دليل الإدانة غائب

غموض يحيط تشوه الأجنة في غزة

الرسالة نت - لميس الهمص

تبخرت أحلامها مع طفلها الاول المنتظر بعدما لاحظ الاطباء زرقة جسده، ليكتشفوا لاحقا ان لديه تشوهات في القلب تعرف بـ"رباعية فالوت".

فرحة الأم مريم لم تكتمل، فوضع ابنها لا يبشر بخير، كما أنها لا تعرف سبب إصابته بعيب خلقي في القلب والتي باتت تمثل من 10 إلى 15 % -حسب الأطباء- من مجموع الأمراض الخلقية للقلب التي تظهر في حديثي الولادة.

الحالة السابقة ليست وحدها، فمئات الأجنة تولد بعيوب خلقية سنويا في ارتفاع ملحوظ عن السنوات السابقة ما حدا "بالرسالة" للبحث خلفها؛ إلا أنها صدمت بغياب كامل للدراسات أو حتى التحاليل المخبرية التي تكشف أسباب وحجم انتشارها في ظل تعرض القطاع لثلاثة حروب وحصار خلف أزمات بيئية خطيرة، إلى جانب موروثات اجتماعية خاطئة.

هذه المعطيات دفعت "الرسالة" للبحث في ملامح المشكلة من خلال  جمع أكبر قدر من الاحصائيات مع الاعتماد على ملاحظات ومشاهدات الأطباء ذوي الخبرة في محاولة لوضع أولى خطوات حلها من قبل المعنيين.

غموض يلف الملف

ورغم عدم ثبوت  زيادة نسبة التشوهات لدى أي من الجهات التي قابلتها "الرسالة" إلا أن الخطير في القضية هو ما أكده عدد من الأطباء ومدراء أقسام الحضانات في مستشفيات القطاع بأن هناك زيادة في نسبة خطورة تلك التشوهات وخروجها عن المألوف في نسبة التعقيد والخطورة.

لذا بدا الكثير منها سبب للوفاة وهي نتيجة توصلت إليها "الرسالة" بعد بحث وتحقيق دام قرابة الشهرين، ترددت معدة التحقيق خلالها على وزارة الصحة لعدة مرات للحصول على أذونات تمكنها من  زيارة عدد من المستشفيات والمراكز الصحية الموزعة على طول قطاع غزة في اجراء اتسم بالتعقيد.

حضانة الشفاء: لاحظنا زيادة في نسبة وخطورة التشوهات خلال شهري يوليو واغسطس

وبعد عدد من المقابلات بدأت تتضح بعض معالم المشكلة والتي في أحداها التقينا الدكتور علام أبو حمدة رئيس قسم حضانة الشفاء، وأكد أنه لاحظ زيادة نسبة وخطورة التشوهات التي وصلت لحضانته خلال شهري يوليو واغسطس من العام الجاري وهو ما يربطه بإمكانية مرور عام على الحرب الأخيرة على غزة وبدء ظهور مخاطر ما تعرض لها السكان من مواد متفجرة ومحرمة على أجسادهم.

وعلى سبيل المثال فإن التشوهات التي وصلت لمجمع الشفاء الطبي خلال شهر يوليو هي عشرة تشوهات من بين 223 حالة أدخلت للحضانة، وهو رقم يعد كبير في حال مقارنته بالعدد الكلي لحالات التشوه منذ بداية العام 2015م والتي بلغت 72 تشوه.

وبحسب أبو حمدة فإن التشوهات التي لاحظها خلال الفترة الأخيرة هي عبارة عن وجود سوائل في الجهاز العصبي، بالإضافة إلى فتق الحجاب الحاجز وصعود الأمعاء للرئتين ، و خلل في عدد الكرموسومات، بالإضافة لزيادة عالية في نسب تشوهات القلب المعقدة.

وبسبب زيادة عدد الشهادات انتقلنا إلى مستشفى النصر للأطفال وهناك التقينا رئيس قسم الحضانة الدكتورة شيرين عابد والتي تطابقت أفادتها مع الدكتور أبو حمدة موضحة  أن القضية تحتاج لدراسة معمقة، خاصة في ظل ما جزمت به من زيادة ملحوظة في نسبة تشوهات القلب المعقدة في الفترة التي تلي الحروب وهو الأمر الذي لايزال يحدث خلال الفترة الحالية .

