قائمة الموقع

خليل الحية يسرد لـ"الرسالة" مقتطفاتٍ من حياة "إنسان"

2015-08-24T13:36:59+03:00
الزميل محمد أبو زايدة مع القيادي خليل الحية
الرسالة نت- محمد أبو زايدة

(الحلقة الأولى)

شدّني مشهدٌ قبل أشهر للدكتور خليل الحية القيادي في حماس، أثناء امتطائه الخيل، مرتسمة على وجنتيه ابتسامة تخفي الجراح، فأيقنت أنّ عدسات الكاميرات لم تنقل من شخصيته إلّا وجهها البيّن، وغفلت عمّا وراء الصورة، مُظهرةً مكامن السياسي في صورته وهو على منصّة المهرجانات يردد شعاراتٍ صارمة، وعلى شاشات التلفزة يصرّح بمواقف حازمة، مخفية في الوقت ذاته معالم الرجل "الأب، والزوج، والجد، والإنسان".

استأذنا الدكتور خليل استبدال منصّة التصريحات، بكرسيٍ يستريح عليه لساعاتٍ، ويترك لنا مهمة النبش عن مواقفٍ ما زالت خالدة في جدران ذاكرته، ليتسنى لنا رصد "الرجل الحنون"، بعيدًا عن التصريحات النارية التي تفرضها السياسة و"برستيجها".

وقبل البداية بادرنا الدكتور بالسؤال عن طبيعة الحوار، وفور اجابتنا، ابتسم وقال "هذا فأل خير.. يبدو أنّ الشهادة اقتربت"، ثم تبسّم وأذاب بذلك جليد المناصب.

النشأة

صوت طفلٍ خرج لتوّه من رحم أمه في الخامس من أكتوبر لعام 1960، رسم الابتسامة على شفاه أسرته، واستبشروا بقدومه خيرًا، وأسموه "خليل"، وكبر عوده في كنف والده الذي عمل طيلة حياته مزارعًا في حي الشجاعية شرق قطاع غزة، ما وفر له مناخًا للاعتماد على الذات في سبيل توفير قوت اليوم.

خليل هو الطفل المدلل لوالده، الذي عاش على دربه، وكان المسجد وجهته الأولى، وأحب الأصوات إلى قلبه هو ذاك الذي تنام عليه العائلة، خارج من مذياعٍ أكله الصدأ، موضوع في ركن الغرفة، ويصدر منه القرآن الكريم بأصواتِ القراء المصريين القُدامى.

كان يلقب خليل ابن مدارس الشجاعية، بالـ "فِتِح"، لشدة ما كشف عن مهاراته وقوة ملاحظته، فحظي بمحبة جميع من عرفه، وحاز على المراتب المتقدمة في مسيرته التعليمية التي قضاها في مدرسة "حكمين الابتدائية، والهاشمية الإعدادية، ويافا الثانوية".

وفي كل إجازة صيفية يغتنمها الفتى خليل من خلال عمله برفقة شقيقه الكبير، منذ كان (12 عام)، يذهبان إلى الداخل الفلسطيني المحتل، وينجزان أعمالهما، يقول: "عملت عشر سنوات مع شقيقي في تمديد الشبكات الكهربائية، وكنت معلم بالدرجة الأولى، أستلم البناية وأنهيها لوحدي، وهذا عزز من ثقتي بنفسي".

وبعد عشر سنواتٍ من العمل الدؤوب ترك العمل داخل الأراضي الفلسطينية، "لما كان يشاهده من السفور"، وانتمى إلى الكتلة الإسلامية أثناء تسجيله في الجامعة الإسلامية بغزة عقب افتتاحها فورًا في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، بعدما أغلقت مصر أبوابها في وجه الفلسطينيين.

ومع دخوله الإسلامية صقلت شخصية الشاب خليل، من خلال لقائه بالمشايخ والعلماء على أرضها، ما زاد من شغفه للدين الإسلامي، فتخصص في أصول الدين.

أوّل "تضحية واعتقال"

واستكمل الحيّة مشواره التعليمي في أروقة الجامعة الإسلامية، حتى أنهى عامه الأوّل، وحاز على المرتبة الأولى في كلية أصول الدين، ما جعله موضع عين للكتلة الإسلامية، لتحفيزه من أجل البقاء معهم، ليكون نموذجا للطالب المجتهد المنتمي لتيار إسلامي، ويرغب الآخرين في الانتماء لهذا التيار.

على خلفية المقاومة كانت أولى اعتقالاتِ الشاب خليل في تلك الحقبة، ولهذا الاعتقال حكاية يقصها على "الرسالة" بالقول: "اعتقلت في أوّل تجربة وطنية لما يقرب الشهر ونصف، تعرفت خلالها على المعتقلين، وقدّر الله أن أمرض في السجن، فتمّ نقلى إلى مستشفى الرملة، واشتبه الأطباء بوجود "الروماتيزم" في القلب، وعرفت أنّ لدي صوت غريب يخرج من القلب، مما أخاف الأطباء، فخضعت للفحوصات، إلى أن تمّ الإفراج عني".

