أدخل العام المنصرم 2015 الفلسطينيين في دوامة صراع هي الأعنف مع الاحتلال (الإسرائيلي) وكل مكوناته تكللت بإعادة انتخاب الحكومة اليمنية الاكثر تطرفاً في تاريخ الاحتلال مطلع العام، والتي جاءت لتقضي على آخر أمل كان يتعلق به أصحاب مشروع أوسلو ومع تشكيل هذه الحكومة توفي مشروع التسوية لكن أصحابه يرفضون دفنه.
سنوات من الجمود السياسي وغياب مشروع وطني فلسطيني موحد يستطيع تحقيق انجاز أو اختراق في الواقع الفلسطيني المعقد، دفعت بالشباب الفلسطينيين إلى محاولة الخروج من حالة التيه والغرق في القضايا التفصيلية والانحراف عن القضية الاساسية باللجوء لخيار مواجهة الاحتلال وممارساته ضد المقدرات الفلسطينية.
وجاءت انتفاضة القدس في بداية أكتوبر الماضي لتتوج العام 2015 وتحرك المياه الراكدة على الساحة الفلسطينية وتخلق أحداثا يومية تفرض نفسها على اجندة جميع السياسيين في الجانبين (الإسرائيلي) والفلسطيني، بعدما ظل الجمود يخيم على المسار السياسي.
وبغض النظر عن أحداث الانتفاضة التي تخبو وتتصاعد الا انه ينظر لها اليوم على انها حدث فاصل، سيكون له ما بعده ويعول عليها كثيراً في إحداث تغيير جذري سواء على صعيد الملف السياسي أو ملف المأزق الفلسطيني الداخلي.
وفي ظل الانقسام الفلسطيني الذي تعود جذوره لاختلاف البرامج والرؤى السياسية حول القضية الفلسطينية جاءت الانتفاضة لتكون أشبه باستفتاء شعبي يُجمع على رفض مشروع التسوية والمفاوضات الفاشل، ويدعم باتجاه تعزيز مشروع المقاومة بكل أشكالها والبناء عليه واشراك كل الشرائح الفلسطينية فيه.
وبين خيار التسوية الفاشلة والمواجهات العسكرية المكلفة مثّلت الانتفاضة برنامجا شعبيا يحاول المزج بين البرامج يجمع التناقضات السياسية بين الكل الفلسطيني على خيار المقاومة الشعبية والفردية التي تمس كل مواطن فلسطيني.
الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري أكد أن الانتفاضة هي الحدث الأبرز فلسطينيا في العام 2015 ولكن ما يمنع اشتعالها أكثر رغم التأييد الكبير لها هو الانقسام، وغياب الرؤية، والتردد بين خيار انتهى ولم يدفن بعد، وخيار ينضج ولم يولد بعد.
وقال في مقال له "الجمهور الواسع يتفرج بين مؤيد لما يجري دون أن يصل إلى الانخراط فيها، وبين معارض و"بين بين"، والمعارض يضم قسمين: الأول، لا يريد الانتفاضة بأي شكل حتى لو كانت سلمية 100 %، لأنها يمكن أن تمسّ مصالحه ووزنه في المجتمع، ولأنها يمكن أن تؤدي إلى انهيار السلطة، إذ أنها أصبحت "بلا سلطة" -كما يقول قادتها-.
وأوضح أن القسم الثاني لا ينخرط في الانتفاضة ويعارضها، لأنه رأى ما انتهت إليه الانتفاضتان السابقتان، حيث كانت المكاسب أقل بكثير من التضحيات والمعاناة، فضلاً عن أنهما انتهتا إلى الفوضى والفلتان الأمني، إذ انتهت الأولى إلى "اتفاق أوسلو"، بينما وصلنا بعد الثانية إلى الانقسام الأسود.
وشدد على أنه إذا شعر هذا القسم الواسع من الجمهور الفلسطيني بأن هناك استيعابا للدروس والعبر من التجارب السابقة، أو سعيا جديا نحو هذا الاتجاه، أو أن هذه الانتفاضة ستكون مدخلاً لبلورة قيادات وقوى جديدة؛ فسينخرط في "الانتفاضة" بصورة لم تحدث من قبل.
وما يدعم هذا التوجه هو ما انجزته هذه الانتفاضة بعد أسابيع قليلة على اندلاعها على صعيد كسر لنظرية الامن (الإسرائيلي) وانهيار المنظومة الأمنية في القدس والضفة والاراضي المحتلة عام 48 وعلى حدود قطاع غزة، ودخول المجتمع (الإسرائيلي) في حاله هلع ورعب غير مسبوقة.
ويتوقع المراقبون أن تستمر الهبة الشعبية عام 2016 وربما في فترة ما بعده، مدفوعة برغبة الجيل الجديد من الفلسطينيين في الرد والاحتجاج على ممارسات الاحتلال، خصوصا الاستيطان والتهويد والتمييز العنصري واستهداف المقدسات.
كما يعتقد بعضهم أن استمرار الانتفاضة سينشئ اتجاهات سياسية جديدة بين الأجيال الشابة، قد تكون بعيدة نسبياً عن الفصائل.