الملاحظة السابقة دفعت العابد لإجراء دراسة سترى النور قبل نهاية العام وتشير نتائجها الأولية إلى ارتفاع نسبة مشاكل القلب التي تعاني منها الأجنة والتي تتسم بالصعوبة والتعقيد وتحوي أكثر من تشوه في ذات الوقت، لكن المختصة أكدت ضرورة وجود امكانيات وأبحاث لدراسة نسب الزيادة الكمية بالإضافة للأسباب والمناطق.

وعند العودة إلى احصائيات تشوهات القلب التي وصلت مستشفى النصر للأطفال وجدنا أن عددها بلغ  30 منذ بداية العام الجاري وحتى 20 من أغسطس، فيما بلغت عدد الحلات 52 حالة خلال العام 2014م، تقييم الأرقام حتى الوقت الراهن لم يثبت زيادة غير طبيعية إلا أن الطارئ بقي في نوعية التشوهات.

رحلة البحث عن احصائيات وأرقام لم تكن هينة، خاصة في ظل عدم اكتمال التقارير السنوية لدى وزارة الصحة لذا لجأت "الرسالة" لمحاولة الحصول على إحصائيات العام الجاري بالتواصل مع المستشفيات كلا على حدى فأظهرت الأرقام أن عدد التشوهات التي وصلت مستشفى الشفاء والذي تتوجه له قرابة ثلث حالات الولادة في القطاع منذ بداية العام وحتى شهر يوليو 72 تشوه توفي منها 12 حالة ، فيما بلغ عدد التشوهات التي وصلت مستشفى النصر للأطفال منذ بداية العام وحتى منتصف أغسطس 36 حالة ، اما مستشفى ناصر فبلغ عدد حالات التشوه فيه 25 حالة حتى مايو من العام الجاري توفي قرابة 7% منها.

(إسرائيل) ليست بريئة

ولغياب المعلومات اضطرت "الرسالة" للعودة إلى دراسة اجريت بعد الحرب الأولى في عامي (2008 و2009) وظهرت نتائجها حديثا وأثبتت أن هناك رابط وثيق بين التعرض لمعادن الأسلحة التي استخدمت في قطاع غزة ، وارتفاع نسبة العيوب الخلقية والولادات المبكرة في غزة.  الدراسة التي نشرت العام الماضي  في المجلة العلمية "International Journal of Environment Research and Public Health"، وأجراها الباحثون باولا ماندوكا من جامعة "جِنوفا" في إيطاليا، وعوني نعيم من غزة، وسيمونا سينيوريلو من جامعة "نابولي الثانية" الإيطالية ارتكزت الدراسة على تحليل عينات شعر من حديثي الولادة وقياس نسبة المعادن التي تحتويها، حيث تم جمع العينات من( 48) طفلاً حديثي الولادة يعانون عيوباً خلقية، ومن تسعة أطفال خدج (مواليد مبكرة قبل انتهاء مرحلة الحمل) لا يظهرون عيوباً خلقية، ومن( 12 طفلاً ) معافى.

حضانة النصر للأطفال: نواجه حالات صعبة ومعقدة لتشوه القلب

وكشفت النتائج عن أن ما نسبته (27 %) من أهالي الأطفال، الذين يظهرون عيوباً خلقية، تعرضوا لقنابل الفوسفور الأبيض، بينما تعرضت نسبة ( 1.7 %) من أهالي الأطفال المعافين إلى تلك القنابل.

وتشير نتائج تحليل عينات الشعر إلى ارتفاع معدل معادن الزئبق والسيلينيوم والقصدير في عينات شعر الأطفال ذوي العيوب الخلقية، مقارنة مع الأطفال المعافين، وإلى ارتفاع معدل القصدير والباريوم عند الأطفال الخدج مقارنة مع الأطفال المعافين.

 في المقابل، ينخفض معدل السيلينيوم في شعر الأطفال الخدج مقارنة بالأطفال العاديين، من دون أن يسجّل معدل الزئبق فوارق بين الأطفال المعافين والأطفال الخدج.

