في الذكري الـ62 للنكبة

كيف نحافظ على الذاكرة الفلسطينية من الضياع؟

الرسالة نت _ أمل حبيب

بتقاسيم وجهها الذي ملأته التجاعيد.. وبالشوق والحنين إلى أيام البلاد والوطن المسلوب كانت الحاجة أم أنور تروي لأحفادها حكاية النكبة والتغريبة الفلسطينية والعودة المنتظرة. حديثها كان مفعما برائحة الليمون والزيتون وصوت الرحى وهي تدور, ولكن ومن غير سابق إنذار انقطعت الرواية بعدما فارقت الجدة الحياة, والصغار مازالوا ينتظرون من يكمل لهم حكاية المأساة والجرح النازف.

شعار "كي لا ننسى" كيف يمكن أن نطبقه وماذا فعلنا من اجله ؟ وبعد 62 عاما على التهجير وانقراض الكثير جيل النكبة ما هي الوسائل لحفظ الذاكرة من النسيان أو الضياع ؟ وما هو دور التاريخ الشفوي في نقل أحداث النكبة وتوثيقها؟

أسئلة عديدة تبحث "الرسالة نت" عن الإجابة الشافية لها عند أصحاب الشأن والاختصاص.

 كي لا ننسى

في هذا السياق أوضح الدكتور زكريا السنوار أستاذ التاريخ بالجامعة الإسلامية يجيب: "يجب أن نعمل جاهدين على مستوى الأفراد والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية في المدارس والجامعات والمساجد وحتى الكنائس الفلسطينية إلى تعزيز فكرة التمسك بالأرض وحقنا في العودة , وان ما حدث من غزوة صهيونية استهدفت الإنسان والأرض هي جائرة لاحق لها في وطننا.

وقال السنوار في حديثه لـ "الرسالة نت" :"إذا أهملنا العمل في غرس حق العودة في نفوس الصغار قبل الكبار , وان الحديث عن فلسطين عام 48 هو محض خيال وشككنا في قوتنا وأنها لا توازي قوة العدو بذلك نكون قد وصلنا إلى شعار بعنوان "يجب أن ننسى " .

أما عن الجهود والوسائل التي بذلت من اجل حفظ الذاكرة الفلسطينية أشار أستاذ التاريخ بان هناك عددا من الفعاليات بغض النظر عن مدى ملاءمتها لهذا الأمر بالإضافة إلى شعارات رفعت ورددت في ذكرى النكبة الفلسطينية , منوها إلى دور مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت , ومؤسسة الدراسات الفلسطينية ومعهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية وغيرها من مراكز الأبحاث التي أصدرت عددا كبيرا من الدراسات عن فلسطين وتاريخها وقضية التهجير والنكبة التي انتشرت على مستوى العالم من خلال ترجمة الكثير منها .

وبين السنوار بان هناك عددا كبيرا من المؤسسات التي تعنى بقضية حق العودة وأدل على ذلك مؤتمر العودة في أوروبا الذي يعقد سنويا في ذكرى النكبة لافتا إلى انه يحتشد له الناس من كل مكان في العالم من الفلسطينيين والعرب ومؤيدي القضية الفلسطينية .

 غرس حق العودة

62 عاما على التهجير واللاجئون الفلسطينيون يحيون ذكرى نكبتهم من كل عام في الخامس عشر من أيار/ مايو على أمل العودة إلى الديار , فمنهم من كتب على جدران منزله في المخيم "عائدون", وتجد أحد كبار السن يجلس بين أحفاده ويحدثهم عن الوطن المسلوب وقد ملأ الشيب شعر رأسه وهو ينتظر العودة , ومنهم من خبأ مفتاح بيته في يافا لأنه يعلم بان العودة حق كالشمس لا يغطى بالغربال ,والآخر اكتفى بخارطة فلسطين المعلقة في إحدى غرف منزله .

أما دور اللاجئين الفلسطينيين نبه أستاذ التاريخ بأنه يجب الحديث بشكل أكبر عن حق العودة , وغرسه في نفوس الأبناء من خلال المناهج الدراسية والجامعات الفلسطينية والعربية ,موضحا بان موضوع العودة لم يحظى بالاهتمام الكاف في المنهاج الفلسطيني وانه فيه لبس كبير لان الطفل لا يعي جيدا ماهية فلسطين لأنه يرى فقط الخارطة وبعض الرسومات والتي لا تكفي لتوضيح المسالة لهم.

