اقترح خبير اقتصادي فلسطيني سلسلة من الخيارات التي يمكن تطبيقها حال التفاوض بين السلطة الوطنية الفلسطينية بالتوافق مع الفصائل الفلسطينية و(إسرائيل) على إنشاء ميناء ومطار في قطاع غزة ملائمة للطرفين والجهات الدولية، وقادرة على الحد من الأزمة الإنسانية في القطاع وتحسين أوضاعه الاقتصادية والاستثمارية.
وقال الاقتصادي عمر شعبان في حوار خاص مع صحيفة "الاقتصادية" الصادرة في غزة إن قضية بناء ميناء بحري في القطاع تعد أسهل من إنشاء مطار جوي بالنسبة لـ(إسرائيل) الأمر الذي يتطلب عدة خطوات أساسية أولها وضع خطة زمنية تتضمن خطوتين:
الأولى/ العمل على إيجاد ميناء بحري لنقل الافراد من غزة لقبرص بخط بحري يشغل 4 سفن على تُقل ما بين 2000-3000 مسافر أسبوعياً بانتظام، وأن يتم طرح هذا الامر كمناقصة دولية لتأجيره لإحدى الشركات الدولية والتي يمكن ان تقدم ضمانات للجهات الرقابية الدولية بما يتعلق بالأمن والحراسة والرقابة.
وأما الثانية فاقترح شعبان إنشاء مكتب رقابة دولية في غزة وبالتعاون مع السلطة الوطنية الفلسطينية لإعطاء ضمانات دولية للعالم و(إسرائيل) تكون وظيفته التحقق من أن الشخص المسافر لديه الأوراق الثبوتية التي تؤكد حريته وصلاحيته للسفر، علماً بأن المسافر ستكون عليه رقابة مسبقة لأنه يتوجب عليه الحصول على فيزة من الدولة التي سيسافر إليها. كما طرح شعبان استقبال المسافرين في منطقة محددة في قبرص للتأكد من أنهم نفس الأشخاص الذين سافروا بشكل فعلي من غزة، ومن ثم منها للأماكن التي سينتقلون لها.
وقال إنه يتوجب على السلطة الوطنية الفلسطينية أن تضع مسألة استخدام الميناء أيضا للضفة الغربية على أجندة المفاوضات مع (إسرائيل) نظرا لعدم وجود أي منفذ بحري فيها، وكونه ميناء فلسطيني سيكون لكامل الأراضي الفلسطينية مشيرا إلى أن إتاحة الاستيراد لتجار الضفة الفلسطينية من خلاله بدلا من الموانئ (الإسرائيلية) الامر الذي سيخفض تكلفة النقل بنسبة 50% على التجارة الفلسطينية الواردة وسيعزز الصادرات الفلسطينية من مناطق السلطة الوطنية الضفة الغربية وقطاع غزة. مؤكدا أن ميناء ومطارًا في قطاع غزة ليس منحة من أحد حيث كان لغزة ميناء ومطار في السابق وهي حقوق منصوص عليها في اتفاقيات السلام بين منظمة التحرير والحكومة (الإسرائيلية). مذكرا ان غزة هي المكان الطبيعي لميناء الدولة الفلسطينية حيث أن أراضي الضفة الغربية غير مشاطئة. الميناء والمطار في غزة هو مصلحة فلسطينية وطنية وإقليمية أيضا.
وفيما يتعلق بتكلفة إنشاء الميناء قال شعبان إن هناك نوعين من الموانئ الأول عائم والثاني ثابت، تصل تكلفة العائم ما بين الـ 20 و 25 مليون دولار، ويتم بنائه عبر استجلاب شريط عائم من بعض الدول وتركيبه خلال أسابيع مقترحا أن يتم تأجيره وترسيته كعطاء لشركة دولية على طريقة الـ"B.O.T" كما هو الحال في المطار في عمان الجديد الان الذي بني قبل عامين وتحملت تكاليف بنائه تجمع شركات دولية تقوم بإدارته عشر سنوات و العديد من المشروعات الصناعية والسياحية والخدماتية في مصر وفي منطقة شرم الشيخ مثلا حيث تنتقل ملكيتها للدولة بعد انتهاء عقد الاستخدام والتي هي السلطة الوطنية الفلسطينية .
وأكد شعبان أن نموذج الميناء العائم هو الأفضل في الوقت الحالي، وتنطبق عليه معظم مواصفات الاستثمارات الدولية، لأن الأزمات الاقتصادية في غزة لا تتحمل الانتظار وتحتاج لحلول فورية، ونظراً لأن الفلسطينيين تواجههم مشكلة وفرة التمويل الباهظة التي يحتاجها بناء الميناء الدائم، منوهاً إلى أن تكلفة الميناء الذي يتحمل 50 ألف طن قد تصل لـ 250 مليون دولار، ويحتاج الى فترة لبنائه لا تقل عن 5 سنوات.
وأوضح أن الجانب الفلسطيني يتوجب عليه البحث عن تمويل بقيمة 250 مليون دولار حال إنشاء ميناء يتحمل 50 ألف طن أو 400 مليون دولار حال كان يتحمل 100 ألف طن مقترحا أن يتم طرحه للاستثمار امام الشركات الدولية وترسيته كعطاء دولي، دون تكليف الدولة الفلسطينية اي اموال.