ماندوكا إحدى الباحثات في الدراسة صرحت لصحيفة "السفير" اللبنانية إلى أنها المرة الأولى التي يتم فيها تقديم البراهين العلمية على وجود رابط قوي بين تعرض الأهالي لمعادن الأسلحة التي استخدمتها (إسرائيل) في غزة بين العامين( 2008-2009)، والتشوهات الخلقية عند الأطفال والولادات المبكرة من دون إثبات علاقة سببية مباشرة.

ووفق "ماندوكا" تنقل الأمهات تلك المعادن إلى الأجنة من خلال المشيمة (placenta)، من دون أن يثبت الباحثون إن كن ما زلن يتعرضن إلى تلك البيئة الملوثة بتلك المعادن أو أن جسم الأم يصرف تلك المواد التي خزنها في السابق.

أرقام غامضة

تراكمت المعطيات لدى معدة التحقيق فيما كانت الأرقام تزيد من غموض القضية، تتبعنا خيوطا أخرى متعلقة بالأرقام في محاولة للوصول إلى النتائج فأظهرت الاحصائيات التي حصلت عليها الرسالة من دائرة نظم المعلومات في وزارة الصحة أن عدد حالات التشوه ازدادت في بعض المستشفيات في العام التالي للحرب فبلغ عددها في مستشفى الشفاء خلال العام 2013م 183 حالة فيما كانت في العام الماضي 164، أما في مستشفى الأقصى بلغت في العام 2013 م 31 حالة و 40 في العام 2014م، بينما سجل مستشفى ناصر 83 حالة خلال 2013م ، و50 أخرى في العام 2014م، أما نصيب الأوروبي فكان خلال العام 2013 م 142 ، بالإضافة إلى 157 في العام الذي يليه .

أرض الإنسان: نواجه أمراضا معقدة وتشخيصها أكثر تعقيدا لغياب الأجهزة 

حاولت الرسالة الحصول على بعض التفاصيل الأخرى التي ستساهم في فكفكة عقدة التحقيق مثل مكان السكن لتلك التشوهات أو صلة القرابة بين الأبويين وعمر الأم إلا أن عدم جهوزية التقارير الكلية عن العام الماضي لدى الوزارة حالت دون ذلك.

الغموض دفع "الرسالة" لحمل الملف لعدة جهات دولية تعمل في غزة للنظر في إذا ما كانت هناك أي جهود للبحث في القضية من بينها أطباء بلا حدود، ومنظمة الصحة العالمية ، إلا أنهما قالتا أن القضية بعيدة عن مجال عملهما في القطاع ، فيما المحت منظمة اليونيسيف والتي رفض ممثلوها الحديث للإعلام إلى ضرورة الإيعاز لها من الجهات الحكومية الفلسطينية بوجود أزمة للتحرك باتجاه دراستها وحلها.

وأثناء مجريات التحقيق علمنا من مصادرنا عن حضور خبير بريطاني يدعى جيفري نايس إلى القطاع بعد الحرب الاخيرة مباشرة وغادر مصطحبا بعض المخلفات لتحليلها في الخارج إلا أنه وبعض الوصول إليه نفى ذلك قائلاً إن الزيارة كانت عادية.

حاولنا تكرار طلبنا بالحصول على ما توصل له الخبير من نتائج من خلال شخصيات مقربة منه إلا أننا لم نتلق ردا حتى لحظة صياغة هذه السطور.

أسباب مجهولة

"الرسالة" التي كررت زيارتها الميدانية للمستشفيات في القطاع على مدار أربعة أسابيع لاحظت في كل مرة وجود عدد من حالات التشوه داخل الحضانات إحداها كانت لمولود توفي فور ولادته نتيجة التشوهات التي حملها فهو ولد دون رقبة بتشوه يعرف طبيا بـ(سيستك هيجروما) بالإضافة لفقدانه الأعصاب وعدم اكتمال أعضائه.

والدة الطفل التي تقطن في حي الزيتون في مدينة غزة وضعته في الشهر التاسع بولادة قيصرية رغم علمها بتشوه جنينها في الشهر الثالث إلا أن الأطباء أصروا إكمال حملها.

