قائد الطوفان قائد الطوفان

الرسالة تناقش في برنامجها الدوري

الأبعاد السياسية والميدانية لانتفاضة القدس

الرسالة نت-شيماء مرزوق

شهر مضى على انتفاضة القدس أحبط خلالها الشعب الفلسطيني المنتفض كل مخططات القفز عن قضيته، وأجبر الجميع على الالتفات اليه في زحمة الملفات والقضايا الملتهبة في منطقة الشرق الاوسط والعالم، والاهم أنه لجم الاحتلال ودفعه بعيداً عن المسجد الاقصى والقدس وأفشل مشروع التقسيم الذي كان الاحتلال بصدد تنفيذه.

لكن تبقى هذه الانتفاضة بحاجة للكثير من المتطلبات التي تعزز بقائها واستمراريتها وتحميها من محاولات الاحتواء والتطويع.

"الرسالة" من خلال برنامجها الدوري "في قاعة التحرير" حاولت تسليط الضوء على انتفاضة القدس من خلال عقد ورشة بعنوان "الأبعاد السياسية والميدانية لانتفاضة القدس" وذلك لتوضيح أبرز التحديات التي تحيط بها، وأهم عوامل القوة التي يجب ان تتحلى بها لضمان استمراريتها وتحقيق اهدافها.

انقاذ (إسرائيل)

وفي قراءة للواقع الاقليمي والدولي وتأثيره على مسار الانتفاضة أكد الدكتور جواد الحمد رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات من عمان أن الانتفاضة الفلسطينية شكلت متغيرا مهما في هذه المرحلة خاصة ان الوضع العربي لم يكن يرتقي لمستوى القضية.

الحمد: ضغوط هائلة تمارس على الفلسطينيين لوقف الانتفاضة

وبين ان الدافع الاساس وراء انطلاق الانتفاضة هو الانتهاكات الإسرائيلية واعتداءاتها على القدس والاعدامات التي تنفذها بحق المواطنين، معتبرا ان كل الوسائل التي يستخدمها الشباب الفلسطيني حتى الان هي مدنية بامتياز ومعترف بها في كل القوانين الدولية بأنها وسائل مدنية ولا يجوز بأن يحاكم من استخدمها محاكمات عسكرية كما تفعل (إسرائيل).

وأوضح الحمد أن استمرار الانتفاضة والهلع الذي اصاب (إسرائيل) بسبب عمليات الطعن والمواجهات أربك الاحتلال وقادته وباتوا عاجزين عن مواجهة هذه العمليات، قائلاً "العالم لم ينتبه لهذه الانتفاضة الا بعد عشرة ايام من نشوبها وبدأ يتحرك لإنقاذ (إسرائيل) من هذه الانتفاضة التي ما زال من الممكن ان تتوسع وتشكل حالة حقيقية لإنهاء الاحتلال".

وتابع " بدأنا نرى ضغوطا هائلة جدا على الفلسطينيين وتدخلت دول عربية مهمة أبرزها مصر والسعودية والاردن لمحاولة احتواء الانتفاضة او تهدئة الشعب الفلسطيني".

وأضاف الحمد بأن الانتفاضة بشكلها الحالي ليست قادرة على تحقيق اهدافها والتأثير في الواقع الفلسطيني الا إذا توفرت لها شروط معينة، مشيراً إلى أن الموقف الرسمي الدولي منحاز لـ(إسرائيل) بالكامل رغم وجود تضامن شعبي في الدول الغربية والولايات المتحدة واميركا الجنوبية، لكن يبقى التعامل العربي مع الانتفاضة الفلسطينية ضعيفا ومتواضعا جدا.

تفاهمات

وحول الاتفاق الاردني الامريكي وأثره على مسار الانتفاضة أكد رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات أنه لم يعلن عن اتفاق أردني اميركي ولم يصدر اي بيان او وثيقة مشتركة وكل ما صدر هو تصريحات من الجانبين الأميركي والاردني تتعلق بالوضع في الاقصى.

ولفت إلى ان نتنياهو لم يقدم شيئا جديدا لأنه اراد ان يستغل الوضع القائم في المنطقة لتمرير مخططاته والتفاهمات التي جرت أكدت حق اليهود في الزيارة وأن المسجد الاقصى والذي يسميه اليهود "جبل الهيكل" له اهمية قصوى عند جميع الاديان السماوية ومنها اليهودية.

