قائد الطوفان قائد الطوفان

38 قرية مقدسية.. من ظلم النكبة إلى قساوة الاحتلال

الرسالة نت  – مراسلتنا

بتجاعيد العمر التي حُفرت معها الذكريات المؤلمة ينظر الحاج أبو صلاح إلى قرية صوبا التي كان يوماً ما يأكل من ثمرها ويلعب في حدائقها.. يرقبها الآن من بعيد وقد دُمرت بيوتُها وتهاوت أركانها التي ضربت المثل في جمالها وجذبت إليها الزوار في الماضي.

 

فلم يكتفِ الاحتلال بحفر الجرح فحسب، بل آثر تعميقه وغرسه أكثر في قلوب الفلسطينيين ممن أُجبروا على ترك قراهم الجنات الطبيعية، والعيش في مخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة.

 

هي 38 قرية كانت تحيط بالمدينة المقدسة، ولكنّ آلة القتل والطرد لاحقت أهلها عام 1948 حتى هُجروا منها مكرهين إلى بقية أراضي الضفة المحتلة، والآن ينظرون بعين الحزن إليها بعد أن عاثت فيها يد الصهاينة تدميراً وتخريباً.

 

التهجير أولاً

 

في سكون الليلة الأولى من عام 1948 داهمت عصابات أرجون وشتيرن الصهيونيتين قرية لفتا المقدسية، وأمعنت فيها المجازر والقتل والتدمير حتى أجبرت أهلها على هجرتها، وبذلك تكون أول قرية مقدسية تسقط في يد الاحتلال.

وبعد ذلك توالت الهجمات والمجازر على القرى المقدسية الأخرى، وكان أبرزها قرية دير ياسين التي لم تتوان أيادي الصهاينة عن قتل المئات فيها من نساء وأطفال وشيوخ وثوار، فهو التاسع من نيسان أطل برأسه عام ثمانية وأربعين بلباس أسودَ غطى القريةَ الوادعةَ غرب القدس المحتلة والتي انضم أبناؤها كسائر رجال فلسطين إلى صفوف الثوار في مقاومة الاحتلال.. حتى إذا استُشهد قائدهم عبد القادر الحسيني وذهبوا لوداعه باغتت بيوتَها أيادي الغدر، وهي كلماتٌ نطقت بها الحاجة أم محمد علي التي كانت طفلةً في حينها.

 

فتقول لـ"الرسالة نت ":" كنا في منازلنا، وبعد معركة القسطل واستشهاد عبد القادر الحسيني فيها خلت القرية من الرجال لأنهم ذهبوا لحضور تشييعه، فهجمت العصابات علينا وبدأوا بنسف بيت ظهران ومحمد موسى وقتلوا 17 فرداً من كل عائلة وهدموا البيت فوقهم".

 

وما يزيد على 250 شهيداً من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، لاحقتهم رصاصات الموت المغلف بحقد الاحتلال وأردتهم شهداء شاهدين على جُرمه، لاحقتهم على عتبات بيوتهم العتيقة وبين أزقة القرية وفوق أسطح المنازل وفي ساحاتها، كَمَثلِ إحدى شهيدات القرية التي قَتلوا ولَدها وزوجَها قبل أن يعدموها.

 

" كانت هناك سيدة قتلوا ولدها وزوجها ومن ثم قتلوها وهي تقدم الماء للثوار وسقطت على رأسها من أعلى درج بيتها واستُشهدت".

 

وليست دير ياسين هي القرية الوحيدة التي سقطت ضحية الإرهاب الصهيوني، فهي ساعاتٌ مرت كالدهر على أهالي قرى القدس الغربية التي تحولت من ريفيةٍ ساكنة إلى ساحات دماءٍ وجثث ملقاة هنا وهناك، أما من سَلم من رصاص الجماعتين الصهيونيتين فلم يسلم من الطرد عن بيته ومسكنه، حيث كانت هذه العصابات المسعورة تلاحق المختبئين في المنازل وتطردُهم من منازلهم تحت تهديد السلاح.

 

النسف ثانياً

 

ولم تتوقف أيادي الصهاينة عند هذا الحد من الظلم، بل باشر بنسف القرى وتدميرها كي لا يبقي أثراً لمذابحه، وهو ما يؤكده عضو الهيئة الشعبية المقدسية إيهاب الجلاد لـ"الرسالة".

