تبدو المقاومة الفلسطينية في حالة ميدانية قد تدفعها نحو قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"، عبر الرد على تجرؤ (إسرائيل) على قصف مواقعها منذ انتهاء المواجهة الأخيرة الصيف الماضي، بزعم الرد على صواريخ المجموعات السلفية، بالتزامن مع إلتزام المقاومة بالصمت؛ لصعوبة الأوضاع الإنسانية في غزة، إلا أن ذلك قد لا يستمر طويلا.
وتحاول (إسرائيل) أن تتخلص من حالة الردع التي أوجدتها المقاومة في مواجهتها الأخيرة معها عبر إنجازاتها على أرض المعركة، بينما الأذرع العسكرية للمقاومة لن تسمح بأن يذهب ما حققته سابقا هدرا، بل قد تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح بعد اعتقاد اسرائيلي ساد مؤخرا أن المقاومة ليس بمقدورها الرد؛ لصعوبة الأوضاع الإنسانية في غزة.
ولا يمكن إغفال ما جاء على لسان محمود الزهار القيادي البارز في حركة حماس، أن تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار القائم حاليا ثمنه كسر الحصار عن غزة، منوها إلى أن "المعادلة الجديدة القائمة اليوم أننا لن نقبل بالحصار"، مضيفا: "عليكم أن تكسروا الحصار لأننا لا نستطيع أن نمنع مجاهدا هدم بيته أو جرفت مزرعته أو قتل نجله".
ما يعزز توجه المقاومة نحو تغيير قواعد الاشتباك التي تحاول (إسرائيل) فرضها في الآونة الأخيرة، أن الأوضاع التي سبقت العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة ما زالت على حالها، فاليأس يحيط بأفكار المواطنين هنا، إضافةً لحالة الغليان البائنة عليهم قهرا على ما يجري لأشقائهم في الضفة من اعتداءات مستمرة وليس آخرها جريمة عائلة دوابشة.
وثمة من يقول أن الحل السياسي الذي كثر الحديث عنه مؤخرا، في سياق اتفاق تهدئة متوسط المدى، قد يمنع أي خطوة تصعيدية تتخذها المقاومة، إلا أن التسويف في إنجاز هذا الاتفاق بشكل متعمد، في محاولة لقلقلة الأمور الداخلية في غزة، يدفع القيادة السياسية للمقاومة للنظر نحو أهداف التأخير؛ رغم اتفاق الجانبين- الفلسطيني والاسرائيلي- على لزوم إنجاز الاتفاق.
ووفق مراقبين، فإن قيادة المقاومة غير مقتنعة بنتائج الاتفاق السابق الذي توصلت إليه الأطراف في القاهرة خلال العدوان على غزة، لأنه جاء مخالفا لما وعدت به جمهور غزة في بياناتها، قد يجعلها لرسم اتفاق جديد يحقق طموحات الشعب ومطالبها بطرق أخرى.
ما يزعج قيادة المقاومة بغزة أنها تقوم بواجبها اتجاه المجموعات العشوائية التي تخترق الاتفاق المتعارف عليه ضمنا بين فصائل المقاومة، بأن يكون قرار التصعيد أو الهدوء موحد بين الجميع، ومن ناحية أخرى فإن ذلك يضع علامات استفهام حول أهداف هذه المجموعات بخروجها عن وحدة الصف.
بعض المراقبين للشأن الاسرائيلي، بدأوا يشعرون أن الكرة قد تتدحرج نحو التصعيد بشكل مفاجئ، ومنهم الخبير في الشؤون الإسرائيلية ناصر اللحام في تعليقه على القصف الإسرائيلي الأخير على غزة منذ أيام "أن الأوضاع تنذر بتسخين كبير على جبهة غزة، هناك تهديدات كلامية وكل حرب تبدأ بالكلام".
وقال اللحام في تصريحات صحفية "لأول مرة أشعر بالقلق الكبير من عدوان جديد قادم على غزة، المقاومة ترسل رسائل شديدة اللهجة، والاحتلال يرد بأفعال تبين نيته في التصعيد"، مشيرا إلى أن خشية نتنياهو من سقوط حكومته المتوقع، يضطره للقيام بأي مغامرات غير محسوبة لتغيير الوقائع الداخلية التي تثبت حكمه.
أما المحلل السياسي عصام شاور فقد اتجه إلى مساواة الأمر بأن المقاومة لا تسمح بإطلاق الصواريخ خارج الإطار الفصائلي الموحد، فإنها لن تتحمل أن تدفع ثمن أي عمل مشبوه سواء كان مرد ذلك على امكانياتها ومواقعها أو حتى في مقدرات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
واستبعد شاور أن تؤثر أوضاع الجبهة الداخلية في غزة على قرار التصعيد لدى المقاومة، بالاعتماد عما صدر عن القيادي الزهار، ورأى في ذلك إشارةً إلى ان المقاومة لم تعد قادرة على السكوت على الحصار واستمرار الضغوط الغربية والعربية، ولا يفهم من حديث -الزهار- إلا التهديد باستئناف اطلاق النار وكأن المعركة الاخيرة لم تنتهِ بعد.
وقد تجد (إسرائيل) نفسها بحاجة إلى مراجعات في مسألة تشديدها الحصار على غزة -وفق شاور-، عدا عن إيقاف الرد العسكري على أعمال فردية لا تؤذيها بشكل يستدعي الرد.