام بشكل متفاوت، في الجنوب والشمال، وإن كان الشمال قد دفع الثمن أكبر، لكن حتى في الجنوب البضائع المتوفرة في الأسواق والخضراوات أثمانها تعدت الخيال"، يقول الحاج (أبو أحمد)، النازح في منطقة المواصي، والذي يتجول منذ ساعات الصباح بحثًا عن شيء يمكن إعداده على وجبة الغداء، ويكون متناسبًا مع الميزانية المتواضعة التي بحوزته.
(حذف وجبة!)
فتش بعض المواطنين على طرق قد تساهم في الحفاظ على ما تيسر من طحين متبقي لديهم، خوفًا من أن يطول أمد المجاعة، وقلة الموارد في جنوب القطاع أكثر.
قررت (أم ابتهال) أن تقلص عدد الوجبات اليومية، من ثلاثة إلى اثنتين، فحذفت وجبة الإفطار من القائمة، في محاولة منها لتوفير قدر من الطحين للأيام المقبلة لأن الطحين سعره بدأ يرتفع، ويقل من الأسواق في جنوب القطاع، وهذا من وجهة نظرها سيتسبب بأزمة جوع حقيقية، وتضيف: "لم نمر منذ بداية الحرب بأيام كهذه في الجنوب!"
وهكذا فعلت مواطنة أخرى، افترشت الأرض صباحًا وهي تنظر إلى كيس الطحين الذي قد يكفيهم حتى نهاية الأسبوع فقط، ففضلت أن تحذف وجبة الفطور أيضًا، وهي تقول:" لا يوجد في السوق أرز أو معكرونة، ولا أي بديل يمكنني أن أقدمه وجبة لأطفالي، حينما ينفد الطحين، أنا صدقًا خائفة!"
أفادت التقارير المنشورة للأمم المتحدة بأن جميع سكان غزة يواجهون مستويات توصف بالأزمة في انعدام الأمن الغذائي أو أسوأ.
وذكر تقرير أن نصف عدد السكان، 1.1 مليون شخص في غزة، قد استنفدوا بالكامل إمداداتهم الغذائية وقدراتهم على التكيف ويعانون من الجوع الكارثي (المرحلة 5 من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي) والتضور جوعًا.
وأضاف التقرير: "أن المجاعة -حتى في شمال غزة- يمكن وقفها إذا تم تسهيل الوصول الكامل لمنظمات الإغاثة، لتوفير الغذاء والمياه والأدوية والخدمات الصحية وخدمات الصرف الصحي، على نطاق واسع، لجميع السكان المدنيين موضحًا أن ذلك يتطلب وقفًا لإطلاق النار لأسباب إنسانية.
ويقدر برنامج الأغذية العالمي أن مجرد تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية يتطلب دخول ما لا يقل عن 300 شاحنة يوميًا إلى غزة وتوزيع الأغذية وخاصة في الشمال.