أ. يوسف علي فرحات
ينظر الإسلام إلى البطالة ، بأنها آفة خطيرة ، لما لها من أثر على المجتمع الإسلامي ، لذا وضع جملة من الإجراءات ، وسلك عدة طرق لعلاجها ، ومن هذه الطرق بل أهمها :
الحث على العمل والترغيب فيه ، حيث يعتبر الخبراء أن العمل أساس الاقتصاد الإسلامي ؛ فهو المصدر الرئيس للكسب الحلال . والعمل مجهود شرعي يقوم به الإنسان لتحقيق عمارة الأرض التي استُخْلِفَ فيها والاستفادة مما سخره الله فيها لينفع نفسه وبني جنسه في تحقيق حاجاته وإشباعها لذا ذكْرُه القرآن الكريم مقروناً بالإيمان في أكثر من سبعين آية من آياته وقد حث الإسلام على العمل وأعلى من شأنه وبين أهميته من خلال الأمور التالية :
أولاً : الامتنان بنعمة تسخير الأرض وما فيها ، وطلب الاستفادة منها عبادةً لله : قال تعالى : ?وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ .. ? [الأعراف : من الآية 10 ] وقال تعالى :?هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِه ( [ الملك : 5] .
ثانياً : والإسلام يعتبر العمل مطلوباً لأكثر من اعتبار وسبب : [انظر : دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي ، د. القرضاوي ص 145-150]
1- على المسلم أن يعمل لنفسه أولاً : ليقوتها ، ويُغنيها بالحلال ويَعفَ نفسه عن ذل السؤال ، وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? قَالَ : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ) [رواه البخاري ، رقم (1377) ]
2- كما على المسلم أن يعمل لأسرته ثانياً لقول رَسُولَ اللَّهِ ? : (وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) [رواه البخاري ، رقم (844) ] . وقوله ? : ( كفى بالمرء إثما أن يُضِّيع من يقوت ) [أخرجه أبو داود في سننه 1/529رقم (1692)]
3- ولو لم يكن الإنسان في حاجة إلى للعمل ، لا هو ولا أسرته ، لكان عليه أن يعمل للمجتمع الذي يعيش فيه فإن المجتمع يعطيه ، فلابد أن يأخذ منه ، على قدر ما عنده . يُروى أن رجلاً مر على أبي الدرداء الصحابي الزاهد ، رضي الله عنه ، فوجده يغرس جوزة ، وهو في شيخوخته وهرمه ، فقال له : أتغرس هذه الجوزة وأنت شيخ كبير ، وهي لا تثمر إلا بعد كذا وكذا عاماً ؟ ! فقال أبو الدرداء : وما عليَ أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري !!
4- وأكثر من ذلك أن المسلم لا يعمل لنفع المجتمع الإنساني فحسب ، بل يعمل لنفع الأحياء ، حتى الحيوان والطير ، والنبي ? يقول : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ ) [أخرجه البخاري رقم (2152)]
5- كما أن العمل مطلوب في الإسلام لعمارة الأرض ، لقوله تعالى :?هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا? [ هود : من آية 61] . ومعنى " استعمركم " : أي طلب إليكم عمارتها فالسين والتاء للطلب كما هو معروف .
6- على أن أعجب من ذلك ما جاء به الإسلام أن العمل في ذاته مطلوب من المسلم ، ولو لم ينتفع به هو ، ولا المجتمع ، ولا أحد من خلق الله . نجد هذا المبد أ العظيم في الحديث الشريف الذي رواه أنس رضي الله عنه عن النبي r ( إنْ قَامتِ الساعةُ وفي يَدِ أَحدكم فَسِيْلَةٌ ، فإن استَطَاع أنْ لا تقوم حتى يَغْرسها فليغرسها ) [أخرجه البخاري في كتابه الأدب المفرد ص163رقم (479)]
ثالثاً : ومن القيم المهمة في مجال الانتاج بعد قيمة العمل : إحسان العمل وإتقانه . فليس المطلوب في الإسلام مجرد أن يعمل ، بل أن يحسن العمل ويؤديه بإحكام وإتقان . ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ? : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) [أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده 7/349رقم (4386)] .
رابعاً : العمل في الإسلام أفضل أنواع الرزق . فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول ? قال : ( إنَّ أطيَبَ ما أكَلَ الرجلُ من كسبِه ) [أخرجه الترمذي 3/139رقم (1278) ] .
خامساً : العمل دليل على صدق التوكل على الله : فعن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله ? : ( لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا ) [أخرجه الترمذي ، رقم (2266) ].
سادساً : الحث على أنواع المهن والحرف ومن ذلك :
1- التجارة : وقد نَوَّه القرآن بالتجارة فقال تعالى :? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ? [النساء :29] قال قتادة بن دعامة في هذه الآية : " التجارة رزق من رزق الله حلال من حلال الله لمن طلبها بصدقها وبرها " [الحث على التجارة والصناعة ، للخلال ص57رقم (64) ] . وقال مجاهد في قوله تعالى :? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ? [البقرة : 267] : هي التجارة . وقد اشتغل رسول ? بالتجارة ، وتاجر مع عمه ثم مع أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها . وقد روى ابن عباس قال : قدمت عِيرٌ إلى المدينة فاشترى النبي ? منها فربح أواقيَ فَقَسمها في أرامل بني عبد المطلب (26) . وهو الذي قال عليه أفضل الصلاة والسلام : ( التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ ) [أخرجه الترمذي ، كتاب البيوع ، رقم (1130) ] .
وقد اشتغل صحابته الكرام بذلك، منهم : أبو بكر الصديق، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان أبو بكر رضي الله عنه اتجر مع قريش حتى دخل في الإمارة . وكذلك عثمان رضي الله عنه ، فعن عبد الله بن عطاء عن أبي جعفر ، قال : ما قُتل عثمان حتى بلغت غَلَّةُ نخله مائة ألف [الحث على التجارة والصناعة ، للخلال ، ص (49) ] . وكذلك عبد الرحمن بن عوف ، فقد كان من أتجر الصحابة ، حيث قال في اليوم الأول الذي وصل فيه المدينة : دلوني على السوق . وقد تواصى السلف رضوان الله عليهم فيما بينهم ومع تلامذتهم بهذا أن : (الزموا السوق )