قائد الطوفان قائد الطوفان

سفارات السلطة.. صندوق الفساد الأسود

اغتيال الرفيق النايف في سفارة بلغاريا
اغتيال الرفيق النايف في سفارة بلغاريا

الرسالة- محمود هنية

أثارت حادثة اغتيال المناضل عمر النايف داخل مقر السفارة الفلسطينية في بلغاريا، التساؤلات مجدداً عن دور سفارات السلطة في خدمة القضية الفلسطينية، وسط سيل من الاتهامات والاستياء العام من تقصيرها وانتشار الفساد بصوره المختلفة فيها، لكنها مع ذلك تبقى صندوقًا أسودا يحوي كثيراً من الأسرار المغيبة عن الرأي العام الفلسطيني المشغول بهموم مواجهة الاحتلال من جهة وضنك المعيشة من جهة أخرى.

تلك التساؤلات حول دور السفارات الفلسطينية في الخارج، وطبيعة الأهداف والسياسات التي تحكمها، وكيفية اختيار السفراء والمحاصصة بين فصائل المنظمة بشأنها، تكاد تكون برسم الإجابة، لاسيما في ظل تعطيل متعمد لتفعيل منظمة التحرير كأحد أهم ملفات المصالحة الوطنية المنشودة في الساحة الفلسطينية.

معطيات عدة تشير إليها شخصيات سياسية وازنة عملت في السلك الدبلوماسي، كشفت عن قضايا فساد غير طبيعية تورط فيها بعض سفراء السلطة، بدءا من صفقات الأسلحة وبيوت الدعارة، إضافة إلى قضايا رشاوي وسرقة وابتزاز، وليس انتهاء بالتجاهل شبه التام لمعاناة الفلسطينيين في الدول التي يتعرضون فيها إلى صنوف من المعاناة.

وبحسب مصادر سياسية وزانة، فإن تورط سفارة السلطة في بلغاريا بتصفية النايف مرده اطلاع الأخير على تعاون أمني بين السلطة والموساد الإسرائيلي، وعندما أبدى انزعاجه من ذلك هددوه بالقتل، وقالوا له إن لم يعجبه ذلك فليغادر السفارة.

مزاجية وعشوائية

وقد اعترف سفراء للسلطة من بينهم السفير السابق عدلي صادق، بوجود حالة من الشخصنة والمزاجية والتعيينات العشوائية أو المدبرة عمدًا على صعيد تعيينات السلك الدبلوماسي الفلسطيني، مشيرا إلى وجود خلل أخلاقي لدى سفير السلطة في بلغاريا بشهادة من عمل معه.

وكشف صادق عبر صفحته الشخصية على الفيسبوك عن احتفاظه بأوراق تثبت تورط السلطة باستهداف وملاحقة سفراء والتضييق عليهم، إضافة إلى تعيين ما وصفهم بـ "السحيجة" في سفاراتهم للتنغيص عليهم وتدوين التقارير الكيدية ضدهم.

واعتبر أن جريمة اغتيال عمر النايف فرصة لإعادة النظر في كثير من الأمور على صعيد شبكة السلك الدبلوماسي. وشدد صادق، على ضرورة محاسبة السفير الفلسطيني في بلغاريا على سلوكه حيال الكادر والمواطنين الفلسطينيين، قائلًا "إذا لم يفعل الرئيس عباس ذلك، فإن السلطة ومنظمة التحرير تدفعان الثمن من خزانة رصيدهما الأدبي الذي لم يتبق فيها رصيد".

وأضاف أن حرم السفارة هو جزء من أرض فلسطين، وأن لدى كل سفارة في داخل حرمها ما يساعدها على تأمين حمايته، ومن فيه من تعديات مجرمين.

وعدّ اقتحام الموساد الاسرائيلي وبلا دبابات احتلالية حرم السفارة وقتل النايف "عار على السفارة وبلغاريا والسلطة والمنظمة"، مستهجناً تعامل السفير الفلسطيني في بلغاريا مع المناضل النايف.

