"تبادل الأدوار" يزج حماس الضفة في "طنجرة الضغط"

د.خريشة: دايتون الحاكم العسكري الفعلي للضفة المحتلة

د.عبد الرازق: السلطة تلاحق المواطنين لإرضاء الاحتلال

الحلايقة: أبناء حماس يعيشون واقعا مزريا

د.الرمحي: الوضع سيتغير في يوم ما والسلطة ليس لديها أي أفق

د.دويك: أفق المصالحة ما بين " نعم و لا"

الرسالة نت -محمد أبو قمر / مراسلتنا بالضفة

ربما تختلط مشاهد الحواجز الأمنية التي تنصبها أجهزة فتح في الضفة المحتلة، وحواجز الاحتلال المتاخمة لها، ويصعب على المواطنين التمييز فيما بينها ، لاسيما أنها مقامة لاصطياد أصحاب الأرض، وحماية مغتصبيها.

ويعاني أبناء الحركة الإسلامية في الضفة على وجه التحديد من سياط الأجهزة الأمنية الموجهة بقرارات صهيوأمريكية، بدءا من الاعتقال السياسي، مرورا بالفصل الوظيفي، وليس انتهاء بملاحقة العمل الخيري والقائمين عليه.

ورغم مشارفة السنة الثالثة للانقسام على طي صفحتها إلا أن جملة من التساؤلات لا زالت مطروحة بقوة ، من يحكم الضفة؟ وهل من أفق للحل؟ وما دور الفصائل بما يجري هناك؟.

"الرسالة نت " وقفت على معاناة أهل الضفة، ورصدت صور القمع التي تمارسها أجهزة فتح الأمنية هناك. 

وجهان لعملة واحدة

لعل من أبرز المظاهر التي اتسمت بها سلطة أوسلو منذ تأسيسها قمع المقاومة، وتبعيتها الواضحة للاحتلال وتكامل دورها الأمني معه.. وتزخر أرض الضفة بمشاهد التنسيق الأمني مع الاحتلال التي لم تنقطع .

أولى تلك المشاهد تتجلى في تسليم المغتصبين الذين يدخلون ما تعرف بالمناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية وفق اتفاقية أوسلو، وكثيراً ما يُخدع الإعلام بأولئك حين يسرد على لسان الاحتلال بأنهم دخلوا المدينة عن طريق الخطأ، فغالبيتهم يتعمدون تجاهل اللافتات ودخول مدن رام الله وأريحا ونابلس مسلحين علهم يخرجون بصيد ثمين منها.. وما الصيد إلا أرواح الفلسطينيين.

وهنا يأتي دور أجهزة السلطة المظفرة، فتبرعُ في استلام المغتصبين ومعاملتهم وكأنهم ضيوف على المدينة التي دخلوها "عن طريق الخطأ" وتأخذهم تحت حراسة مشددة إلى غرف التنسيق الأمني وتسلمهم بكل بساطة إلى جيش الاحتلال في الوقت الذي تكاد أعين الأمهات في الضفة تنفجر حزناً على أبنائهن المغيبين في السجون راجيات من الله أسر جندي أو مغتصب آخر للإفراج عن أبنائهن.

أما الصورة الأخرى القاتمة في سجل أمجاد السلطة فتظهر في تلقف الأسرى المحررين من سجون الاحتلال، عبر سرقة لوائح اتهامهم من المؤسسات المعنية بشؤون الأسرى ومن ثم محاسبتهم مرة أخرى على التهم ذاتها وسجنهم لعدة أشهر على خلفية مقاومة الاحتلال.

وللمطاردين القساميين نصيب الأسد في جهود عناصر الأجهزة الأمنية، حيث أصبحوا يختفون عن أنظار الاحتلال وأتباعه من سلطة دايتون خشية الاعتقال أو حتى القتل، وهو ما يعيد الذاكرة لعملية تصفية شهداء قلقيلية القساميين الذين لاحقتهم أيادي الغدر الخائنة وقتلتهم بدم بارد لأخذ الدور عن الاحتلال الذي وفر للأجهزة القاتلة كل أجواء الحماية يومها.

ويعتقد النائب في المجلس التشريعي الدكتور عمر عبد الرازق أن المواطنين يعانون من ويلات الحصار الأمني والسياسي بسبب سلوكهم وقيمهم الحميدة ، فأي شخص مشكوك بأنه صوت للحركة الإسلامية في الانتخابات التشريعية يحرم من الوظيفة ويقطع رزقه ، حتى أنه ملاحق ولو كان يعمل بالقطاع الخاص.

