أشعل الاحتلال شرارة المواجهة في المدينة المقدسة على نحو غير مسبوق بعد أن بدأ تنفيذ التقسيم الزماني والمكاني للمدينة، وهو الهدف الذي سعى اليه منذ احتلال القدس.
ومع احتدام الصراع على المدينة المقدسة، والسعي لإشعال بقعة الزيت التي طالت حرائقها أبواب الأقصى وساحاته المجاورة، يبدو أن المدينة قد دخلت إلى مرحلة غاية في الخطورة، بدأت شرارتها على بوابات الاقصى ولا يعرف اين ستنتهي.
ويجمع المراقبون والمختصون بالشأن السياسي، على أن جميع الجبهات الداخلية الفلسطينية، قد دخلت مرحلة اليأس وهي جاهزة فعلًا للاشتعال في أي لحظة، سيما وانها جميعا ملتهبة، بفعل الظروف والأسباب المتعلقة بوضعها الداخلي وبما يفرضه الاحتلال من وقائع سياسية وميدانية.
ويؤكد الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الاسلامية في الداخل، أن المرحلة القادمة داخل المدينة تحمل في طياتها ما هو أصعب في مصيرها، وأن الايام حبلى بمفاجآت لا يمكن لاحد التنبؤ والتوقع بمآلاتها.
وأضف لذلك فإن الأوضاع في المدينة تنذر بمواجهة لن تبقى في اطار المدينة بل ستطال المنطقة برمتها، وفق ما تحدث به صلاح للرسالة.
ويتناغم تصريحه مع موقف مراقب جماعة الاخوان المسلمين في الاردن الشيخ همام سعيد، الذي قال إن أي معركة ستندلع وهي قريبة جدًا لن تتوقف حدودها عند اسوار المسجد الاقصى او المدينة المقدسة، بل ستذهب بعيدًا لتصل دول الطوق، مشيرًا إلى ان القوة الامنية لدى هذه الدول سرعان ما ستتهاوى امام الحالة الثائرة.
ويدرك صناع القرار لدى اروقة المحتل خطورة اشتعال الجبهات الفلسطينية الثلاث، سيما وأن جبهة الداخل يمكن ان تحدث حالة اشتباك هي الاخطر اذا ما تحولت الى ثورة عسكرية منظمة، وهو الامر الذي سيتجاوز مرحلة التعبئة والتنظير لدى سكان الداخل.
ورغم ضعف ردود الفعل لدى الداخل اتجاه ما يتعرض له الاقصى ، الا ان هؤلاء يشكلون عبئًا ديمغرافيًا وفكريًا، مقلقا لـ(إسرائيل)، خشية ان ينقلب في اي لحظة لرد فعل حاسم وقاس، وفق ما قال كمال الخطيب لـ"الرسالة".
أما الضفة المحتلة، فهي الاخرى ورغم اجراءات التنسيق الامني، الا انها لن تكون بعيدة عن رد فعل يراهن عليه الجميع، فالعمليات الاستشهادية خيار لم تستبعده الفصائل بعد وان جمدته فترة من الزمن، وهو ما يخشى الاحتلال عودته مجددًا.
ويؤكد ابو عماد الرفاعي ممثل حركة الجهاد في لبنان، ان مثل هكذا خيارات من السهولة ان يعاد استدعاؤها، عندما يقرر الشعب الدفاع عن ارضه ومقدساته، موضحًا ان عمليات الطعن في حد ذاتها تعد نوعًا من العمل الاستشهادي.
ودقت قيادة الاحتلال الامنية ناقوس الخطر من تصاعد وتنامي العمليات الفردية في الضفة والمواجهات الامر الذي يدفع بسيناريوهات مؤلمة ايضًا للاحتلال، حول قسوة المستقبل اذا ما تواصل غدره بالأقصى.
أما غزة فظروفها الموضوعية والميدانية مرشحة فعلًا للمواجهة مستقبلًا، وقد يكون الاعتماد عليها، لما تشكله من قاعدة مسلحة، لكنها مواجهة قاسية ستدفع بحماس لبحث سبل اشراك جميع الفلسطينيين للقيام بدورهم في هذه المهمة حتى بما في ذلك دول اللجوء، وفق الدكتور عثمان عثمان للرسالة.
وكان الدكتور محمود الزهار القيادي في حركة حماس قد لمح الى امكانية اشراك الفلسطينيين في مخيمات اللجوء في اي مواجهة مقبلة، بحيث لا يبقى الوضع مقتصرًا على غزة.
وقال الزهار في تصريحات صحفية إن الجميع سيأخذ دوره في اي معركة قادمة، في اشارة الى امكانية تصاعد المواجهة لتطال نقاطا اخرى.
في المقابل فإن سيناء هي الاخرى لا تزال ملتهبة، وقد شكلت في السنوات الاخيرة مصدر قلق، تعي (إسرائيل) انها لن تكون بمأمن منه على المدى القريب، حيث يقر قادة المحتل ان مواجهتهم معها هي مسألة وقت.
ويعتقد الدكتور احسان برهان الباحث في الشأن السياسي المصري، إن سيناء تشكل مرتعًا خصبًا للتناقضات التي لا تتحكم فيها الدولة، فلا اتفاقية تضبط مسارها ولا واقع امني يحكمها، ما يعني أن هذه المواجهة قادمة والامر يقتصر على نقطة الصفر.
وشمالا حيث لبنان الذي يستعد فيه حزب الله للمواجهة، تعتقد التقديرات الاستراتيجية، أن هذه الجبهة هي الاخرى تعيش حالة غليان واضحة، في ظل الرسائل المتبادلة بين الاطراف حول تصعيد محتمل في الفترة المقبلة، هذا علاوة عن دور التنظيمات الجهادية والفصائل الفلسطينية وردات فعلهم الفردية تجاه اي تصعيد ضد القدس.
ويبدو ان سوريا التي تكتظ بالفصائل المسلحة، ليست بعيدة عن احتمال اندلاع مواجهة وان كانت مستبعدة لخيارات سياسية، الا انها لن تحصر ردود الفعل التي يمكن ان تنطلق من هناك.
وأمام ذلك فإن جميع السيناريوهات مرشحة لاشتعال بقعة الزيت التي ستتسع أمام تمادي سياسة الاحتلال.