على حين غرّة، تبدل موقف رئيس السلطة محمود عباس وفريقه السياسي إزاء علاقته مع طهران، إذ بذل جهدًا مضنيًا خلال الفترة الأخيرة لتحسين علاقاته معها، متناسيًا تصريحاته ومواقفه ضدها على مدار السنوات الماضية.
ثلاثة عقود مضت لم تؤمن السلطة خلالها بإقامة علاقة مع طهران، بل استعملتها شماعة في خلافاتها السياسية مع حركة حماس، ودائمًا ما استغلتها للتحريض على الحركة، رغم ما تلقته منظمة التحرير من دعم مالي مباشر من مرشد الثورة الإيرانية الخميني قبل تشكيل السلطة الفلسطينية.
وشكك المراقبون والمتابعون للشأن الفلسطيني بنوايا عباس، التي جاءت على وقع التقارب الحمساوي السعودي الذي جرى مؤخرًا، واعتبروا كذلك بأنها محاولة لاستثمار ورقة الخلاف الإيراني مع المملكة للضغط عليها بعدم المضي قدمًا في تحسين علاقتها مع حماس.
وأراد عباس في هذه المحاولة استثمار ما يعتقد بأنه خلاف بين إيران وحماس، على خلفية الملفات السياسية في المنطقة، رغم اعتدال موقف حماس من قضايا سياسية مرتبطة بالجمهورية الإسلامية كقضية اليمن التي دعمت فيها السلطة ضرب العملية العسكرية ضد الحوثيين.
وسرعان ما أعلن احمد مجدلاني الذي أولاه عباس ملف العلاقة مع إيران، عن وجود تقدم في العلاقة متحدثًا عن زيارة ستعقد الشهر القادم، تزامنًا مع استمرار تهجم المتحدث باسم حركة فتح أحمد عساف عليها واعتبارها المحرض لحركة حماس.
وبدأت قيادات فتحاوية بالعزف على وتر الخلاف بين إيران وحماس، في محاولة منهم للصيد في المياه العكرة، غير أن تصريحات قادة السلطة لم يمضِ عليها وقت طويل حتى جاءت الرياح على غير ما تشتهي سفن المقاطعة في رام الله، إذ أكد مساعد رئيس البرلمان الإيراني للشؤون الدولية حسين شيخ الإسلام، رفض حكومته طلب السلطة بزيارتها.
وقال شيخ الإسلام في تصريح لـ"الرسالة"، إن السلطة تقدمت بأكثر من طلب لزيارتها غير أن ايران لم تقبل ومن ثم عادت الطلب مرة أخرى ولم ترد عليها بشكل إيجابي، واصفًا الانباء حول وجود ترتيبات لزيارة عباس الى طهران بـ"الكاذبة".
وأشار إلى أن الجمهورية الإسلامية معنية بدعم المقاومة وتعزيز نهجها، مشددًا على أنه لا يمكن لأي جهة ان تفسد الود بين طهران والمقاومة الفلسطينية الذي وصف العلاقة معها بالاستراتيجية.
ولفت إلى أن موقف إيران من العملية السياسية التي تؤمن بها السلطة لم تتغير، وقال "لعل هذه من الأسباب التي تدفعنا لعدم اقامة علاقة معها".
تصريحات المسؤول الإيراني، لم تجرؤ قيادات السلطة الرد عليها، بل تراجع وزير الخارجية رياض المالكي عن تصريحات مجدلاني، وقال إن ما يتم الحديث بشأنه هي إقامة سفارة لطهران فقط وليس هناك حديث عن زيارات.
وتحدث المالكي عن وجود تفاهمات لإنشاء سفارة لطهران في الأردن او مصر، لأن الجمهورية لا تعترف بإسرائيل، وهو موقف نفته مصادر سياسية إيرانية للرسالة، إذ اكدت أن مثل هكذا مواقف ينبغي أن تسلك مسارات سياسية أوسع من الحديث بين الطرفين، لأن الامر يتعلق بقرارات دول أخرى.
يذكر أن الأردن ومصر لا يقيمان من حيث المبدأ علاقة سياسية مع إيران، ما يثير الشك حول حقيقة الموقف الذي يتحدث به المالكي.
ورغم ذلك لم تخفِ المصادر السياسية الإيرانية، بأنها ستجعل الباب مواربًا مع فتح، ولن تغلقه في وجهها إذ هي حريصة على ضم كل هذه الأطراف في علاقاتها، لكنها ستولي اهتمامًا أكبر في العلاقة مع فصائل المقاومة تحديدًا الجهاد وحماس.
وما يعزز هذه الفرضية، رفض طهران استقبال عباس في زيارته الأولى الا في حضور رمضان شلح الأمين العام لحركة الجهاد، وفقًا لما سربته مصادر إيرانية للرسالة.
موقف طهران من السلطة فسره المراقبون، بأن محاولة من إيران لقطع الطريق على السلطة الفلسطينية من أي محاولة لها بالصيد في المياه العكرة او العزف على أوتار الخلاف المزعوم بين ايران والمقاومة.
وقال محمد مرتضى أستاذ العلوم السياسية في طهران، إن أي لقاء مع السلطة الفلسطينية على نهجها الحالي قد يضر بسمعتها، إذ ان السلطة لا تخفى معادتها لمشروع المقاومة.
وأكدّ منصور لـ"الرسالة"، أن أي علاقة ستقيمها ايران مع السلطة لن تتخطى حدودها الضيقة، لوجود خلاف جوهري في الرؤية السياسية لكل منهما، ولن تتخطى فيها حدود العلاقة مع الفصائل الأخرى.
ويشير منصور إلى أن العقل السياسي لدى ايران لا يستوعب اللعب على التناقضات في الساحة الفلسطينية، وهي تفضل دائمًا دور اللاعب الذي تمثله المقاومة الفلسطينية.
أما الدكتور فايز أبو شمالة، فقال إن رفض زيارة السلطة، هي رسالة لها بضرورة إعادة النظر في سياساتها ضد المقاومة، إذ لا يعقل ان يتم استقبال عباس في الوقت الذي يشن فيه حربًا على المقاومة، ما يعني تضاربًا في مصداقية الجمهورية.
وقال أبو شمالة، إن المسافة بعيدة جدًا بين الطرفين، وقد قطعت المسافة على عباس.