ووصف ذلك بالمصيبة في ظل سلطة هدفها إرضاء الاحتلال بعيدا عن شعبها.

فيما أكدت النائب سميرة الحلايقة أن أبناء حماس يعيشون منذ منتصف العام 2007 واقعا مزريا، لاسيما على صعيد الاعتقالات السياسية، التي تتبادل السلطة والاحتلال أدوارها، وشملت القادة السياسيين والعسكريين للحركة ولم تستثن النواب والوزراء.

وكانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا قد أصدرت تقريرا عن انتهاك الحرية في الأراضي الفلسطينية قالت فيه "ننظر بقلق شديد لتدهور الأوضاع الإنسانية في مناطق الضفة الغربية على أيدي سلطات الاحتلال وقوات السلطة حيث تقوم الجهتان بالاعتداء على حقوق المواطنين الرئيسة بأشكال مختلفة أدت إلى تقييد حركتهم أو حريتهم وألحقت بهم الأذى الشديد جراء التعذيب النفسي والجسدي.

مربعات أمنية

وعلى الرغم من العلم الفلسطيني الذي يعتلي السيارات العسكرية التابعة لأجهزة فتح إلا أنه مجرد مظهر للتمويه فقط، فتسيير الدوريات المشتركة بين جيش الاحتلال والسلطة بات مشهداً شبه يومي في مدن الضفة وقراها، ولا تفلح دائما نظرات المواطنين المشمئزة تجاه ذوي القربى في بعث الخجل لديهم.. بل يستمرون في أفعالهم متباهين بعمالتهم.

ويذكر شهود عيان في الضفة مشهدا قاسيا على قلوب الفلسطينيين حين تفاجأوا في إحدى الليالي بمجموعة من جنود الاحتلال ينضمون إلى سهرة عناصر أجهزة السلطة على سطح أحد المراكز الشرطية قرب مدينة رام الله.

وتبزغ صورة الحواجز العسكرية بين ثنايا ملف التنسيق الأمني، حيث تنتشر في العادة حواجزُ تابعة للاحتلال في مختلف مدن الضفة وقراها ومخيماتها، وحين يفتش الجنود سيارات المواطنين بحثا عن "مطلوبين" يتفاجأ راكبوها بحاجز مماثل لأجهزة السلطة على بعد أمتار قليلة بحثاً عن "المطلوبين" أنفسهم عبر قوائم مشتركة مع الاحتلال.

وفي الوقت الذي تقمع فيه كل أشكال المقاومة في الضفة تتلذذ أجهزة السلطة بالبحث عن مخازن لأسلحة تابعة لحركة حماس، حيث تتباهى بين فترة وأخرى بتسليم أسلحة وجدتها في مخبأ ما إلى جيش الاحتلال الذي يبدأ بإغداق المجاملات والكلمات المعطرة بالمديح عليها.

لكن الدكتور محمود الرمحي أمين سر المجلس التشريعي شدد على أن الظلم لا يستمر ومن سنن الله بالأرض أن تتغير الأحوال ، وقال " الظروف التي تحياها الضفة نتيجة التنسيق الأمني والاحتلال كانت قد عاشتها الحركة الإسلامية في السابق، لكن الفرق أن الفترة التي تعيشها حماس هذه المرة من مضايقات واعتداءات قد طالت"، إلا أنه أكد على أن الحركة في كل مرة انطلقت أقوى من ذي قبل.

وبحسب الرمحي فان الوضع سيتغير في يوم ما ، لاسيما أن السلطة ليس لديها أي أفق ، وليس بإمكانها تغيير أحوال المواطنين للأفضل ، وبالتالي سيفهم الشعب ذلك في يوم ما.

وشملت المضايقات نواب المجلس التشريعي حيث يعتبر الدكتور عمر عبد الرازق النائب في المجلس التشريعي أن النواب يعانون من حرمانهم من خدمة الذين وثقوا فيهم ، سواء من خلال اعتقالهم من قبل الاحتلال لمدة طويلة ، أو التعطيل المتعمد للتشريعي من قبل سلطة رام الله التي تمنع النواب من خدمة شعبهم.