الانتفاضة بشكلها الحالي غير قادرة على تحقيق اهدافها والتأثير

وأوضح أن بيان نتنياهو لم يقدم أي اجراءات تحد من استفزاز المستوطنين للمسلمين بالعكس تحدث عن العمل المشترك لمنع المستفزين والمحرضين كما اسماهم والمقصود هنا المرابطين في الاقصى.

وحول انشغال الدول العربية بالأزمات في المنطقة وخاصة سوريا واليمن والذي يلفت الانظار عن الانتفاضة الفلسطينية يرى د. الحمد أن الدول العربية في الانتفاضات السابقة لم تكن منشغلة بقضايا اخرى او ازمات داخلية ومع ذلك لم تقف مع الفلسطينيين.

وأشار إلى أن العرب كانوا يمارسون ضغوطا هائلة على الفلسطينيين لوقف الانتفاضة عام 1987 والقبول بأوسلو وكذلك في الانتفاضة عام 2000، قائلاً "نحن امام موقف عربي له اسس وقواعد ويؤمن بالسلام مع (إسرائيل) على المستوى الرسمي تماما وهناك اتصالات رسمية كثيرة وضعفها من الاتصالات والاجتماعات غير الرسمية".

وأضاف هناك تنسيق بين دول عربية والاحتلال الإسرائيلي في بعض الملفات ومنها ملف القضية الفلسطينية لذلك الموقف العربي الرسمي لا يمكنه الوقوف مع الفلسطينيين في مواجهة (إسرائيل).

الانتفاضات طعنت

الدكتور محمود العجرمي مساعد وزير الخارجية الفلسطيني السابق أكد أن الانتفاضة قامت نتيجة وصول فئات شعبية مختلفة إلى قناعة أنه لا افق امامها لتغيير هذا الواقع، قائلاً "نحن نستعجل قطف ثمار الانتفاضة وهي ما زالت في بدايتها".

صالح: الانتفاضة بحاجة قيادة ميدانية وعقل سياسي وبرنامج لتحقق اهدافها

وأوضح أنه في الانتفاضة الاولى والثانية لم يخرج الناس من اليوم الاول وكانت تنحسر أياما وأخرى تشتعل بأعمال المقاومة والعمليات وهذا هو ديدن الانتفاضات الى ان تصل للسخونة التي تمكنها من قطف الثمار وتحقيق الاهداف.

وبين العجرمي أن الانتفاضة الحالية تسير بوتيرة ممتازة وسوف تستمر لأنها تأتي بعد ان طعنت انتفاضتان لأنه في 1987 طعنت باتفاق اوسلو، وفي العام 2000 قادت إلى قتل ياسر عرفات كممثل لتاريخ البندقية والمقاومة.

واعتبر أن السلطة الفلسطينية جاءت نتاجا لمخطط غربي عربي لتحويل القضية الفلسطينية من شعب له حقوق ووطن وثوابت الى سكان في إطار الدولة المركزية وهي دولة الاحتلال وأوسلو لم يتحدث بالنص عن دولة او شعب فلسطين.

وقال العجرمي " الشعب تعلم الدرس وخرج وهو يعي تماما ان السلطة متخابرة مع الاحتلال ولها

تأثيرات قوية على ملاحقة المناضلين وتسليم سلاحهم ومنع اي عمليات ضد الاحتلال"، موضحاً أن الانتفاضة تتحول وتتطور لكنها ليست مستندة لإرث كان منفلتا تحت احتلال وانما تحت وطأة سلطة تقمع وتنسق امنياً مع المحتل.

وشدد على ان آفاق استمرار الانتفاضة قائمة لأنه تحرك بالتوازي معها الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة عام 1948 ولديهم خططهم وطرقهم في مقاومة الاحتلال وهناك تواصل مستمر ما بين الفصائل والمنظمات غير الحكومية والنقابات.

الحاضنة الإقليمية غير متوفرة لان الدول العربية متحالفة مع امريكا واسرائيل

ولفت العجرمي إلى أن الحديث عن غياب الحاضنة العربية محاولة للتثبيط فهناك افق حقيقي للتقدم خاصة ان الانتفاضة تسير بالتوازي مع التغييرات العربية التي تشهد حراكا كبيرا.

ورأى أن الرئيس محمود عباس يؤدي دورا وظيفيا واضحا فهو يطلب الاجتماع مع 22 رئيسا عربيا ولا يجتمع مع خمسة قيادات فلسطينية لمواجهة منعطف هام وتاريخي في حياة الشعب الفلسطيني.