دراسة: هناك ارتباط وثيق بين التعرض لمعادن الأسلحة وارتفاع نسبة العيوب الخلقية

 لم تحدد نتائج التحاليل الطبية التي أجرتها الأم أسباب التشوه الحقيقية، خصوصاً أنه ليس الابن الأول للعائلة وأن الزوجين ليسا أقارب ، لكن العائلة ترجّح أن سبب التشوه يعود إلى مدة الحمل التي تزامنت مع الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وهي نتيجة يرفض الأطباء تأكيدها دون دراسات تثبت ذلك.

في المقابل فإن معدة التحقيق حاولت التنقيب في القضية من خلال التواصل مع عدد آخر من الأطباء لإثبات فرضية الزيادة العددية في التشوهات وهو الأمر الذي دفعها للتواصل مع جمعية أرض الانسان الخيرية والتي تقوم على خدمة 40 ألف طفل سنويا.

المدير التنفيذي للجمعية والباحث في مجال صحة الطفل الدكتور عدنان الوحيدي جزم بزيادة الحالات بنسبة 8 إلى 10 % خلال الخمس سنوات الأخيرة وهو الأمر الذي لاحظه بناء على مشاهداته لزوار جمعيته.

ويعتبر أنه من الطبيعي زيادة النسبة بسبب التراكمات الصحية السلبية التي خلفتها الحروب الثلاثة الأخيرة والحصار وهشاشة المنظومة الصحية وقلة امكانياتها.

وبحسب الوحيدي فإن هناك زيادة في "الاستقلاب الغذائي" وهو وجود مشاكل في التمثيل الغذائي لدى المواليد والتي تكون أما بسبب وراثي أو غير وراثي ناجم عن خلل جيني وطفرة وراثية، بالإضافة لمشاكل الجهاز الهضمي والتنفسي المعقدة ومشاكل الهرمونات والغدد الصماء.  

ويقول مدير أرض الإنسان أن الأمراض السابقة معقدة وتشخيصها يعد أكثر تعقيدا في ظل غياب الأجهزة والوسائل التي تساعد على الكشف عنها.

وما يزيد الأمر تعقيدا على الأطباء هو عدم وجود كشف مبكر لحالات التشوه اثناء حمل الأم والتي في كثير من حالات التشوه قد يكون المصابون بها في وضع أفضل حال شخصت أثناء الحمل، لكن الأطباء اشتكوا من ضعف التشخيص. وفي هذا الصدد يقول الدكتور أبو حمدة مسؤول حضانة الشفاء إن بعض التشوهات تحتاج لولادة بطرق معينة وبطواقم طبية متخصصة وهو الأمر الذي يزيد من فرص نجاتها لو حدثت.

ويشير إلى أن 95% مثلا من حالات فتق الحجاب الحاجز لا تشخص أثناء الحمل وهو الأمر الذي يعني زيادة حالتها سوءا، خاصة أن تلك الحالات لا تحتمل الانعاش أثناء الولادة والذي يتسبب بتضخم في الرئتين ويزيد من الأضرار على الحالة، مبينا ان إحدى الحالات توفيت منذ أيام بسبب الانعاش عن طريق المضخة أثناء الولادة.

وافقه الرأي الدكتور عبد القادر البواب مدير حضانة مستشفى ناصر فأوضح أن 15 % من الحالات التي تعامل معها هي من شخصت أثناء الحمل.

ويساهم التشخيص المبكر في التخفيف من صدمة الأهل، إلا أن قلة خبرة أطباء النساء والتوليد يقف حائلا دون ذلك بحسب ما أجمع الأطباء الذين استطلعت "الرسالة" آرائهم.

الأسباب في غزة لازالت مجهولة

ومن اللافت أن مشاهد المعاناة لم تتوقف خلال التحقيق أحدها كان واضحا في حضانة مستشفى ناصر بمدينة خانيونس. حالة من الألم بدت واضحة على وجه الأم (س) التي قابلتها "الرسالة" بسبب علمها من الطبيب المختص أن فرصة نجاة مولودها من الموت قد تكون معدومة بسبب التشوهات التي ولد بها، تعاطف الأطباء مع الحالة بدا واضحا من خلال محاولة منحها تحويلة للعلاج بالخارج رغم علمهم بصعوبة وضع المولود.