 

" الكثير من القرى تم نسفها مباشرة بعد طرد أهلها منها، فكانت العصابات الصهيونية تفجر منازلها وتمسحها عن الوجود مثل قرية لفتا، والكثير من المنازل أحرقت وتشوهت ملامحها العربية الأصيلة".

 

وليس هذا النسف والتدمير لغرض الاستيطان فيها بل هي مجرد وسيلة لقهر أهلها وإرهابهم بعدم العودة إليها، حيث تحولت 22 منها إلى محميات طبيعية لم تُسكن ولا يجرؤ المغتصبون على الاقتراب منها، بينما أمثال عين كارم ودير ياسين والمالحة وبيت مطاف وقالونيا وبيت محسير فتم شملها ضمن حالة الاستيطان الهستيرية.

 

ويوضح الجلاد أن أغلب الدراسات التي تعود أكثر من ستين عاماً إلى الوراء تفيد بأن معظم قرى القدس المهجرة تم احتلالها في الشهر السابع من عام 1948، أي بعد الهدنة الأولى وبعد أن قويت شوكة الاحتلال وزاد تسلّحُه المدعومُ من بريطانيا ودولٍ أخرى.

 

التخريب ثالثاً

 

أما يد الاحتلال المخربةُ فلم تدع شيئاً على حاله، وفي الآونة الأخيرة عاث فساداً في قرية صوبا المهجرة التي فوجئ بعض الزائرين إليها بأعمال هدم وحفريات داخل قلعتها الأثرية على قمة التلة وتناثر حجارتها، إضافة لحفريات عشوائية كبيرة داخل البيوت الأخرى للبحث عن الآثار، الأمر الذي دعا المؤسسات الحقوقيةَ المقدسيةَ إلى الطلب من أهاليها رفع دعوى قضائية ضد أنياب الاحتلال التي لا تريد تركَ أثر فلسطيني على هذه الأرض.

 

ويضيف الجلاد:" أثناء قيامنا بإحدى الجولات لاحظنا آثار تخريب على قلعة صوبا التي هجرت عام 1948 وعندما اقتربنا أكثر وجدنا آلات حفر صهيونية تنقب عن الآثار الفلسطينية، ووجدنا أنهم يشوهون المنظر العام للآثار والقصور القديمة والمنازل، ويعيثون فيها فسادا".

 

وعلى الرغم من كل المحاولات تبزغ خيوط الصمود المقدسي حتى على أرض هذه القرى، فيعمد المقدسيون إلى إحيائها في ذاكرة الأطفال وغرس مصطلحات العودة في عقولهم على أرض الواقع.

 

فيتابع الجلاد:" نحن ننظم زيارات دورية إلى هذه القرى تحت مسمى (سياحة الجذور)، ونربط الأطفال والكبار مرة أخرى بها عبر زيارتها وتعريفهم بتاريخها كما ننظم معارض صور لهذه القرى المهجرة ونحاول أن نبقي العقول الفلسطينية معلقة بها، كما نهدف إلى إقامة رابطة قرى 1948".

 

وهذه الرابطة تحتوي ممثلين عن كل القرى المقدسية المهجرة إضافة إلى باحث ومهتم بالمحافظة على رموز العودة، وتكون مهماتها الرئيسية الحفاظَ على ما تبقى من آثار القرى وتنشيطَ الزيارات لها بشكل دوري لربط الأجيال اللاحقة بما حلّ للأجيال السابقة.

 

وكما ملايين الفلسطينيين الذين رسموا بتهجيرهم حقاً آخر تغنّوْا به منذ اثنين وستين عاما.. وكما ملايين الفلسطينيين الذين لم تعد الدموع تسعفهم حين يستذكرون أوراقَ الزعتر الأخضر أو ثمرَ الزيتون المعلق أو قطوفَ العنب على دالية الساحة الأمامية تغطي حجر القدس المغبرّ أصالةً.. ما زال حلمهم قائماً بالعودة رغم كل شيء.

 

 

متعلقات

أخبار رئيسية

المزيد من سياسي

البث المباشر