استجواب

"أبو راتب" مواطن يسكن حي البالوع في مدينة البيرة الذي يقيم فيه رئيس السلطة منتهي الولاية محمود عباس، يقول إن ما يلاقيه من تشديدات أمنية في محيط الحي بأكمله هو وعائلته وبناته يجعله يتخيل أنه في قاعدة عسكرية لدولة نووية لا في حي سكني هادئ لدولة محتلة، فعلى مدار 24 ساعة يمنع دخول سيارات على طول كيلو متر للمنازل القريبة من "فيلا" أبو مازن إلا في حالات استثنائية ويتم تفتيشها بدقة لساعات.

ويضيف:" نتفاجأ أن الحراس يختفون خلف مكعبات الحراسة وأكياس الرمل عندما تتجول دوريات الاحتلال التي ما زالت حتى الآن تدخل إلى هذا المكان المحرم علينا، وكأن وظيفة الحارس هي إضفاء التوتر والجو الأمني على فلسطيني عانى ويعاني من احتلال تعددت مسمياته".

إن المسافر في جميع أنحاء الضفة المحتلة يرى مغتصبات تأكل أرضا لفلسطينيين تُداهم منازلهم من عصابات ثلاث إما على التوالي أو في نفس الوقت، فالاحتلال بقواته والمغتصبون بعربدتهم وأجهزة السلطة "بوطنيتهم".. والهدف واحد هو إسكات لفلسطيني لطالما قال هذه أرضي!.

وفي إحدى الأيام طلبت مخابرات فتح من الشاب أحمد الذي قدم من السعودية  ليقابلها في مقرها في الخليل، ويقول إنه عبر الجسر الأردني ورأى على طول الطريق حواجز الاحتلال ومغتصبات على قمم الجبال، حتى انتهى الأمر بمقابلة للمخابرات.

"اعتقدت أنني على أبواب المفاعل النووي الإيراني أو في المنطقة الخضراء في العراق.. مئات من أكياس الرمل وعشرات المكعبات الإسمنتية يقف خلفها حراس يلبسون "خوذا وبدلات" رأيتها على جنود الاحتلال على حاجز الكونتينر في واد النار، وهذه المكعبات موجودة على بعد 200 متر من المقر الذي  تحيط به مقرات الأمن الوقائي والأمن الوطني وكلها مليشيات وأذرعة للاحتلال"، حسب أحمد.

ويتابع:" وصلت للحراس وكانت نظراتهم شبيهة بنظرة جنود الاحتلال على الحواجز، طلب مني أحد الحراس أن أرفع يدي وأسلم بطاقتي الشخصية لهم وأبقوني في الانتظار ما يزيد على ثلاثة ساعات وتذكرت في هذه الفترة حديث والدي لنا عن معاناته عندما كان يذهب لمقر الاحتلال الذي كان يعرف "بالعمارة "  بالخليل -المقاطعة حاليا- لأخذ تصريح سفر للسعودية, حيث الانتظار وإهانة الجنود له".

وبعدها دخل أحمد يصحبه اثنان من الحراس إلى غرفة مليئة بالأوساخ دون وجود مياه، وانتظر هناك ساعة أخرى لينزعوا بعدها ساعته وحزامه ورباط حذائه وتفتيش كل جسده استعدادا لمقابلة الضابط الذي يتفنن في التشبه بالاحتلال، فبادره بالقول:"لماذا أتيت إلى فلسطين؟ لو بقيت في السعودية أفضل لك".

وعندما سألهم عن سبب وجوده في المقر قال له الضابط "نحن هنا لحماية الأمن الفلسطيني من حماس والجهاد وأشكالهم".. ليجد نفسه في مكان صهيوني الأفكار والإجراءات يحمل علماً فلسطينيا على سطحه..

وليس أحمد وحده الذي يعاني من الإجراءات المشددة، فمحافظات الضفة تنتشر فيها القلاع الأمنية إما لحراسة منزل محافظ أو وزير أو مقر أمني أو غيره..وسرعان ما تختفي هذه الإجراءات، ودون أدنى شك يعرف المواطنون أن دوريات الاحتلال مرت من هنا أو أنها ستمر قريباً، فالتنسيق الأمني أسرع من البرق على أرض الضفة.

