بمجرد أن اندلعت انتفاضة القدس بدأت تتوارد عبر وسائل الاعلام عند نقل الاحداث أسماء قرى وحارات في الاراضي المحتلة، قد يسمعها المشاهد أو القارئ للمرة الأولى أو يعتاد على ذكرها دون معرفة سبب تسميتها.
وفي خضم الاحداث السياسية، قرر الباحث التاريخي عدنان أبو تبانة أحد ساكني مدينة الخليل أن يعرف الجيل الجديد عبر صفحته الخاصة على الفيسبوك أصل تسمية حارات وأزقة مدينة الخليل.
وعن الدافع الذي جعله يقوم بتفسير أصل تلك الحواري والأزقة يقول "للرسالة" :" توضيحها واجب لغير أصحاب اللهجة حتى تتعرف الأجيال اللاحقة على ميراث الأجيال السالفة، بالإضافة إلى أن الخليل توأم القدس ومن الضروري تعريف أهل فلسطين والعرب سبب تسمية حاراتها والإشارة إلى تاريخ المكان الأصلي.
وبحسب أبو تبانة فإن الخليل تتميز بغرابة اسماء حاراتها وشوارعها فمن زقاق العميان الى جورة بحلص، وقرن الثور، وعين قشقلة، وكنار، وسنجر، وخلة بطرخ وغيرها.
أم شحدة وسنجر والشلالة
ومن اغرب أسماء شوارع الخليل، فرن ام شحدة نسبة إلى فرن كانت تملكه الحاجة عفيفة الجنيدي المكناة "أم شحدة" والمتوفاة في حوالي عام 1965، وتم هدم الفرن حين جرى توسيع شارع كان زقاقا ترابيا ضيقا تكسوه الشجيرات البرية الشائكة المتشابكة كالعوسج والسويد والبلوط، ولا يزال يعرف بهذا الاسم.
ويوجد أيضا "شارع أبو اكتيلا " نسبة إلى وادي أبو اكتيلا الذي يمر في المنطقة الغربية من الخليل، و" اكتيلا " اسم لعشبة برية تنبت في جبال ووديان الخليل، ويبدو أنها كانت تنبت بكثرة في هذا الوادي لدرجة تسميته بها وذلك وفق أبو تبانة.
أما حارة الاكراد فهي إلى من كان لهم الفضل الكبير على هذه البلاد في صناعة التاريخ الاسلامي، فقد سكنوا هذه البلاد بعد أن حررها جدهم صلاح الدين وسكنوا المناطق الجبلية نظرا لطبيعتهم التي تحب الجبال، حيث تقع شرقي الحرم الإبراهيمي الشريف، ولا يزال ديوان الاكراد معلما بارزا من معالم البلدة القديمة بجانب مسجد الشيخ رشيد.
وعن منطقة سنجر، يروي المؤرخ أبو تبانة أصل تسميتها، لكنه في البداية يحدد للقارئ موقعها قائلا:" هي المنطقة ما بين الحاووز الثاني بعد منطقة خلة مناع وحتي منتصف الطريق الواصل بين الخليل ودورا"، لافتا إلى أن أصل الكلمة يعود للأمير المملوكي ابو سعيد علم الدين عبدالله سنجر الجاولي والذي كان نائبا لغزة ثم تدرج في المناصب الأميرية وكان ناظرا للحرمين الشريفين.
ويتابع روايته:" كانت سنجر وأختها كنار احدى أهم المزارع التي يزرع فيها العنب الدوري حيث كان العنب الدوري والعنب العينوني ( نسبة الى بيت عينون) من أشهر انواع العنب في العصر المملوكي.