حالة التعاطف ترجع لأن والدة الطفل كانت قد انجبت طفلا قبل سبع سنوات وتوفي هو الآخر فور ولادته نتيجة تشوهات معقدة في قلبه، السيناريو ذاته تكرر مع العائلة مع ابنها الثاني والذي ولد بعد مدة طويلة الأمر الذي ارجعه البواب إلى فرضية زواج الأقارب في العائلة.

نسب أخرى من التشوهات كانت حاضرة وتتركز في جنوب القطاع حيث يلعب زواج الأقارب دورا في الكثير من الحالات كما يعتقد الدكتور عبد الكريم البواب مدير الحضانة بمستشفى ناصر، موضحا أن عددا كبيرا من الحالات التي تمر عليه أسبابها وراثية خاصة في ظل انتشار بعض التشوهات في بعض العائلات التي تصر على زواج الأقارب.

ويعتبر مدير أرض الانسان أن اسباب التشوهات، بالإضافة إلى زواج الأقارب، الزواج المبكر، وتناول الام لبعض الوصفات الطبية الخاطئة أثناء الحمل، إلا أن المسببات السابقة هي الأقل تأثيرا مقارنة بباقي المسببات في الوضع الفلسطيني بحسب الوحيدي.

في انتظار الأسوأ

وفي رحلة البحث عن الأسباب، انتقلنا بالمعطيات التي توصل لها التحقيق لمختصين بيئيين في محاولة للوصول لطرف خيط خاصة في ظل إشارة عدد من الدراسات التي اطلعت عليها "الرسالة" إلى أن البيئة تمثل حوالي 10% من المسببات لتشوهات الأجنة ، والتي تحدث نتيجة تعرض الأم أثناء الحمل إلى مؤثرات خارجية وبالتالي تأثر الجنين بها.

وكان  مدير مركز تحليل الأغذية في جامعة الأزهر- غزة د. محمد الهندي، قد كشف النقاب بعد الحرب الأخيرة على غزة عن أن المتفجرات التي استخدمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اعتداءاتها على قطاع غزة أدت إلى "تفشي أمراض خطيرة، وتزايد حالات تشوه الأجنة والإجهاض".

وقال الهندي في تصريحات صحفية: "إن تلك الاعتداءات أثرت كذلك على حواس السمع والبصر عند المواطنين"، مشيرا إلى أنه بإجراء بعض الدراسات على أيونات الدجاج والأرانب، تبين بعد تشريحها أن جميع أعضائها الداخلية متليفة ومتنخرة، ما يجعلها غير صالحة للاستخدام البشري".

وعن الأمراض المرتبطة بالتلوث البيئي في قطاع غزة، قال الهندي: "من خلال الإشراف على بعض رسائل الماجستير والاطلاع على المواضيع المتعلقة بالتلوث البيئي (الغذائي، والمائي، والهوائي)، وبالرجوع إلى إحصائيات المركز الفلسطيني للإحصاء وآخرها إحصائية 2013-2014، اتضح أن نسبة السرطانات تفاقمت وبلغت حداً غير معقول وظهرت أشكال نادرة ومتعددة للمرض".

حاولت معدة التحقيق التواصل مع الدكتور الهندي للحديث عن آخر الأبحاث والنتائج التي توصل لها بعد مرور أكثر من عام على الحرب وتأثيراتها في قضية تشوه الأجنة إلا أنه رفض التعقيب لسوء تعاطي المعنيين مع الملف.

انتقلنا بدفة التحقيق في البحث عن رأي مختصين فرجح أستاذ الفيزياء الطبية أنور عطا الله ان الاحتلال الإسرائيلي استخدم مواد مشعة في الحرب الأخيرة ، موضحا  إن تأثيرها كارثي وخطير على البيئة والصحة ،فهي تلوث الهواء والماء والتربة .

 والخطير في القضية أن عطا الله  الخبير في الاشعاعات النووية  أكد أن المواد المشعة التي تندمج  بعد تسربها في عناصر البيئة المختلفة مثل الماء والتربة والهواء لتظهر بعد ذلك على الإنسان وذلك بعد فترة طويلة من الزمن.