حكاية تعذيب

بين مئاتٍ بل آلافٍ ممن طالت أجسادهم صنوف الحقد الفتحاوي الدفين ضد أي شاب ذي توجه إسلامي، تبرز قصة الرجل الأربعيني "س.ل" الذي ما كان يظن يوماً أنه سيتحول من داعية إسلامي محبب ينال احترام الجميع في قريته إلى جسد "مشبوح" هزيل نُتفت لحيته الوقورة وخُلعت أظفاره.

وتبدأ حكايته في أحد أيام الشتاء أواخر عام 2007 حين انتزعته تلك الأيادي من بين عائلته وأطفاله وألقت به على الأرض أمام أعينهم وبدأت الأقدام تركله في كل ناحية من جسده تحت الأمطار الغزيرة غير مراعية صراخ والدته العجوز ولا بكاء أطفاله يصرخون "ابعدوا عن بابا..!"

وتتحول المسافة من منزل المختطف إلى مقر جهاز الاستخبارات الفلسطيني إلى فرصة أخرى لضربه وشتمه وسب الذات الإلهية عمداً كي يزيدوا من عذاب هذا الرجل الداعية الذي تعرض للضرب من قبل عناصر لم يتجاوزوا العشرين عاما يتسلحون بخيانتهم ، حتى إذا وصلوا المقر سلموه إلى رجال ضخام البنية لم يترددوا بدورهم عن جرّ جسده وصولاً إلى غرفة التحقيق.

ويتابع "س.ل" لـ"الرسالة نت  ":" أخذوني إلى المحقق وهو شخص ضخم يظهر الحقد في عينيه، طلب منهم تركي وجعلني أجلس على كرسي، وللحظة ظننت أن قلبه يحمل بعض العطف حتى فوجئت بأنه الأسوأ، فبادر بوضع كيس أسود على رأسي وكلما أجبت عن سؤال كان يصفعني بقوة حتى أدت إحدى الضربات إلى حدوث نزيف ورضة في أنفي".

وليست الزنازين المعتمة بعد جلسات التحقيق إلا غرفاً تفتقر مقومات الغرف وتحوي فقط على سلاسل حديدية معلقة، فلم يكد الرجل يتساءل في ذهنه عن سبب وجودها حتى وجد نفسه معلقاً من أطرافه الأربعة في أعلى السقف مشدوداً بهذه السلاسل التي ما زال أثرها على جسده.

ويضيف:" كنت أظل على هذه الوضعية طوال ساعات، ويمنعون عني الشرب والأكل كوسيلة تعذيب أخرى، وإذا أردت الصلاة فيجب أن أرجوهم وأتوسل إليهم كي ينزلونني فيتعمدون إعادة شبحي قبل أن أنتهي من ركعات الصلاة، وبقيت على هذه الحال شهراً كاملاً أنقص من وزني ما يقارب 20 كغم".

وفي إحدى جلسات التحقيق حول انتمائه إلى حماس وعمله معها خلال الانتخابات التشريعية أمره المحقق بالإفصاح عما أسماه مخبأ أموال الحركة، ولم يكن "س.ل" يعرف شيئا عن ذلك بالطبع لأنه كان يتخصص في مجال الدروس الدينية وجذب الشبان إلى المساجد وتقريبهم منها، إلا أن المحقق بقي يكذّب المختطف ويصفعه بقوة من أجل الاعتراف.

" بقي يضربني وأنا أقسم له بأنني لا أعرف شيئا مماثلا، فطلب من أحد الحراس أن يأتيه بكماشة، فظننت أنها وسيلة تخويف لا أكثر، لكنني فوجئت بألم شديد يكاد يقتلع قدمي، فوجدت أن المحقق بدأ ينتزع أظافري من مكانها وأنا أصرخ وأستغيث ولا ملبي، وبقي وضعي الصحي مترديا لفترة طويلة دون أن يكترثوا بي أو يعرضوني على طبيب".

وهي سبعة أشهر كاملة مكث فيها الرجل داخل سجون السلطة التي باتت تسمى لدى أهالي الضفة بالمسالخ لشدة حالات التعذيب فيها، ولكن ذاقها معظم أنصار الحركة تعذيبا مماثلاً ووحشية في التعامل جزاء على صلاةٍ في المساجد.

وأشار تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا الى أن الاعتقالات لازالت مستمرة بالتعاون مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فبموجب اتفاقيات اوسلو تلتزم السلطة الفلسطينية بتزويد قوات الاحتلال بمعلومات تقود الى اعتقال أشخاص مشتبهين بعملهم ضد الاحتلال.