التحقت بجماعة الإخوان المسلمين مطلع الثمانينات على يد الشيخ ياسين

ويضيف: "أوّل مرة قابلت فيها الشيخ أحمد ياسين كانت عام 1977، أثناء فعالية شاركت فيها، فزاد حبي لعظمة هذا الرجل"، مشيرًا إلى أن لقاءه الثاني الذي جمعه بالشيخ بعد خروجه من السجن برفقة (15 طالبًا)، وذلك لتشكيل نواة الكتلة الإسلامية في الجامعة، وكان الشاب خليل أصغرهم.

"بدأت في بداية الثمانينات صراعات فكرية في أروقة الجامعة الإسلامية، ورزقني الله قوة منطق وحجة، وكنت أحاجج العلمانيين"، يقول الطالب خليل، ويشير إلى أنّه نمّى شخصيته من خلال اطلاعه على أدب المناظرات والحوارات، وتخصصه في أصول الدين، وقراءته في العقائد، ويتابع "كنت أناقش في القضية الواحدة الرأي، وأعطي صاحبه الحجج، وأناقش الرأي المخالف، وآتي له بالحجج".

ومن أبرز إنجازات الحية في الجامعة فترة الدراسة فيها، جمعه لـ(100) موافقة من كبار العائلات والمؤسسات والشخصيات الفلسطينية، للتوقيع على عريضة مطالبة الأمم المتحدة والجامعة العربية بالضغط على الاحتلال للاعتراف بالجامعة الإسلامية لـ (4 سنوات)، عوضًا عن عامين.

أمّا عن أكثر المواقف التي كوّنت الحس الوطني لدى الشاب خليل، كانت أثناء محاولة المستوطنين في ربيع (1983) اقتحام المسجد الأقصى، فتنادى مع مجلس الطلاب ووفروا مواصلاتٍ للطلبة، ليشكلوا بأجسادهم دروعًا بشرية تحمي الأقصى.

أوّل ما عرفت الرباط في ساحات المسجد الأقصى

"أوّل ما عرفت الرباط في ساحات المسجد الأقصى"، يقول الحية، ويشير إلى أنّ الطلبة قسموا أنفسهم لمجموعات، وكانوا يشكلون دروعًا بشرية على بوابات الأقصى، واستمر بهم الحال ثلاثة أيامٍ بلياليهن.

وبعد سنواتٍ جسام، تخرّج الطالب خليل من الجامعة الإسلامية، وعُيّن معيدًا فيها، عقب مسابقة أجرتها الجامعة، وفي السياق يقول: "كنت حريصًا على تحضير المادة التي أدرّسها من 6 مراجع مختلفة بالإضافة للكتاب الذي بين يدي الطالب، لأضيف مادة علمية حقيقية".

البيعة

استوقف كرم الضيافة الذي غمرنا به الدكتور خليل حديث "الرسالة"، وبعدما ارتشفنا القهوة مع التمر، أعاد الحية ذاكرته إلى الوراء قليلًا، مستحضرًا بداية انخراطه في جماعة الإخوان المسلمين، ورؤيا سيف الشيخ أحمد ياسين.

"قدّر الله أن ألتحق بجماعة الإخوان المسلمين في أواخر (1982) على يد الشيخ أحمد ياسين" يقول الحية، ويكمل مبتسمًا، "كان الشيخ يكلفني بقراءة بعض المراجع، والقرآن الكريم، ويفرّغ لي من وقته ساعة أسبوعيًا، لمدة ثلاثة شهور حتى بايعته على الدخول في الجماعة".

ابتسامة أخرجها الحية -بإمكان من يشاهدها أن يصنّفها شوق لتلك الأيام- حيث استحضر ذكريات ما قبل عدة عقود، وقال: "عقب بيعتي للشيخ الياسين، رأيت رؤيا في المنام، أنّ الاحتلال هاجم الجامعة الإسلامية، والشيخ يحمل بيمينه سيفًا حادًا مرصعًا بالأحجار الكريمة، قتل به إسرائيليين من قبل، والاحتلال جاء باحثًا عن السيف، فأمسكه الياسين وأعطاني إياه، حتى ذهبت وأخفيته دون الإمساك بي".

استيقظ الحية آنذاك مسرورًا، وكتم الرؤيا عن الشيخ، حتى سارت الأيام، وبعد انقضاء (20 عامًا) على الحادثة، أخبر الياسين بها أثناء اجتماعٍ مغلق ضمّ قياداتٍ من حماس في بيت القيادي في الحركة إسماعيل هنية، فتبسم الشيخ، ونظر إلى الدكتور عبد العزيز الرنتيسي القيادي في حماس، وجهر الأخير بقوله "هذه الدعوة يا أبا أسامة فحافظ عليها، الشيخ أحمد حمّلك إياها، وأسأل الله لك الثبات".

