إن كان هناك من هو معنيٌّ بالبحث عن دلائل على جنون التطرف الذي بات يميز قوى اليمين في إسرائيل، فإنه يجد هذه الدلائل في مواقف التيار الديني الصهيوني من العلاقة مع الولايات المتحدة. فإن كان لا يوجد ثمة خلاف حول الدور الحاسم الذي لعبته وتلعبه الولايات المتحدة في تأمين بقاء إسرائيل، ورغم الالتزام الأمريكي المعلن الصريح بضمان الحفاظ على تفوق إسرائيل عسكرياً وتكنلوجياً على كل الدول العربية، فإن الكثير من النخب التابعة للتيار الديني الصهيوني تدعو للاستغناء عن المساعدات الأمريكية، على اعتبار أن هذه المساعدات تقلص قدرة إسرائيل على بلورة سياسات مستقلة، سيما تقليص هامش المناورة المتاح أمام إسرائيل عندما تبحث خياراتها العسكرية في مواجهة العرب. وقد قال أبراهام دومب، الذي شغل في الماضي منصب مدير عام مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية إن الاعتماد على المساعدات الأمريكية يقيد حرية إسرائيل في شن الحروب، علاوة على أنه لا يمكن الوثوق بالمسيحيين. ولا تقبل المرجعيات الدينية الاعتماد على التحالف مع الأجانب، وتطالب في المقابل بالاعتماد على "الرب وأن التحالف مع الكفار قد يكون محفوفاً بالمخاطر، حيث أنه من الممكن أن يمتنع الرب عن مساعدة اليهود كعقاب".
فلم يتردد قادة المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية مؤخراً في توبيخ السفير الأمريكي في تل أبيب دان شابيرو لمجرد أنه عبر عن مواقف تنتقد التمييز ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وتسخير كل الإمكانيات هناك للمستوطنين اليهود. فعلى الرغم من أن شابيرو اليهودي لا يفوت فرصة دون التذكير بحقيقة أن الرئيس أوباما هو أكثر الرؤساء الأمريكيين "سخاءً" في دعم إسرائيل، إلا أن زعيمة المستوطنين في الضفة الإرهابية مريام فياس وصفت شابيرو بأنه "يهدون" (مصطلح يدل على التصغير والتحقير).
إن هناك تراثا طويلا من المواقف السلبية التي عكف قادة ونخب ومرجعيات التيار الديني الصهيوني على ترديدها اتجاه الولايات المتحدة. فقد بلغ الأمر إلى درجة عدم تردد التيار الديني الصهيوني في المس بالرموز الأمريكية رداً على إبداء الولايات المتحدة موقف من بعض السياسات الإسرائيلية. وقد وصف الحاخام عفوديا يوسيف زعيم حركة شاس السابق الرئيس الأمريكي باراك أوباما بـ "العبد" بسبب لون بشرته، رداً على مطالبة أوباما بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية قائلاً: "لا يمكن تحمل هذا الأمر، ألم يتبق إلا العبيد حتى يفرضوا إملاءاتهم علينا" . اللافت أن ملاحظات يوسيف التي أشارت إليها وسائل الإعلام الإسرائيلية لم تحظ بأي رد من الإدارة الأمريكية، مع العلم أن حركة "شاس" كانت تمثل في ذلك الوقت في الحكومة الإسرائيلية بأربعة وزراء. وقد نظم التيار الديني الصهيوني عشرات المظاهرات للتنديد بالانتقادات الخجولة التي تصدر عن الإدارات الأمريكية للبناء في المستوطنات اليهودية المقاومة على الأراضي الفلسطينية المحتلة. ففي أعقاب خطاب جامعة القاهرة الذي ألقاه الرئيس الأمريكي عام 2009، وطالب فيه بوقف الأنشطة الاستيطانية، نظم أتباع التيار الديني الصهيوني مظاهرة أمام السفارة الأمريكية في تل أبيب، حيث رفعوا مجسمات للرئيس الأمريكي باراك أوباما وهو يرتدي الزي الذي كان يرتديه عناصر جهاز الأمن الألماني في عهد هتلر المعروف بـ "أس . أس"، وفي مظاهرة أخرى رفعوا مجسمات لأوباما وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية، متهمين إياه بالتحيز للجانب الفلسطيني والعربي.
يتجاهل التيار الديني الصهيوني الدور البارز الذي تقوم به الإدارة الأمريكية في دعم المشروع الاستيطان؛ فالإدارة الأمريكية تعفي رؤوس الأموال اليهود الأمريكيين من الضرائب في حال قاموا بالتبرع للمشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، بحجة أن هذه التبرعات تذهب لأغراض خيرية؛ في نفس الوقت منعت الإدارات الأمريكية تمرير أي مشروع قرار في مجلس الأمن يدين الاستيطان اليهودي، مع أن الموقف الأمريكي الرسمي يعتبر الاستيطان يضر بفرص التوصل لتسوية للصراع.
وتنطلق بعض النخب في التيار الديني الصهيوني من موقفها من الولايات المتحدة على اعتبار أنها دولة في طور التفكك، وبالتالي يتوجب عدم الوثوق بها والرهان بدون تحفظ على التحالف معها. ويقول موشيه فايغلين، رئيس مجموعة "القيادة اليهودية"، أحد أهم المعسكرات داخل حزب الليكود الحاكم أن الولايات المتحدة تعيش حالياً حالة تفكك متواصلة على كل الأصعدة، وهذا بالضبط ما سيشجع المسلمين على التوجه للسيطرة على العالم؛ بالتالي فهو يستنتج بأنه يتوجب على إسرائيل أن تعد العدة للاستغناء عن الخدمات التي تقدمها الولايات المتحدة.