مختصون بيئيون: القطاع بانتظار الأسوأ بسبب مخلفات الحروب والتلوث البيئي

وبحسب المختص فإن التعرض لها ولو بكميات قليلة جدا يؤدي إلى تكون خلايا سرطانية ، بعد فترة بسيطة من خمس إلى عشر سنوات ، أو يؤدي إلى الإصابة بأمراض وراثية مثل تشوه الأجنة .

وبين أن استخدام آلاف الأطنان من المتفجرات في عدوان على منطقة جغرافية صغيرة وتطاير الغبار والأدخنة إلى الهواء الجوي ، يضاعف من حجم المأساة البيئية والصحية ، وزيادة الإصابة بأمراض الصدر والرئتين والجهاز التنفسي على المدى القريب ، وسرطانات وتشوه الأجنة على المدى البعيد.

البحث عن خيوط فك اللغز

وعلى الرغم من وجود معطيات تُدين دولة الاحتلال بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، إلا أن هناك حاجة ضرورية لوجود مختبرات علمية مجهزة بشكل كاف لإثبات هذه المعطيات لقطع الشك باليقين.

ويقترح الأطباء إنشاء مركز متخصص للكشف عن التشوه مبكرا ، ويبين الدكتور البواب أن أحد أسباب تحسن إحدى حالات تشوه القلب التي عاينها هو المعرفة المبكرة لذا اتخذ الطبيب احتياطات الولادة وجرت في مستشفى يحوي مركزا للقلب وبطاقم متخصص.

ويؤكد الدكتور الوحيدي أن كل ما تحدث عنه مبني على المشاهدة والمقارنات لزوار أرض الانسان، موضحا أن بعض الأمراض التي ظهرت لم يكن لها وجود كبير في القطاع إلا أنها زادت خلال العامين الأخيرين.

ويصعب على مدير أرض الانسان كما يتحدث فصل الحالات عن الحروب والاسلحة المستخدمة فيها، إلا أنها تحتاج لبرهان علمي وتحليلات من جهات محايدة، لكن المؤكد لديه أن الوضع النفسي المصاحب لها، بالإضافة للوضع الاقتصادي وسوء التغذية والتشتت كلها من البديهيات التي تأتي بمثل المخرجات المرضية الحالية والتي وصفها بالمرعبة.

ويعتمد التشخيص في غالبية الحالات على توقعات الأطباء، إلا أن فقدان الأجهزة يجعل من الصعب اثباتها إلا في بعض الحالات التي ارسلت نتائج تحاليلها إلى الضفة الغربية والأراضي المحتلة لفحصها ليظهر بعدها دقة التشخيص.

فيما أكد أبو حمدة وجود عدة تشوهات لافتاً إلى انتشار تشوهات في الكروموسومات خلال الفترة الأخيرة وهي بحاجة لدراسة مستفيضة، مشيرا إلى وجوب إجراء دراسة تاريخ العائلة المرضي وعلى مستوى القطاع برعاية وزارة الصحة.

فيما تستدعي خطورة الواقع توجيه خطابات للعديد من الجهات الدولية للتدخل من خلال دراسة المشكلة وأسبابها وبالتالي تسهيل وضع حلول للحد من تضاعفها خاصة في ظل حديث أهل الاختصاص بأن الأسوأ لم يظهر بعد.

ووفقاً لإحصائيات وزارة الداخلية الفلسطينية، فإن الطائرات الاسرائيلية ألقت خلال عدوانها على قطاع غزة منذ بداية تموز الماضي، ما يعادل 6 قنابل نووية من المتفجرات، بقدر 20 ألف طن، من خلال استخدام (إسرائيل) لترسانة حربية بكافة إمكانياتها كالطيران الحربي بأنواعه: "الطائرات بدون طيار، والأباتشي، والعمودي و"F 15، F16"، وأطلقت قذائف متنوعة أبرزها "MK82، MK83، MK84"، والتي تحدث انفجارا وتدميرا ضخمين في المكان الذي تطلق عليه.

فإذا كانت الإشارات حتى اللحظة بينت زيادة طفيفة في العدد مع ارتفاع في أنواع وتعقيد التشوهات فإن المخاوف في ظل الكم السابق من المتفجرات أن يمتد التشوه إلى الأجيال القادمة وأن تظهر المزيد من التبعات الخطيرة على المدى البعيد لذا مطلوب التحرك محليا ودوليا.

البث المباشر