وتساءل "لماذا لا يدعو الإطار القيادي المؤقت والمجلس التشريعي للانعقاد وهو الممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني وصاحب الولاية القانونية والشرعية الممتدة للشعب؟

ويرى انه على المستوى الدولي الاوضاع ليست مثبطة لان اميركا منذ العام 2003 مع بداية غزو العراق بدأت تفلس وتنحدر من المنطقة بالتوازي مع صعود قوى دولية اخرى مثل روسيا واليابان والصين جنوب افريقيا.

ونوه إلى أنه أثناء العدوان على غزة صيف 2014 تحرك مئات الالاف في اميركا والدول الاوروبية واميركا الجنوبية في مشهد لم يحدث سابقاً وهناك تعاطف دولي كبير مع القضية واستمرار الانتفاضة سيحرك كل العوامل ولن تتوقف الانتفاضة حتى تحقيق الاهداف وهي الانسحاب من الضفة وتفكيك المستوطنات ورفع الحصار عن غزة.

عقل سياسي

بدوره اعتبر الدكتور محسن صالح رئيس مركز الزيتونة للدراسات من بيروت أنه حتى هذه اللحظة فان الانتفاضة لم تأخذ شكلها المنظم ولم تقدم برنامجا سياسيا مشيرا إلى ان الانتفاضات في البداية تأخذ الطابع الشعبي والحراك الشبابي وهذا يكون مقبولا في البداية لكن بعد ذلك يجب ان يكون هناك عمل فصائلي وتنظيمي لضمان استمراريتها وحيويتها.

وشدد على ضرورة ان يكون للانتفاضة قيادة ميدانية وعقل سياسي وبرنامج وتطلعات تستطيع من خلاله ان تعمل للوصول الى اهدافها وهذا من أبرز التحديات التي يمكن ان تواجهها.

العجرمي: هناك افق حقيقي للانتفاضة التي تسير بالتوازي مع التغييرات العربية

وبين ان التحدي الاخر هو ان البعد الاقليمي المنقسم لم يعد يعير الملف الفلسطيني الاهتمام المطلوب ويرى ان الملفات الاخرى في المنطقة أكثر اهمية والحاحا. 

وفيما يتعلق بالجهود السياسية المبذولة لاحتواء الانتفاضة أكد صالح أن الانتفاضة بحاجة حاضنة اقليمية تساهم في مواجهة العقبات والضغوط التي ستتعرض لها، مشيراً إلى أن هذه الحاضنة غير متوفرة حالياً لان البيئة الإقليمية متحالفة مع اميركا و(إسرائيل).

وبين ان أي تدخل يجري خاصة من اميركا هو اما لدعم وحماية (إسرائيل) او التغطية على جرائمها في حين ان الفلسطينيين يواجهون الاحتلال وحدهم وبالتالي يجب اعادة توجيه البوصلة العربية الاسلامية نحو القضية الفلسطينية.

ونوه الى ان الاردن هي الدولة الوحيدة التي تدخلت لاعتبارات كثيرة أهمها انها صاحبة وصاية على المقدسات لكن دورها كان منحصرا فيما يخص المسجد الاقصى وكأن القضية الفلسطينية فقط المسجد الاقصى.

الانتفاضة لن تنتهي قبل الانسحاب ورفع الحصار وانهاء وجود السلطة

وفيما يخص دور فلسطينيي الشتات في المشاركة في الانتفاضة أكد صالح أن الفلسطينيين في الخارج ليسوا منفصلين عن قضيتهم ويعيشون بالقرب من ارضهم خاصة انهم يتركزون في دول الجوار "الاردن -سوريا-لبنان".

واوضح ان معظم العمل الفلسطيني المقاوم في فترة السبعينات كان من خارج فلسطين، لكن بعد ذلك تلقى الفلسطينيون ضربات قوية خاصة من الانظمة القمعية.

وأشار إلى وجود محاولات دائمة للشعب الفلسطيني في الخارج ان يكون له دور في التحرير لكن يجب النظر الى النتائج التي سيحققها قبل اي عمل ينفذه، فاطلاق اي صاروخ او تنفيذ اي هجوم على الاحتلال من الاراضي العربية ستكون نتيجته طرد كل الفلسطينيين الموجودين في هذه الدولة.

البث المباشر