تتصاعد وتيرة أحداث الهبة الجماهرية الأخيرة في مدن الضفة الغربية والتي جاءت نتيجة الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى واعتداءات الاحتلال على المرابطين والمرابطات داخله، وليس انتهاءً بالانتهاكات والمجازر التي يرتكبها قطعان المستوطنين بحق الفلسطينيين والتي كان من ضمنها حرق الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير العام الماضي وصولاً لحرق عائلة دوابشة بأكملها.
تلك الأحداث كانت سبباً في انطلاق شرارة الانتفاضة الثالثة واشتعال حرب السكاكين وعمليات الدهس انتقاماً وثأراً لدماء الأطفال والحرائر التي استباحها الاحتلال دون وجه حق.
وتعد الانتفاضة شكل من أشكال الاحتجاج العفوي الشعبي الفلسطيني على الوضع العام المزري في المخيمات وعلى انتشار البطالة وإهانة الشعور القومي والقمع اليومي الذي تمارسه سلطات الاحتلال (الإسرائيلي) ضد الفلسطينيين.
وفي اليوم الخامس عشر لانطلاق الانتفاضة الثالثة نسلط الضوء من خلال لمحة سريعة على أوجه الاختلاف ونقاط الالتقاء وزخم المواجهة، اضافة إلى أساليب المقاومة التي استُخدمت على مدار الانتفاضات الثلاث.
وبالرجوع ثمانية وعشرين عاماً إلى الخلف فقد انطلقت شرارة الانتفاضة الأولى في 8 ديسمبر/كانون الأول 1987م، في مخيم جباليا شمال قطاع غزة بعد قيام سائق شاحنة (إسرائيلي) بدهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين، ثمّ انتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيّمات فلسطين.
وتصاعدت حدة المقاومة من إلقاء الحجارة وصولاً إلى العصيان المدني والقاء المولوتوف وبعض عمليات اطلاق النار على الدوريات الصهيونية آنذاك.
هدأت الانتفاضة في العام 1991، وأُخمدت نيرانها نهائياً مع توقيع اتفاقية أوسلو بين الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.
ويُقدّر أن 1,300 فلسطيني استشهدوا أثناء أحداث الانتفاضة الأولى على يد الاحتلال، كما قتل 160( إسرائيليّا) على يد الفلسطينيين.
ومع دخول رئيس الوزراء الإسرائيلي "الأسبق" أرئيل شارون إلى باحة المسجد الأقصى في 28 سبتمبر 2000، اندلعت شرارة الانتفاضة الثانية.
وانتقلت مقاومة الاحتلال نقلة نوعية بخلاف الانتفاضة الأولى حيث تميزت بكثرة المواجهات المسلحة وتصاعد وتير الاعمال العسكرية بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال.
ومرت مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة خلالها بعدّة اجتياحات (إسرائيلية) منها عملية السور الواقي وأمطار الصيف والعديد من المسميات الأخرى التي كان يطلقها الاحتلال على كل هجمة يقوم بها.
نتج عن الانتفاضة الثانية قرابة الـ 4412 شهيدا فلسطيني، أما خسائر الاحتلال فقُدر تعدادها 334 قتيل ومن المستوطنين 735 قتيل وليصبح مجموع القتلى والجرحى الإسرائيليين 1069 قتيل.
وبالعودة إلى الانتفاضة الثالثة فقد أسفرت حصيلة الاعتداءات الإسرائيلية منذ بداية أكتوبر الجاري وحتى كتابة هذا النص عن ارتقاء 30 شهيداً من بينهم 7 أطفال في الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما بلغ عدد القتلى "الإسرائيليين" 7 قتلى وأصيب نحو 99 آخرين في عمليات طعن وإطلاق نار نفذها فلسطينيون في القدس والضفة المحتلة.
ويرى عثمان عثمان أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بنابلس، أن الانتفاضة الأخيرة استخدمت أسلوب الطعن والدهس واطلاق النار بخلاف الانتفاضة الثانية التي اعتمد على الحزام الناسف والأولى التي اقتصرت على إلقاء الحجارة.
وبين عثمان في حديثه لـ"الرسالة نت" أن الانتفاضة الثالثة تفتقر إلى التضامن والالتفاف الجماهيري والشعبي في كافة المدن الفلسطينية بخلاف سابقاتها، بينما تكمن أوجه الشبه بينهما أن جميع الانتفاضات جاءت نتيجة الاعتداءات (الاسرائيلية) والانتهاكات بحق الفلسطينيين وليس بتوجيه من فصائل أو سلطة أو مسؤولين.
ويأمل أن لا يتم اجهاض الانتفاضة الثالثة كما تم اجهاض سابقاتها بعمليات التسوية والانصياع للطروحات السياسية السلمية والقرارات الأمريكية.
ويؤكد عثمان أن العامل النفسي في الانتفاضات الثلاثة كان قوي وله تأثير كبير على الجبهة الداخلية للاحتلال، حيث انتشرت حالات الرعب والهوس وصولاً لدفعهم للهجرة العكسية بحثاً عن الأمان.
ويلفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح إلى أن الانتفاضة الثالثة تأتي في أسوء الظروف العربية وتفتقر للتضامن العربي على غرار الانتفاضتين السابقتين بسبب الانشغال بالربيع العربي مما يشكل خطر كبير عليها.
وبرغم قلة زخم المواجهة في الانتفاضة الأخيرة مقارنة بالانتفاضة الثانية التي شملت المواجهة بين الأجهزة الأمنية في السلطة، إلا أن عثمان يتوقع أن تشهد الانتفاضة الثالثة في الأيام المقبلة نقلة نوعية في طبيعة العمليات الفدائية ودخول أساليب جديدة في مواجهة الاحتلال.