غربة التعليم والاعتقال

استمر الحية في عمله معيدًا داخل أروقة الجامعة الإسلامية، حتى ابتعثته لإكمال الدراسات العليا (الماجستير) في الجامعة الأردنية، فأنهاها بعامٍ ونصف.

عاد إلى أرض الوطن ليكمل مسيرة العلم، وتوجّه إلى مقاعد التدريس في الجامعة الإسلامية، وبعد سنواتٍ معدودات من حصوله على الماجستير، توفرت للحية فرصة إكمال الدراسات العليا (الدكتوراه) في السودان، وأثناء تعليمه، عاد للأردن.

يضيف "كانت الجامعة الأردنية هي محطة العمل لإتمام بحث الدكتوراه، وعند انتهائي من البحث، انتقلت إلى السودان لمناقشته"، موضحًا أنه عاد إلى كنف الجامعة الإسلامية في أرض الوطن بعد إجازة بحثه، وحصوله على الدرجة العلمية.

توقفنا عند محطة هامة في حياة الحية، وهي فترة اعتقاله في سجون الاحتلال، فطلبنا منه أن يحدثنا عن ذلك، فقال: "انخرطت مجددًا في التنظيم بعد انتهاء مرحلة الماجستير وعودتي للوطن، وكنا بمواقع متقدمة وقيادية في الحركة"، ويشير إلى أن الحركة تلقت آنذاك ضربة من الاحتلال عام (1991)، اعتقل على إثرها ما يربو عن (1000) فلسطيني ينتمون لحماس بدءًا من جنين حتى رفح، وكان للحية نصيب (3 سنوات من الاعتقال).

ابتليت بالعمل الإداري فور اعتقالي في سجن النقب الصحراوي

وللمعتقل حكايات، استطاعت "الرسالة" النبش بذاكرة الدكتور الحية، ليخبرنا بما استطاع اليه سبيلًا، فأشار إلى أنّ تجربة المعتقل في سجن النقب "أثّرت في حياته بشكل كبير، من ناحية العمل الإداري.

تقلّد ضيفنا مناصب قيادية عليا فترة اعتقاله، حتى أضحى مسؤولًا عن جميع أسرى حماس في سجن النقب، ورُغم ذلك، لم يمنعه المنصب من الوقوف كغيره من عشرات الشباب في جلي الصحون، وتنظيف الخيمة، ورشها بالماء، وتحضير الطعام "فالجميع في عتمة السجن سواسية".

وعن سؤالنا لضيف "الرسالة" حول أبرز مشاهد العذاب التي تلقاها في سجون الاحتلال، أخبرنا عن همجية الاحتلال في تعامله مع الأسرى، "وفي أحد الأيّام عذبوني من خلال حملي من لحيتي عاليًا، ثم عادوا وطلبوا مني حلقها فرفضت، فضربوني بمعدتي حتى وقعت على حافة طاولة، وسال الدم من وجهي، ولم يبالوا بذلك، وحلقوا لحيتي غصبًا عني".

واعتصر بقلبه الألم الذي لم ينجح في إخفائه، وأكمل مشاهد التعذيب: "كانوا يضعون أكياسًا على رأسي، ويلقونني أرضًا ويضربونني بكل قواهم لنزع اعترافٍ أنني أنتمي لتنظيم، وبعد لحظات يدوسون بأقدامهم على وجهي".

استمر الاعتقال في حياة ضيفنا لـ (10 أيام)، نقص خلالها وزنه للنصف بفعل التعذيب، "حتى أن ذويه لم يتعرفوا عليه بعد الإفراج عنه".

واستكمالًا لجولات التعذيب التي ما زالت متجذرة في ذاكرة الحية، أدخل الاحتلال الدكتور خليل في زنزانة كانت عبارة عن ثلاجة لا ترى فيها أناملك، أبقوه فيها لـ (20 دقيقة)، ثم أخرجوه منها إلى مدفأة وأبقوه تحتها (20 دقيقة أخرى) واستمر الأمر لأكثر من ثلاث مرات، حتى ارتمى أرضًا، وأخبروه أنّهم انتزعوا منه في حينها الاعتراف، وثبّتوه عليه.

إلى هنا تتوقف رحلتنا حول أبرز مقتطفات حياة الدكتور خليل الحية، ونكمل جولتنا في دهاليز ذاكرته في الجزء الثاني، والذي يحدثنا فيه عن دخوله المجلس التشريعي، ورفضه العديد من المهمات الموكلة إليه، مرورًا باستشهاد أفراد عائلته خلال العدوان المتكرر على غزة، وأعوام الحزن في حياته"، فابقوا على متن "الرسالة".

اخبار ذات صلة