[45] الإسلام يحث على العمل ويحارب البطالة والكسل
يوسف علي فرحات
ومن وسائل حث الإسلام على العمل دعوته للاحتراف وممارسة الصناعة والتجارة وكذلك الحث على
2- الزراعة : وقد رغبَّ النبي r فيها حيث قال : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ )[ أخرجه البخاري ، ، رقم (2152) ] .
3-الصناعات والحرف : ففي الحديث ، قال رَسُولِ اللَّهِ : ( مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ) [أخرجه البخاري ، رقم (1930) ] . وجاء في الخبر : ( إن الله يحب العبد المحترف ) [ فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي ، عبد الرؤوف المناوي ، 2/ص19 ) ] .
وفي مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أنه كان إذا رأى غلاماً فأعجبه قال : هل له من حرفه ، فإذا قيل : لا قال: سقط من عيني . وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ :( إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ قُلْتُ فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ قَالَ أَعْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَالَ تُعِينُ ضَايِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ قَالَ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَالَ تَدَعُ النَّاسَ مِنْ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ ) [أخرجه البخاري ، حديث رقم (2518) ] . ففي هذا الحديث من الفوائد :
1- إعانة الصانع ، بتوفير عمل له .
2- الصناعة للأخرق –وهو الذي ليس بصانع – وذلك بتعليمه مهنة أو حرفة ، كأنه ينبغي أن يُوجه مال الأمة في عدة جهات ، منها :
أ- إنشاء المصانع والمؤسسات التي تستوعب أصحاب الحرف الذين لا عمل لهم .
ب- إنشاء معاهد للتدريب والتعليم ، التي تزيد حجم أصحاب الحرف والمهن [انظر: بحث البطالة والتسول بين السنة النبوية وبين القوانين الوضعية المعاصرة ، د. نهاد عبد الحليم عبيد ( مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ، الكويت ، العدد 31 السنة 12ص101) ]
سادسا ً: اعتبار العمل والكسب من الصدقات ووسيلة إليها : في الحديث عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ : ( عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ ) [ أخرجه البخاري ، رقم (5563) ]
سابعاً : تربية صفوة البشر من الأنبياء على العمل لاتخاذهم قدوة :
فقد عمل الأنبياء – مع علو درجتهم - في أعمال وحرف عدة ومنها رعي الأغنام ، وصناعة الحديد ، والتجارة ، وغيرها 0
سابعاً : حارب الإسلام النظرة الخاطئة للعمل ، والتي تدعو إلى امتهانه والحط منه ، ومن ثم تكون سبباً في تفاقم مشكلة البطالة . وقد عالجت السنة ذلك :
فقد ورد عن أبي الدرداء ما يشير إلى وجود هذه النظرة الخاطئة عند البعض ، حيث كان أبو الدرداء يشتغل في الزراعة ، فاستهجن ذلك بعض من رآه ، وعدَّه غير لائق بِصحابة رسول الله ، إلا أن أبا الدرداء عالج هذا الفهم الخاطئ بما تعلمه من رسول الله مِنْ رفعه لشأن العمل – حتى في الزراعة – وإكرامه للعمال . فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا بِدِمَشْقَ فَقَالَ لَهُ أَتَفْعَلُ هَذَا وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : ( مَنْ غَرَسَ غَرْسًا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ آدَمِيٌّ وَلَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً ) [ رواه أحمد (26234) وحسن إسناده المنذري ، انظر: المنتقى من الترغيب والترهيب للقرضاوي 2/224رقم (1559) ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ) [أخرجه البخاري ، ، رقم (1377) ] .
فبين الحديث أن مهنة الاحتطاب على ما فيها من مشقة ، وما يحوطها من نظرات الازدراء ، وما يرجى فيها من ربح ضئيل ، خير من البطالة وتكفف الناس . لذا لا عجب أن رأينا في أئمة الإسلام وأكابر علمائه الذين سارت بذكرهم الركبان وخلدتهم آثارهم ومؤلفاتهم العلمية والأدبية – كثيرين لم ينسبوا إلى آبائهم وأجدادهم وقبائلهم ، بل نُسبوا إلى حرف وصناعات كانوا يَتَعيشون منها . ولا زلنا نقرأ أسماء : البزاز ، والقفال ، والزجاج ، والخراز ، والجصاص ، والخواص ، والخياط ، والصبان ، والقطان ... وغيرهم من الفقهاء والمؤلفين والعلماء المتبحرين في شتى جوانب الثقافة الإسلامية والعربية [ انظر: مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ، للقرضاوي ص 40-41 ].
سابعاً : إن الإسلام يفتح أبواب العمل – أمام المسلم – ليختار منها ما تؤهله له كفايته وخبرته وميوله ، ولا يفرض عليه عملاً معيناً إلا إذا تعين ذلك لمصلحة المجتمع . كما لا يَسدُ في وجهه أبواب العمل إلا إذا كان من ورائه ضررٌ لشخصه أو المجتمع – مادياً كان الضرر أو معنوياً – وكل الأعمال المحرمة في الإسلام من هذا النوع 0 لذا لا يعترف الإسلام بالملكية التي لا يكون مصدرها العمل والطرق المشروعة : فحرّم الإسلام أعمال الغصب والسلب والسرقة والنصب والمقامرة والربا وما ينشأ عنها من مكاسب مالية ، واتخذ إزاء ذلك العقوبات الرادعة ، وفي ذلك إلزام لأفراد المجتمع في البحث عن الكسب المشروع ؛ وأغلب ذلك لا يتأتى إلا عن طريق العمل
ثامناً : وبينت السنة النبوية أنه لا يجوز ترك العمل بحجة الانقطاع للعبادة ، فإن العبادة بمفهومها الشرعي هي : اسم جامع لكل ما يحبه الله ، وكذا رسوله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة 0 لذا اعتبرت السنة العمل جهاداً ، فقد مر على رسول رجل فرأي أصحابه من جَلَده ونشاطه ، فقالوا : يا رسول الله ، لو كان هذا في سبيل الله ، فقال : ( إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان ) [أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ، 7/56رقم (6835) ]
تاسعاً : كما لا يجوز ترك العمل بذريعة أنه في بلد ، لا يجد فيه عملاً ، فالسنة النبوية أمرت بالسفر في بلاد الله الواسعة ، للبحث عن الرزق ، ففي الحديث :( سافروا تصحوا وترزقوا ) [أخرجه عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن مرسلاً ( الجامع الصغير للسيوطي ، رقم 4626 وحسنه ، ووافقه المناوي في فيض القدير 4/82 ]