قائمة الموقع

سباعنة.. سلك طريق العلم وتخرّج شهيدًا

2015-12-27T18:50:47+02:00
الشهيد محمد سباعنة
الرسالة نت-محمد أبو زايدة

في أحشائها بالشهر السادس قبل ميلاده، سمِع صوت بكاء أمّه وتنهداتها التي لم تتوقف لليالٍ عقب اعتقالات الاحتلال المستمرة لوالده، واقتحاماتهم التي لم تتوقف على تكسير الأثاث؛ بل تجاوزتها بالاعتداء عليهم جسديًا.

وفي صبيحة الخامس من نوفمبر لعام 1991، كانت ركلات محمّد تصاحب دقّات قلب أمّه التي تسارعت إثر رؤية زوجها مقعدًا على كرسيٍ متحرك، بعد اختراق رصاصة قنّاص "إسرائيلي" لعاموده الفقري.

وما إن اكتمل الحملُ ووضعته أمّه في النصف الأوّل من عام (1992)؛ قرّرت العائلة تسميته (محمد رفيق حسين سباعنة)، حتى حمدت المولى على نعمته.

ضحكاتُ محمّد في مهده؛ كانت هديّة الله لعائلته بعد اعتقالاتٍ طالت جميع أفرادها، وما إن اشتد عوده، أضحت أناشيد الوطن وحرية الأسرى هي زاده، وقراءته لتاريخ الوطن المسلوب أكبر همّه.

يقول عمّه أبو أحمد لـ"الرسالة نت": "في الخامسة من عمر محمّد؛ شاهد أمام عينيه عمّه حافظ، شهيدًا يوارى الثرى، فزاد من تعلّقه بالوطن".

تيقّن محمّد أنّ استرداد وطنه من براثن الاحتلال يتمثّل في علمه الذي سيحارب به عدوّه، فاهتم بدراسته حتى تخرّج من الثانوية العامة بمعدل (86%)، ثم درس في الجامعة العربية الأمريكية، تخصص "تحاليل طبية".

يضيف عمّه: "رؤية محمد لوالده مقعدًا على كرسيٍ متحرك؛ زرع في نفسه الميول إلى دراسة تخصصٍ طبي، فاختار التحاليل الطبية ليساعد قدر المستطاع من يشكو علّة، أو يحتاجه لمداواته".

تمثّلت طيلة فترة دراسة محمّد بحبّه للعلم، حتّى كان عمّه أبو أحمد الذي دومًا ما يتواجد في بيته ويعتبره أحد أبنائه، كان يمازحه بالقول: "هوّن على نفسك، كفاك دراسة"، ويجيبه محمّد: "ولمن أترك الكتاب إن تركته؟".

طلبنا أن يوصلنا عمّه بوالديّ محمّد، لكنّه أخبرنا أنّهما يعيشان في صدمة، ولا يستطيعان الحديث البتة.

كان الجميع يرسم مع محمّد مستقبله الذي دومًا ما يخبرهم به، أنّه "سيتحرر بسواعدهم وأقلامهم التي تشق طريقها بالعلم، ولن يتمكّن الاحتلال من هزيمة إرادة شعبٍ يتمترس بالعزيمة".

جلسات محمّد مع عمّه التي كانت حول موقد النّار بين الفينة والأخرى، وفي أجواء البرد القارس، تدور أحاديثها عن "السجن وقهره، وظلم الاحتلال، وشهداء انتفاضة القدس وكراماتها".

وقبل عشرة أيامٍ من كتابة التقرير، جهّزت عائلة سباعنة مفاجأة لمحمد، يخبرنا بها عمّه: "قبل عودته من الجامعة، ركّبنا له غرفة نومٍ تتناسب مع دراسته الجامعية، لا سيما أنّه اقترب من التخرج ولم يتبقَ له سوى (5 ساعات دراسة)، وبعدما شاهدها عبّر عن سعادته بسجدة شكر لله".

ومن بيت الأسرة إلى منزل جدّه ثم عمّه، كانت ابتسامات محمّد تتناثر حبًا ومرحًا، ولم يتوقّع أحد من العائلة استشهاده في ظلّ تقديمه اختباراته النهائية للفصل الدراسي الأوّل.

ومع آذان عصر اليوم الأحد، تداول الجميع نبأ استشهاد محمّد، فلم يصدّق أحد ذلك، وبدأوا الاتصال به، إلّا أن صاحب الرقم الذي حاولوا الاتصال به رحل شهيدًا.

كلُ واحدٍ في العائلة عبّر عن صدمته بالنبأ؛ بحجم الحب الذي يغمره في قلبه اتجاه محمّد، وعمّ الخبر أرجاء المدينة، بعد نشره من الإذاعة العبرية التي زعمت أنّه نفذ عملية طعنٍ لجنديين "إسرائيليين" على حاجز حوارة جنوب نابلس شمالي الضفة المحتلة.

واحتجز الاحتلال جثماني محمّد، ونور الدين سباعنة، أحد أقاربه الذي رافقه أثناء سيره بالقرب من الجنود الإسرائيليين، رافضًا الافراج عنهما.

ساعات قليلة بين وصول الخبر إلى بيت العائلة، وقدوم جيباتٍ "إسرائيلية" لاستجواب والد محمّد المقعد؛ إلى مركز التحقيق، الذي بقي في أقبيتها حتّى نشر التقرير.

وفي نهاية حديثنا مع العائلة، ختم أبو أحمد حديثه بالآية القرآنية: "وبشّر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون".

اخبار ذات صلة