ووفق سياسة تقاسم الوظائف تقوم السلطة باعتقال وإهانة من يفرج عنه من قبل سلطات الاحتلال وقوات الاحتلال تقوم أيضا بذات الدور، فيما أحال تبادل الأدوار بين سلطات الاحتلال وقوات السلطة حياة الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق أسفرت عن وفاة عدد من المعتقلين جراء التعذيب.

حكم عسكري

وفي غمرة الويلات التي تتعرض لها حماس في الضفة يعتقد النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الدكتور حسن خريشة أن ما يدور نتيجة غياب قرار حر، وأصبح حكم العسكر سائدا حتى أن الساسة لا يستطيعون إطلاق سراح معتقل سياسي واحد.ويقول خريشة: "هناك جهة أمنية تحكم الضفة، وعلى تعاون وتنسيق مستمر مع الاحتلال وهناك مسئول اكبر وهو الجنرال الأمريكي كيث دايتون الحاكم العسكري الفعلي للأراضي الفلسطينية".

وبحسب خريشة فانه من المفترض أن تكون القيادة الفلسطينية مسئولة عن العسكر ، لكن انقلبت الموازين وباتوا العسكر مسئولين عن القيادة السياسية، ويضيف " لا يعقل انه في الوقت الذي يتعرض فيه الشعب وقضاياه لشطب وتهميش ومخاطر ، أن يستمر اعتقال المناضلين تحت دعاوى سياسية وتنظيمية".

ويرى أن أهم ما في الأمر حاليا أن يطلق سراح المعتقلين السياسيين دون قيود ، وفتح باب الحريات ، لكن يبدو أنهم يخافون من تلك الحريات، ويغذي تلك المخاوف التوجهات الدولية والإسرائيلية.

لكن النائب عبد الرازق لفت الى أن الحكم في الضفة لحركة فتح ، ورفض التمييز بين عباس وفياض ، مشددا على أنهم فريق واحد متفقون في أهدافهم مع الاحتلال، ودايتون عبارة عن موظف أمريكي ينفذ سياسات بلاده بمناطق السلطة.

ويقول " التفاهم لا يمكن أن يتم مع الأجهزة الأمنية وإنما يجري مع فتح ، والأجهزة الامنية مهمتها التنفيذ".

فيما أوضحت النائب الحلايقة أن ما يحدث بالضفة تدخل فاضح من قبل جميع العناصر مجتمعة سواء الأجهزة الأمنية أو الاحتلال أو دايتون، وهو عمل مشترك ، والجميع يتفق على إنهاء على حركة حماس ومجتهدون في صداقتهم لاجتثاثها، وأضافت" لو لم تكن حماس في المعادلة لبقي اختلافهم لكن كرههم لحماس وانتقامهم وحدهم في وجهها".فيما يشير النائب الرمحي الى أن الضفة حكمها مشترك بين الأجهزة الأمنية وفياض، وليس محمود عباس.

ولعل الأجهزة الأمنية التي أصبحت قيادتها بأيدي أجنبية ، هي من يرسم السياسة، وفياض ينفذ سياسة الغرب في المنطقة ويتماشى معها ، بحسب الرمحي الذي قال " من يحكم الضفة هو من يدفع الأموال "المال السياسي".

وكشفت صحيفة ذي غارديان البريطانية في وقت سابق عن أن ضباط استخبارات فلسطينيين يقومون بالتنسيق عن قرب مع نظرائهم من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) بشأن اعتقال عناصر من أنصار حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الضفة الغربية والتحقيق معهم وتعذيبهم.

ونسبت ذي غارديان إلى دبلوماسيين غربيين ومسؤولين آخرين في المنطقة قولهم إن وكالة "سي آي أي" تقوم بالإشراف على عمل جهازي الأمن الوقائي والاستخبارات الفلسطينيين التابعين للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس.

وأشارت إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تعتبر الأجهزة الأمنية الفلسطينية بمثابة أجهزة تابعة لها، وأنها تعتبرها ذراعها الطويلة المتقدمة في الحرب على "الإرهاب".

وبينت ذي غارديان أن كثيرا من الفلسطينيين يلقون باللائمة على الجنرال الأميركي كيث دايتون الذي يقوم بالإشراف على تدريب الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالضفة الغربية والتنسيق مع نظيراتها الإسرائيلية بشأن تعذيب المعتقلين من أنصار حماس.

