في الوقت الذي تلاحق فيه المخابرات الإسرائيلية نشطاء حماس العسكريين في داخل الأراضي الفلسطينية، لاتهامهم بالوقوف خلف سلسلة العمليات المسلحة الأخيرة في الضفة الغربية، فإن ملاحقة أخرى تجري خارج الحدود في عواصم مجاورة، يقيم فيها أسرى حماس المحررين، وتتهمهم إسرائيل بالمسئولية عن التخطيط لهذه العمليات.
وقد شهدت الضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة سلسلة عمليات مسلحة ضد الإسرائيليين، أسفرت عن إصابة ومقتل عدد من الإسرائيليين، وأعلنت كتائب القسام مسئوليتها عن بعضها، فيما أعلن جهاز الشاباك الإسرائيلي اعتقاله 40 ناشطًا من حماس شمال الضفة خلال يوليو ويونيو الماضيين، سعوا لإقامة خلية عسكرية لتنفيذ عمليات ضد الإسرائيليين، ومن يقودهم من الخارج والمسئول عن تمويلهم وتوجيههم عدد من الأسرى المحررين المقيمين في الخارج.
من الواضح أن استمرار إسرائيل في تحميل الأسرى المحررين مسؤولية أعمال المقاومة في الضفة محاولة منها لتبرير عجزها الأمني عن وقف تصاعد العمليات المسلحة، لأن عمليات كتائب القسام تدار وتخطط وتنفذ بأيدي كوادرها في الضفة، ولا تحتاج إذناً من أحد لممارسة حقها في مقاومة الاحتلال، رغم اعتبار وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون أن تركيا تتحمل مسئولية تنفيذ العمليات المسلحة بالضفة، لأنها تستضيف القيادي الحمساوي صالح العاروري، وهو يخطط لارتكاب عمليات خطيرة ضد اسرائيل.
وكشف التلفزيون الاسرائيلي أن إسرائيل طلبت رسمياً من الأردن تسليمها الأسير المحرر أحمد النجار المقيم فيه، نظراً لتورطه المباشر في العمليات المسلحة بالضفة، وهو يقيم في الأردن منذ الإفراج عنه بموجب صفقة التبادل 2011، حيث قررت إسرائيل إبعاده هناك، ورفضت بقاءه في مكان إقامته بالضفة الغربية.
الاتّهامات الإسرائيليّة ضدّ الأسرى المبعدين تعني أنّ حماس في الخارج بات لديها القدرة على تجديد نفسها تنظيميّاً، بعد تنقلاتها الاضطرارية في السنوات الأخيرة بين عدد من البلدان: الأردن وسوريا وقطر وتركيا، كما تشير أن هناك وزناً متزايداً باتت تحتله القيادات العسكريّة لحماس في الخارج في صناعة قرار الحركة، وفي نفس الوقت فإنها تزيد احتمالات حدوث اغتيال إسرائيليّ ضدّ قيادات حماس في الخارج، كما حصل سابقاً في اغتيال قيادات عسكرية سابقة مثل محمود المبحوح في دبي، وعز الدين الشيخ خليل في دمشق، وهو ما قد يدفع إسرائيل لإعادة النظر في سياسة إبعاد الأسرى في أي صفقة قادمة للتبادل مع حماس.
ليس سراً أن حماس تحاول بشتى الطرق ترميم بنيتها العسكرية في الضفة الغربية، في ظل الضربات القاسية التي تتعرض لها من الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية معاً، لكن ذلك لم يجعلها تيأس من مواصلة جهودها هذه، وربما يكون الأسرى المحررون المبعدون للخارج الأكثر دراية بالضفة من الناحية الجغرافية والسكانية، هم المؤهلون للقيام بهذه المهمة الصعبة، بإعادة بناء جهاز حماس العسكري، في ظل بقائهم بعيداً عن قبضة الجيش الإسرائيلي، وعدم قدرته على اعتقالهم أو اغتيالهم، كما هو الحال مع كوادر حماس المقيمين في الضفة.
الاتهامات الإسرائيلية للأسرى المحررين المقيمين في الخارج جزء من سياسة إسرائيل الرامية لخلط الأوراق، وسعيها للتأثير على علاقات حماس الخارجية، والضغط على الدول التي تستضيف الأسرى المحررين، وقد تواصلت حماس مع الدول التي تستضيفهم، وقامت بإيضاح أهداف إسرائيل من الحملة المتواصلة عليهم، وتبين أن هذه الدول لا تنطلي عليها ألاعيب إسرائيل المبنية على الكذب والافتراء.
ومع ذلك فقد أبلغت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية نظيرتها الفلسطينية عن أسلوب عمل جديد تتبعه حماس في الضفة عبر تواصلها مع الأسرى المحررين المبعدين في الخارج، فكل مجموعة عسكرية في الضفة منفصلة عن الأخرى ومرتبطة بالخارج مباشرة، مما يجعل عمل هذه الخلايا المسلحة أكثر خطرًا وتهديدًا للجيش الإسرائيلي.
ولئن أكدت حماس أكثر من مرة أنها لن تنقل صراعها المسلح مع إسرائيل خارج حدود الأراضي الفلسطينية، لكن تزايد الاتهامات الإسرائيلية لأسرى حماس المحررين في الخارج، قد يضع علامة استفهام حول مدى حرية الحركة التي ينالها هؤلاء في الدول المضيفة لهم من جهة، ومن جهة أخرى يتطلب من إسرائيل إعادة النظر في رهانها بأن الأسرى المحررين لن ينخرطوا في عمليات مسلحة ضدها في المستقبل.