للشهر الثاني على التوالي، يواصل لهيب الانتفاضة بالغليان يومًا بعد الآخر، وسط اخفاق وفشل ذريع لسياسات الاحتلال الأمنية والعسكرية في وأد مسارها أو الحد من انفعالها.
انتفاضة القدس لا تزال تشتعل في مدن الضفة المحتلة والقدس وأراضي 48 حتى هذه اللحظة، ولم يعد الاحتلال قادر على إخمادها ما يعني أن هناك معادلات جديدة ستفرض وقائع على الأرض.
سقوط العديد من الشهداء والجرحى خلال انتفاضة القدس، وتكثيف حكومة نتنياهو الإجراءات العقابية والعدائية ضد الشبان الفلسطينيين المشعلين للإنتفاضة، لم يكسر عزيمة هؤلاء الشبان الذين يرفضون سياسة الاحتلال في القدس والضفة، وبطبيعة الحال أدى ذلك كله إلى تطور الانتفاضة ودخولها لمرحلة جديدة.
واليوم، يكتفي نتنياهو وحكومته بأمر جنوده بالاعتقالات في الضفة ، والمزيد من الإجرام الممنهج بحق الفلسطينيين، وإطلاق أيدي جماعات المستوطنين، لممارسة إجرامهم الجمعي، بينما يستثمر، في المقابل، حالات العنف الفلسطيني الفردي إعلامياً، من دون أن تتردد أجهزته الأمنية في تلفيق عمليات طعن لتبرير قتل مزيد من الفلسطينيين، بمن فيهم النساء والأطفال، بدم بارد، أو بتركهم ينزفون حتى الموت.
يذكر أن عمليات الإعدام الميداني امتدت لتشمل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة العام 1948، ولم توفر عمليات القتل حتى من يُشتبه في كونه عربياً، فلم يعد بإمكان الحقد الإسرائيلي أن يتريّث.
كما تعيش الساحة السياسيّة الفلسطينيّة حالة من عدم الاتّفاق حول طبيعة المواجهات الحاصلة مع الإسرائيليّين منذ أواخر أيلول/ سبتمبر وأوائل تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضيين، بين من يعرّفها بالانتفاضة، وآخر يصفها بالهبّة الشعبيّة، وثالث يعتبرها احتجاجات على اقتحامات (إسرائيل) للمسجد الأقصى.
وترى معظم القوى والتنظيمات الفلسطينيّة ضرورة استمرار هذه الانتفاضة، حتّى تحقيق أهدافها التي لم يتّفق الفلسطينيّون في مجموعهم عليها بعد، سواء كانت وضع حدّ للسياسة الإسرائيليّة ضدّ المسجد الأقصى، أم العودة إلى المفاوضات مع السلطة الفلسطينيّة، أم وقف عجلة الاستيطان في الضفّة الغربيّة.
ويرى المحلل السياسي عدنان أبو عامر أنّ الانتفاضة حقّقت إنجازات مباشرة وسريعة، وأدّت لتراجع الاحتلال عن استباحة المسجد الأقصى، وشكّلت رادعاً للمستوطنين.
ويقول أبو عامر:" الركيزة السياسيّة لحماية الانتفاضة تتطلّب التحلّل من اتّفاقيّة أوسلو، والتزاماتها الأمنيّة والاقتصاديّة، وهو ما يتطلب من السلطة الفلسطينيّة ألّا تساوم على الانتفاضة بالدخول في مفاوضات عبثيّة مع (إسرائيل)"، مضيفًا: " أمّا الفصائل فتحتاج إلى أن تراجع سياساتها بعيداً عن الانتهازيّة السياسيّة".
ويعتقد أبو عامر أن خلافات الفلسطينيّين في هذه الانتفاضة مختلفة عن سابقتيها، الأولى في عام 1987، والثانية في عام 2000، فهي تحصل وسط انقسام سياسيّ وجغرافيّ حادّ، يلقي بظلاله على مخاوف كلّ فصيل من تطلّعات الفصيل الآخر من الانتفاضة، ممّا يجعلها تسير من دون خطّة ميدانيّة أو برنامج سياسيّ متّفق عليه، ممّا لا يمنح أحدا فرصة توقّع كيف ستكون نتائج الانتفاضة.
ومن جانبه يرى المحلل السياسي محمد مضية أن حكومة نتنياهو تعيش في مرحلة تخبط كبير جراء استمرار الانتفاضة وتطورها الكبير وصولًا لعمليات اطلاق نار تجاه المستوطنين.
ويقول مضية لـ "الرسالة نت ":" لا أحد يستطيع أن يئد الانتفاضة أو حتى يوقفها؛ لأن من أشعلها هم شبان أرادوا نيل حريتهم والتخلص من سياسة الاحتلال في مدينة القدس والضفة المحتلة".
ولفت إلى أن الانتفاضة ستدخل في مراحل تطور لن يستطيع أحد إخمادها وستكون الهم الشاق لدى حكومة الاحتلال، مرجعا السبب وراء ذلك للممارسات الإسرائيلية (الهمجية) تجاه الفلسطينيين وسلسلة الاعتقالات التي يقوم بها جنود الاحتلال في الضفة.
وبحسب المحللين فإن (نتنياهو) في ورطة حقيقية لأن كل قمع وإعدام ميداني يقابله إصرار فلسطيني على مواصلة الانتفاضة، والسلطة للأسف تكرر نفس الكلمات صباح مساء وتتصرف كالمتفرج.
وتبقى انتفاضة القدس تستنسخ شكلها كما رسم اسمها في واقع جديد وظروف مختلفة عما سبق؛ لتحمل في طياتها هذه المرة المفاجآت والتطورات فردية كانت أم تنظيمية متوقعة.