حرب الجمعيات

بخطوات مثقلة وقفت أم باسم زوجة أحد الشهداء أمام مبنى الجمعية الخيرية الإسلامية علها تستطيع الحصول على بعض مساعدات تطفئ جوع أطفالها الخمسة، متسائلة في الوقت ذاته عن سبب عدم إيصال المساعدات إلى بيتها كما اعتادت منذ استشهاد زوجها.

وهي ساعات من الانتظار أرهقت جسد أم باسم وجعلتها تتساءل عن سبب عدم الاكتراث بها رغم أنها كانت تلقى معاملة مميزة كونها زوجة شهيد، ولكنها فوجئت بأحد الموظفين يطلب منها مغادرة المبنى وعدم العودة مرة أخرى، فاشتد حاجباها اندهاشا وسألته عن السبب لهذا الأمر المفاجئ رافضة الخروج من المبنى.

وتضيف لـ"الرسالة نت ":" بعد ساعات من الانتظار طلبوا مني العودة إلى منزلي وعندما سألتهم عن المساعدات قالوا في البداية إنهم لا يعلمون عنها شيئا وتذرعوا بأن اسمي غير مسجل في لوائح المواطنين الذين يستحقون المساعدات، فأخبرتهم بأنني زوجة شهيد منذ عدة سنوات وأن المساعدات كانت تصل إلى أطفالي في منزلي دون أن أضطر للذهاب إلى مقر الجمعية، ولأن زوجي الشهيد كان ينتمي إلى حركة حماس أجبروني على الخروج، وحتى الآن لا أتلقى منهم أي مساعدات".

وهذه الحكاية ليست الوحيدة التي تحصل على أرض الضفة في ظل حكم سلطةٍ تتخذ من الاحتلال قدوة وقائداً، فمئات العائلات التي كانت تستفيد من مساعدات وهدايا الجمعيات الخيرية الإسلامية التي أنشأتها حماس منذ عدة أعوام وخاصة مع بداية انتفاضة الأقصى أضحت اليوم رهينة الفقر والجوع بعد سيطرة أجهزة فتح عليها وإغلاق العديد منها.

ولكن حرب الجمعيات الخيرية التي قادتها فتح منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية الأخيرة أدت إلى إغلاقها واعتقال رؤسائها والعاملين فيها وتعذيبهم من اجل معرفة مصادر الأموال التي كانت تُقدم لهذه الجمعيات بتهمة "دعم الإرهاب والتطرف" ومصادرة أموالها في البنوك تحت هذه الحجة.

وليس هذا الإرهاب إلا مساعدة الأيتام والفقراء والمساكين، فتشابهت وسائل قمعها بين الاحتلال وأجهزة السلطة ضمن خطة أمنية بالتنسيق مع الجانبين منذ إنشاء سلطة أوسلو، وزادت وتيرة هذه الحرب على جياع الضفة منذ منتصف عام 2007 عندما أغلقت السلطة أكثر من 100 جمعية خيرية واجتماعية وثقافية وطبية وخاصة بشؤون الأسرى في جميع المدن تحت حجج مختلفة كعدم الترخيص وعدم إتمام الإجراءات الإدارية، ولكن مشاهد الاقتحام والتحطيم والتكسير والتخريب ومصادرة الأوراق وأجهزة الحاسوب في مقار الجمعيات تفند كل ادعاءاتهم.

ولم تكتف أجهزة فتح بكل ذلك، بل عملت على تغيير إدارات الجمعيات لتبقى السلطة مسيطرة عليها مع الإبقاء على منجزاتها، مثل تغيير إدارة الجمعية الخيرية الإسلامية في مدينة الخليل ووضع وجوه فتحاوية بدلاً من أصحابها المعتقلين في أقبية تحقيق السلطة، ولم ينتج عن هذا الأمر سوى إضفاء الروح الفتحاوية المتمثلة بسرقة أموال اليتامى واعتماد الوساطات في التوظيف والانتقاء في تقديم المساعدات.

وتشير الحلايقة الى أن الاعتقال طال القائمين على المؤسسات الخيرية والأهلية بالضفة، كما أثرت الهجمة على الجمعيات ومصادرة أموالها على أداء العمل الاجتماعي.

وذكرت أن الفصل الوظيفي عملية قائمة منذ الانقسام ، ولا زالت مستمرة ، وشمل الفصل موظفين تم تعيينهم منذ العام 2005 وما بعدها ، ولم تستثن موظفين مثبتين منذ سنوات في التعليم والداخلية والصحة.

