بين صور ومقاطع مباشرة وحصرية، وأناشيد ثورية ووطنية، تتسابق وسائل الإعلام الفلسطينية في نقل أحداث ومجريات "انتفاضة القدس" المندلعة منذ شهر ونصف في القدس والضفة المحتلتين، بشكل يغطي جوانبها كافة ويدعم استمرارها.
جهود ملحوظة تُبذل في سبيل تحقيق تغطية سريعة وشاملة للأحداث في مختلف أماكن وقوعها وباختلاف توقيتها، وسط محاولات لابتداع طرق للفت الأنظار والخروج عن المألوف في أشكال التغطيات وأنواعها.
أبرز تلك المحاولات سجلتها فضائية الأقصى التي تبث من مكتبها الرئيس من قطاع غزة، والتي دشنت استديو خاصا يجسد مشاهد من الانتفاضة، ما بين إطارات سيارات ينبعث منها الدخان وتحيط بها أسلاك شائكة، وحجارة متناثرة في كل مكان، إضافة إلى جيبات (إسرائيلية) أشعلتها الزجاجات الحارقة التي يلقيها شبان الانتفاضة.
ويتعاقب على هذا المكان إعلاميون ودعاة وأسرى محررون، يحرصون بجانب التغطية الإعلامية المستمرة على إلقاء الكلمات المؤثرة لتحريك نبض الشارع والحفاظ على هبة الشبان، في الوقت الذي يدعم حديثهم انتهاكات إسرائيلية متعاقبة بحق الفلسطينيين على الأرض.
فضائيات ووسائل إعلام أخرى كانت انتفاضة القدس الحدث الأبرز لتغطياتها، إضافة إلى صفحات وحسابات تلك الوسائل عبر شبكات التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها، علاوة على الصحف والمجلات التي أفردت زوايا خاصة لتغطية آخر الأخبار والتقارير الخاصة الانتفاضة.
إزاء كل ذلك، أحصت لجنة الحريات الصحفية التابعة لنقابة الصحفيين في الضفة المحتلة 110 انتهاكات بحق الصحفيين، بينها قتل أحدهم وهو الشهيد أحمد الهرباوي الطالب في قسم الاعلام في مواجهات شرق مدينة غزة، وإصابة 30 آخرين خلال شهر أكتوبر الماضي، مبينة أن استهداف الصحفيين وصل حدودا تعسفية واسعة عرّضت حياة الزملاء للخطر الشديد.
كما أشار تقرير صادر عن اللجنة لاستهداف جيش الاحتلال الاسرائيلي للعشرات من الصحفيين بأجسام قنابل الغاز والصوت لإيقاع أكبر ضرر بهم، عدا عن عشرات الاصابات نتيجة استنشاق الغاز المسيل للدموع وغاز الفلفل.
كما ارتفعت نسبة الانتهاكات فيما يتعلق باحتجاز الطواقم الصحفية ومنعها من التغطية والاعتداء على افرادها بالضرب، في الوقت الذي حذرت فيه اللجنة مما وصفته بالاستهداف الواضح للصحفيين دون أي رقابة دولية من جانب وتشجيع المستوى السياسي في دولة الاحتلال من جانب اخر للمس بالصحفيين مما قد يؤدي لأضرار اكبر واخطر.
استراتيجية إعلامية
الكاتب الصحفي مصطفى الصواف أشاد بجهود وسائل الإعلام الفلسطينية في تغطية أحداث انتفاضة القدس الجارية، مؤكدا في الوقت ذاته أنه من الصعب وصف الخطاب الإعلامي بالوحدوي، فهناك بعض الحالات الشاذة، وفق قوله.
وأشار الصواف إلى غياب استراتيجية واحدة شاملة لجميع وسائل الإعلام الفلسطينية، قائلا: "هذا ما يؤكد أنه إعلام منفرد، بسبب الحزبية التي تسيطر على وسائله، فكل تنظيم يتناول القضية من جانبه، بالإضافة إلى اختلاف الإمكانيات".
وطالب وسائل الإعلام الفلسطينية بالحرص على مجاراة أحداث انتفاضة القدس، لتبقى جذوتها مشتعلة، مؤكدا أن المطلوب الآن هو وحدة الموقف الفلسطيني الإعلامي ووحدة محددات الإعلام.
ولفت الصواف إلى أن تأثير وسائل الإعلام الاجتماعي على مجريات الحدث الآنية له دور فاعل، ولكن ما بعد الحدث هناك من هم بحاجة إلى اطلاع أوسع، من خلال التقارير الإعلامية، خاصة لمن هم غير مشاركين في الانتفاضة.
دعوى قضائية
في ظل كل ذلك، لم يسلم الاعلام الفلسطيني من محاولات الماكينات الإسرائيلية للتحريض عليه وضرب مصداقيه، وهو ما وضح جليا حينما رفعت منظمة "هناك قانون" الإسرائيلية دعوى قضائية في محكمة أمريكية بولاية نيويورك ضد إدارة موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، زاعمة أنه يروج لمنشورات "تحرض على العنف وقتل الإسرائيليين".
ووفقا لصحيفة "هآرتس" العبرية فقد جمعت المنظمة على مدى الأيام الماضية تواقيع 20 ألف إسرائيلي لمطالبة المحكمة بوقف ما وصفوه بالتحريض عبر فيسبوك، مؤكدة أن نجاحها في جمع هذا العدد من التواقيع يشير إلى حجم المخاوف الإسرائيلية من تأثير فيسبوك على تنفيذ عمليات فلسطينية مسلحة ضدهم.
وتأمل رئيسة المنظمة المحامية نيتسانا لايتنر أن تصدر المحكمة قرارا ضد فيسبوك يلزمه بإغلاق أي صفحة تشجع -حسب قولها- على قتل اليهود وتبث منشورات عدائية ضدهم، مبينة أن الدعوى تشمل المئات من المنشورات التي تحث على قتل اليهود، وتقدم تعليمات للفلسطينيين حول كيفية تنفيذ عمليات ضد إسرائيليين.