في مساحة لا تزيد عن 200 دونم، كان يعتبرها الاحتلال الإسرائيلي مربعا أمنيا يسهل السيطرة عليها، انطلقت منها شرارة مواجهات انتفاضة القدس حيث يقع هناك مخيم شعفاط، الذي يعد مخيم اللاجئين الوحيد في مدينة القدس المحتلة.
ويطلق عليه أحيانا مخيم عناتا، وهو أحد المخيمات التي أنشأت عام 1965 بسبب حركة النزوح للاجئين الفلسطينيين في الأراضي الواقعة بين قريتي عناتا وشعفاط ضمن حدود غربي القدس، وجاء تأسيسه بعد أكثر من عقد على تأسيس المخيمات الرسمية الأخرى في الضفة المحتلة.
وفور احتلاله ضمته (إسرائيل) عام 1967 إلى ما يسمى "بلدية القدس الغربية"، ولذلك يحمل سكانه "الهوية الزرقاء" الصادرة عن وزارة الداخلية الإسرائيلية خلافا لجميع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الأخرى.
"شيكاغو القدس"
وراهن الاحتلال الإسرائيلي كثيرا على إضعاف هذا المخيم خلال الانتفاضات السابقة، لكنه كان دائما الشوكة الأقوى في حلق الاحتلال من دون كل أحياء وقرى القدس. وحاولت (إسرائيل) استغلال المخيم ذي الكثافة السكانية العالية في القدس الشرقية، بنشر آفات اجتماعية عدة لإفساد شبابه وابعادهم عن قضيتهم المركزية "الأقصى وتحرير فلسطين".
ويقول الصحفي خليل أبو اسنينة أحد أبناء المخيم لـ"الرسالة نت"، إنه على مدى عدة سنوات قبل الانتفاضة الفلسطينية الأولى، أُطلق على المخيم اسم "شيكاغو" بسبب انتشار المخدرات بشكل كبير في أزقته وبين الشبان فيه، لكن كان واضحا في سنوات الانتفاضة أنه واحد من أكثر المناطق سخونة بالقدس الشرقية في المواجهات مع الاحتلال، ما قلص إلى حد كبير آفة المخدرات بين شبانه.
وبحسب الصحفي أبو سنينة، فإن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد ترويج المخدرات والتجارة بها في القدس الشرقية، كأحد الأساليب لإشغال الشبان عن الأقصى وتحرير الأرض، لكن الشباب أصبح اكثر وعيا ودراية بما يحيكه الاحتلال ضدهم.
وفي انتفاضة القدس الحالية ظهر المخيم كأحد أبرز المناطق اشتعالا في المدينة المقدسة، وكان نقطة مواجهات عنيفة في الأيام العشرة الأولى من الانتفاضة، وقدم ثلاثة شهداء من خيرة شبابه، كما أن جيش الاحتلال حاول في أكثر من مرة اقتحام المخيم لكن كل محاولاته باءت بالفشل، ولم يستطع أن يتقدم مترا واحدا إلى داخله بسبب صمود أبنائه في وجه الاحتلال.
السكن والتعليم
وأثناء تجولك بين أزقة المخيم ستجد مباني متلاصقة وأحياء متراصة لا يتجاوز عرض شوارعها ثلاثة أمتار، وكغيره من المخيمات الفلسطينية، يعاني من البنية التحتية المتردية لشبكات الصرف الصحي والمياه.
وعلى الرغم من تبعية المخيم لبلدية القدس الغربية -التي يشرف عليها الاحتلال- إلا أنه لا يخضع لقوانينها الصارمة المتعلقة بالبناء، ما جعله على مدار السنين شوكة سعت البلدية لاقتلاعها، بدءا من رئيسها الأسبق تيدي كوليك ومرورا بإيهود اولمرت اللذين لم يخفيا رغبتهما في الخلاص من المخيم عبر طرح مخططات لإزالته بادعاء "إقامة مساكن ملائمة للسكان"، ، وصولا إلى رئيس البلدية الحالي نير بركات الذي وجد ضالته في الجدار الذي عزله كليا عن القدس.
واستنادا إلى السجلات الرسمية لوكالة الغوث (أونروا)، فإن عدد اللاجئين المسجلين في المخيم يصل إلى نحو 11 ألف لاجئ، في حين يقول سكان محليون إن العدد أكبر من ذلك بكثير.
ويقول الحاج محمد صلاح -أحد سكان المخيم القدامى- إن الكثير من سكان الضفة المحتلة انتقلوا إلى العيش في المخيم لقربه من أماكن عملهم في (إسرائيل)، وفي ضوء صعوبات العثور على سكن في القدس الشرقية.
ويضيف صلاح خلال حديثه "للرسالة نت"، انه على مدار السنين، انتقل آلاف المواطنين للسكن في المخيم، خاصة بعد بدء وزارة الداخلية الإسرائيلية حملة واسعة لشطب إقامات المقدسيين المقيمين في الضفة، وهو ما دفع إلى هجرة معاكسة باتجاه المدينة.
وعن أهم المشاكل التي يعاني منها المخيم: إهمال السلطة الفلسطينية وعدم الاهتمام من بلدية القدس وعدم اكتراث أونروا له، إذ تعتقد وكالة الغوث أن الأوضاع المادية لأهالي المخيم جيدة فإنه لا يحتاج إلى خدماتها وبلدية القدس تكاد لا تعترف جغرافياً بسكان المخيم، لذلك فهو يعاني دوما من قلة الخدمات العامة. وفق الحاج صلاح.
ورغم كل ما تعانيه من أوضاع صعبة ما زالت المخيمات الفلسطينية وعلى رأسها مخيم شعفاط تتقدم على بقية المناطق في ساحات المواجهة.