وقال :" نحن بحاجة إلى نقلة نوعية في فكر حق العودة والنكبة الفلسطينية , ويجب على كل فرد أن يتكلم بالأمر ويعتبره هما خاصا ويتحدث به لمن حوله ,فالإمام في المسجد والداعية  والمعلم في مدرسته والمربية في مراحل رياض الأطفال عليهم دور هام في غرس حب الوطن في القلوب وإبلاغهم عن مدنهم الأصلية , وأضاف :" هناك مشكلة عند الناشئة لأن اغلبهم لا يعرفون بلداتهم الأصلية , فيجب الاهتمام اكثر بالصغار وتعليمهم قضيتهم وحقوقهم".

أما على مستوى الجماعة في الحفاظ على حق العودة من الضياع أكد السنوار على ضرورة إيجاد صورة شمولية سواء رسمية وغير رسمية على مستوى التنظيمات والفصائل الوطنية والحكومة في مختلف دوائرها والعمل على تكوين خطة واضحة لغرز ثقافة العودة على مستوى الجاليات الفلسطينية في الداخل والخارج .

وشدد أستاذ التاريخ الفلسطيني على الدور الهام لوسائل الإعلام وذلك لإنتاج مواد إعلامية وتلفزيونية لنقل معاناة الشعب المنكوب بالإضافة إلى الأفلام الوثائقية التي تكشف عن طغيان الاحتلال والمذابح التي ارتكبها بحق الفلسطينيين.

 التاريخ الشفوي

وذكر أحد المؤرخين الفلسطينيين بان للتاريخ الشـفوي أهمية تكمن في أنه يعيد التوازن إلى عملية كتابة التاريخ من خلال الاهتمام بذاكرة وأفعال من عايشوا النكبة وان الاهتمام بهذا التاريخ المنثور وجمعه وتدوينه يساهم في تسجيل الأحداث حسب واقعها الفعلي، مما يكفل توثيق هذه الأحداث وأرشفتها والحفاظ عليها لتستفيد منها الأجيال المستقبلية، وتعتمد كمصدر موثوق للباحثين والمؤرخين.

من جهته يرى السنوار بأنه من الواجب علينا الاهتمام بالتاريخ الشفوي الفلسطيني بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه من معلومات ووقائع تاريخية، وتدوينها وتوثيقها، وعمل تصحيح شامل على كل ما كتب حتى الآن من قبل بعض المؤرخين العاملين لصالح الإعلام الصهيوني ونقده, مشيرا إلى دور مركز التاريخ الشفوي بالجامعة الإسلامية في تدوين شهادات من مهجرين فلسطينيين , لأننا بحاجة إلى شهادة الأشخاص الذين عاصروا تلك الأحداث التاريخية حتى نتمكن من إحياء الحقائق التي تم طمسها، والتأكيد على المعلومات من عدة مصادر.

وفي معرض رد السنوار على سؤال "الرسالة نت" فيما إذا كانت الذاكرة الفلسطينية مهددة بالنسيان في ظل انقراض الجيل الذي عايش النكبة أجاب :" الأمر مرهون بالجيل الحالي فإذا اهتممنا بالوطن والقضية فلا يمكن أن ننسى الهوية وحق العودة وأما إذا انشغلنا بالأمور السطحية وواقعنا الذي نعيش سوف ننسى ", وأضاف :" نحن أمام تحد خطير , فيجب أن نعمل جاهدين وبكافة الوسائل لتعزيز ثقافة إحياء حق العودة , وان الاحتلال غاصب محتل لأرضنا لابد أن يرحل ".

إذا لا تقلقي فلسطين فحكاية نكبتنا مازالت تسرد وأنات لاجئيك لا زالت تخترق الصمت بعد أكثر من ستة عقود على التشريد .. وتغريبة شعبك حاضرة في ذاكرتنا ولن تنسى ولتدفن مقولة جولدمائير "الكبار يموتون والصغار ينسون" .

 

البث المباشر