وعن الأمير المملوكي يوضح أبو تبانة أنه كان سياسيا وإداريا وعالما بالحديث وفقيها شافعيا وكانت له مصنفات وكتب من أشهرها مسند الامام الشافعي حيث أعاد تبويبه وكذلك تبويب كتاب الام للشافعي، وبنى عدة مساجد في مصر والشام ومن أشهر اثاره في الخليل مسجد (الجاولية) الملاصق للحرم الإبراهيمي من جهة الشرق حيث حفره في الصخر من ماله الخاص وأضافه إلى الحرم الإبراهيمي الشريف، وهو بناء محكم ولا يوجد به شبابيك لأنه منقور في الصخر.
ومن أسماء الحارات التي لا يعرفها إلا أهل الخليل، خزق الفأر فهو بحسب أبو تبانة القنطرة التي تفصل السوق القديم عن سوق الملابس القديمة والتي تنتهي بسوق الخضار المركزي، فقد كان في هذا الخزق دكانان احدهما لجودت القصراوي وهو من اكبر تجار الألعاب في الضفة والآخر لشخص اسمه جودات من الخيمة قضاء الرملة وكان يبيع (الخرايط وهي أكياس المالطي التي كان أهل الخليل يستخدمونها بطاين للحف والفرشات، إضافة لاستخدامها كملابس داخلية للرجال وأحيانا بامبرز وخرق للأطفال.
وتطرق المؤرخ أبو تبانة، إلى مغارة الزقيعة الواقعة على مرتفع في طريق عيصى، وهي نسبة إلى الشيخ العلامة الشاعر الإمام المقرئ إبراهيم بن زقاعة المولود في غزة والمتوفى في القاهرة حوالي عام818ه، والذي سكن الخليل وقرا القران في حرمها وكان أديبا شاعرا.
أما عن الشلالة القديم والشلالة الجديد، فالأول هو الشارع الذي يصل بين (عين العسكر) ثم يمتد شرقا حتى ميدان باب الزاوية وكان هناك عين ماء قبالة مدرسة المحمدية هي عين (ام الفرج) وكان الماء يتدفق بقوة كالشلال ولصغره سميت الشلالة، وكان ينبت القصب على جوانب الشلال الصغير، بينما الشلالة الجديد كذلك يبدأ من عين العسكر وحتى باب الزاوية وكان الشارعان من انشط الشوارع تجاريا والآن المحلات شبه مغلقة نتيجة إجراءات الاحتلال.
غزة والخليل "نخوة ومرجلة"
وكون الحديث عن مدينة الخليل، فهناك الكثير من الناس يتحدثون عن التشابه بين أهل غزة والخليل، وهنا يؤكد أبو تبانة ذلك قائلا:" يرجع التشابه إلى سببين، أولهما جغرافي حيث منطقة الفالوجة الفاصلة بين غزة والخليل، فقد كانت زمن تركيا تابعة للخليل وفي زمن بريطانيا كانت تابعة للواء غزة وبعد النكبة توجه اَهلها الى الخليل وغزة.
ونسبة للموقع الجغرافي فليس غريبا أن تسكن عائلات غزية جبل الخليل، وكذلك الحال لأهل الخليل، مثل عائلة العشي والغزاوي والشرفا والجعبري والقواسمة وغيرها.
وأما السبب الثاني وفق قول أبو تبانه فهو، تاريخي فمن المعروف تاريخيا أن اغلب أهل الخليل وغزة من قبيلة كبيرة واحدة هي بني جرم من طيء القحطانية، حيث ذكر ابن فضل الله العمري أن بلاد بني جرم هي بلاد غزة والداروم (دير البلح) مما يلي الساحل الى الجبل وبلد الخليل عليه السلام.
وذكر القلقشندي في كتابه صبح الأعشى أن منازل بني جرم هي: فيما بين غزة وجبال الشراة من جبال الكرك، وهذا يعني أن منازلهم شملت الخليل بسبب وجود الخليل بين غزة والكرك ومن هنا يظهر التشابه صفات الغزاوي والخليلي وابن الجنوب الأردني في النخوة والمرجلة.