البحث عن حلول

ومن عتمة الليل يعتقد البعض أن هناك بصيصا من نور ، فالمصالحة وتجاوز الانقسام وتبعاته ربما تكون ممكنة ، وربما لن تتحقق كما يقول الدكتور عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني.

 

ويفسر دويك حديثه بأن هناك حراكا على الساحة الداخلية ربما يصل لتفاهمات من الممكن أن تمهد أرضية للدخول في خطوات عملية لتطبيق المصالحة على أرض الواقع، لكنه استدرك وقال " ويمكن أن يكون ذلك الحراك غطاء لحراك من نوع آخر تقوم به بعض الأطراف مع الجانب الإسرائيلي ، وتحاول الهاء الأطراف المختلفة بالحراك ، لذلك لا احد يستطيع أن يجزم أي الرأيين الأصح".

ويضيف دويك " الحراك يدور في جميع الاتجاهات ، ونترك له أن يأخذ مجراه حتى النهاية لنرى أي التقديرين هو الأصح".

وبينما لا زال الأمل لدى النائب خرشية بإمكانية الوصول لحلول إذا توفرت إرادة حقيقية لإنهاء الانقسام، لكنه أوضح أن ذلك بات مرتبط بالتطورات الدولية والإقليمية والتفاوض مع الاحتلال ، بمعنى أن الحال لن يعود إلا بقرار حر لاستعادة الوحدة على أساس واضح وصريح يشارك فيه الكل الفلسطيني .

وأضاف خريشة " لن نرضى بالأمر الواقع والإرادة الحرة لا بد أن تكون ويجب الخروج من الخنوع للضغوط الخارجية.

وبحسب خريشة فان هناك عنوانا واحدا ممكن أن ينهي الانقسام وهو استعادة دور المجلس التشريعي الفلسطيني باعتباره الممثل الشرعي لكل أبناء الشعب الفلسطيني ، وبإمكانه أن يعطي دوره الرقابي ووقف استباحة الحريات.وذكر أن الكرة في ملعب محمود عباس على اعتبار أنه باستطاعته الدعوة لدورة برلمانية جديدة واعتقد أنه في حالة تفعيل المجلس فيمكنه رعاية الحوار ، وبالتالي يستطيع المجلس أن يقف ضد أي انتهاكات ومحاسبة من يقف خلفها ، لكن بغيابه فسيستمر التمادي بأفعالهم.

لكن رئيس المجلس التشريعي قال " يبدو أن هناك قرارا رهن انعقاد التشريعي بإتمام المصالحة وليس قبلها ".

وانتقد خريشة دور بقية الفصائل تجاه الانقسام وقال " ليس لها أي دور ولا تستطيع القيام بدور الوسيط وهي غير راغبة بذلك لأنها تخلت عن دورها الحقيقي بتشكيل كتلة تمنع الانقسام واكتفت بمحاصصتها المالية من هنا وهناك ، وبالتالي هي سبب من أسباب استمرار الانقسام لأنها انحازت لطرف دون الآخر .

فيما أشارت الحلايقة الى أن الفصائل تتذرع بأن الأمر يحتاج لحل سياسي، وقالت " لا نعول عليها كثيرا لان موقفها نابع من تسلقها لاسيما أنها تستغل الخلاف لتضع موضع قدم في الساحة ، ومبررها لعدم البحث عن حلول أقبح من ذنب ، ولكن الأمل لا زال موجودا بأن تعود المصالحة وتنتهي الإشكاليات.

ونوه الرمحي الى غياب أي نشاط للفصائل فيما يتعلق بالمصالحة خاصة أنها تحصل على الأموال من فياض ، ولذلك لا تستطيع أن تجرؤ على انتقاد السلطة ،وبالتالي لا وجود لها ، وتبخرت، ولا نسمع صوتها سوى عند مواجهة حماس فقط، ونفتقره في مواجهة الاحتلال والظلم القائم في الضفة.

ورغم تعويل البعض على إتمام المصالحة للخروج من حالة الضغط الواقعة فيها حماس في الضفة، إلا أن آخرين يستبعدون أن تنفك أجهزة فتح الأمنية عن أبناء حماس نظرا لأن تلك الأجهزة تنفذ أجندة خارجية.

 

 

 

 

البث المباشر