كما اقترح أن تقوم بعثة الرقابة الأوروبية التي كانت تعمل في معبر رفح أو اي مثيل لها بالرقابة على عمل الميناء العائم لحين بناء الميناء الثابت، مشيرا الى انه: "يوجد 12بعثة رقابة اوروبية مثلها في العالم"، كما واقترح شعبان توظيف شركة رقابة دولية متخصصة في النقل البحري لإدارة الخط مقابل أن تحصل على رسوم معينة على كل تذكرة، مفترضا: "انه إذا ما قلنا ان تذكرة التنقل بالباخرة من غزة لقبرص 200 دولار تصبح 250 دولار 200 للدولة و50 للشركة التي ستدير الممر المائي"، مؤكداً أن المصلحة الأكبر للفلسطينيين أن يكون الممر آمنا وعليه رقابة طالما لا تتدخل (إسرائيل) بأمور السماح بالدخول والخروج عبر هذا الممر.
وشدد أن الأجراء السابق سيحقق نوعا من الحراك الاقتصادي في البلاد عبر استجلاب استثمارات داخلية وخارجية كبيرة جدا عبر تشجيع المستثمر الأجنبي من خلال الاطمئنان للحالة السياسية، وسيتيح استثمار مليارات فلسطينية موجودة بالخارج، وسيعزز من المصالحة الفلسطينية عبر حصاد ثمار مشتركة لكافة الأطراف.
كما قدم شعبان اقتراحا لاستئجار جزء من ميناء أسدود (الإسرائيلي) أو العريش المصري كما تقوم كثير من الدول التي ليس لها منافذ بحرية حيث هناك ثلاثون دولة غير شاطئية في العالم حيث تلجأ هذه الدول إلى استئجار أرصفة محددة بحرية وبرية وجوية في الدول المجاورة لها والتي لديها منافذ بحرية وبرية، بحيث يصبح هذا الجزء ملكية للجانب الفلسطيني بموظفين جمارك ونقل فلسطينيين تحت العلم الفلسطيني وبرقابة مشتركة بين طرفي الاتفاق.
وأشار على أنه هذا الحيز المائي يمكن تأجيره لشركة دولية نظراً لكون الجانب الفلسطيني ليس لديه خبرة في إدارة الموانئ كشركة موانئ دبي مثلا التي تدير العديد من الموانئ الدولية، على أن يكون هذا الاتفاق لمدة ما بين ثلاث إلى خمس سنوات لحين انتهاء بناء الميناء الفلسطيني الدائم.
الانقسام واثاره على المقترحات
ونوه إلى أن العالم لن يقامر بتحدي النظام السياسي الفلسطيني نظراً لأن الميناء والمطار مكتسبات فلسطينية بغض النظر عمن يحكم وبيد من السلطة داعياً الأطراف الفلسطينية لعدم جعل ملف المصالحة عثرة بوجه إنشاء الميناء والمطار كونهم من الأهداف الاستراتيجية للأجيال الحالية والقادمة، وملف الانقسام تكتيكي ومؤقت لفترة معينة.
كما كشف الخبير الاقتصادي عن عدد من المشاريع التي يمكن استثمارها بغزة وليس لها علاقة بملف المصالحة كمشروع لتوليد الكهرباء وتحلية المياه من مياه البحر عبر استخدام تكنلوجيا إيطالية تقوم على وضع مجسات توضع على الأمواج، تولد ضغط يحرك توربينات تولد كهرباء ومياه محلاه مشيراً أنه يعد مربحاً بدرجة كبيرة.
وأضاف أنه يمكن طرحه كعطاء دولي لإنشاء محطة الكهرباء مبيناً أن الجهة التي ستقوم بذلك ستحصل على سوق يمنحها مليار دولار سنوياً، لاسيما وأن غزة تستهلك كهرباء بما لا يقل عن مليار شيقل، وسيضاف لها عوائد أنواع الوقود الأخرى وعوائد النمو الاقتصادي في القطاع.
وأشار على أن الجهة التي ستقوم بإقامة محطة تحلية المياه سيكلفها ذلك نصف مليار دولار يمكن استرجاعها من الارباح في نصف العام الأول من العمل.
وطالب السلطة الفلسطينية بضرورة إعداد أوراق المناقصات الدولية الخاصة باستغلال حقول الغاز على شواطئ بحر غزة والتي تقدر بـ 50 مليار متر مكعب، ومناقصة دولية لاستئجار حوض في ميناء أسدود او العريش بالتنسيق مع الحكومة المصرية لكي يستفيد الاقتصاد المصري وتعزز الشراكة المصرية الفلسطينية.
وقال الخبير الاقتصادي: "إذا كانت السلطة الوطنية الفلسطينية تظن أن هناك مفاوضات خاصة بين حماس و(إسرائيل) في هذا الخصوص فلماذا لا تقوم باستباق الأمر وتعرض رزمة مناقصات تطرح دوليا لهذه المشاريع الوطنية، إن (إسرائيل) وحماس لا يمكن لهم الإعلان عن اتفاق كهذا لأن حماس هي حزب سياسي والأخيرة دولة ولا تتم هكذا اتفاقات بين دولة وحزب.
وقد أنهى حديثه بالقول إن العلم والإدارة والتعاون الدولي والاقليمي قد أبدع حلولا غير تقليدية لقضايا العالم علينا أن نستفيد منها وأن نعمل بجهد لمواجهة أعباء الحاضر وتحديات المستقبل، وحذر المجتمع الدولي والنظام السياسي الفلسطيني أن غزة لا يمكنها الانتظار طويلا أمام أزماتها الإنسانية التي تزاد تعمقا مع مرور الأيام.