ومن بين من كشفوا عن قضايا الفساد، كان الدكتور محمود العجرمي وكيل وزارة الخارجية السابق، والذي عمل مسؤولًا في سلك الخارجية لما يزيد عن عقدين قبل أن يعزله عباس لتعامله مع وزارة الخارجية التي شكلتها حركة حماس، ورفضه الانصياع إلى قرار التخريب الذي أصدره عباس آنذاك عام 2006م.

ويؤكد العجرمي للرسالة، أن بعض هذه السفارات جنت الملايين من الدولارات فقط من وراء فساد وسرقة المنح الدراسية التي لا تخضع لجهة حكومية بعينها، وتعود إدارة ملفها لأكثر من جهة، من باب تسهيل عملية السرقة.

وقال العجرمي، إنه على مدار العقود الماضية كان النصيب الأكبر من هذه المنح لأبناء ونجباء موظفي السفارات عدا عن أبنائهم الذين يستنزفون من ميزانية السلطة ملايين الدولارات، مشيرًا إلى أن قضية المنح تحولت إلى "بزنس" تتاجر به السلطة على حساب أبناء شعبها.

ولفت إلى أن بعض السفارات تحولت إلى سوق سوداء للتجارة من بينها المتاجرة بالسلاح كما الحال في الهند، واضطرت السلطة آنذاك لإقالة السفير خالد الشيخ بعد هذه الفضيحة، عدا عن فضيحة وجود سلاح داخل سفارة السلطة في التشيك قبل الإعلان عن اغتيال السفير هناك قبل عامين، وفق قوله.

ونوه إلى أن القيادي في حركة فتح ووزير الخارجية الفلسطيني الأسبق نبيل شعث شاهد على فساد سفارات السلطة في الهند، هذا عدا عن بعض السفارات التي تحولت إلى بيوت دعارة، مستشهدًا باجتماع عقد بينه وبين سفير الصين لدى السلطة الذي أبلغهم باقتحام الشرطة الصينية للسفارة الفلسطينية في بكين لاشتباههم بقضايا أخلاقية و"ايدز"، وطلب يومها من نبيل شعث عدم إثارة هذا الموضوع إعلاميًا حرصًا على سمعة الفلسطينيين.

ويكشف العجرمي للمرة الأولى أثناء عمله كمساعد لوزير الخارجية في الحكومة العاشرة، سرقة موظف من سفارة القاهرة لثمن تأشيرات وفيز مجانية من طاقم وزارة الخارجية برئاسة الدكتور محمود الزهار آنذاك، دون أن يتخذ بحقه أي إجراء من السفير في القاهرة وقتها.

وأضاف توجه وفد من رجال الأعمال في جنوب أفريقيا بشكوى شخصية له وللزهار يومها، ضد السفير هناك، حيث اتهموه بإغراق بلادهم بالسوق السوداء ومضاربتهم فيها، فضلا عن أوجه الفساد التي حقق فيها دون أن تخرج أي نتائج بشأن سرقة الملايين من الأموال في متاجرة سفارة السلطة بالأراضي في السودان والصومال، دون أن يعرف أين ذهب ريعها".

ويبيّن العجرمي عندما توجه بصحبة نبيل شعث إلى سفارة السلطة بكازخستان وجدها قد تحولت الى بيت دعارة بحسب شكوى رسمية قدمتها الدولة المضيفة آنذاك، فضلا عن بيع احدى سفارات السلطة في دولة افريقية في فضيحة سرعان ما لملمتها السلطة آنذاك.

احتكار لفتح تقريبا

ونوه العجرمي إلى أن غالبية من تم تعيينهم من السفراء هم من حركة فتح، باستثناء عدد قليل محسوب على فصائل المنظمة الأخرى، ومضى يقول: "يجب أن يحظى (من يتم تعيينه) على رضا وقبول من رئيس السلطة ولديه جهة مقربة من حركة فتح".

وقال أحد مستشاري السلطة السابقين -رفض الكشف عن اسمه -، أن المنظمة والسلطة متورطتان بما ما يجري بسفاراتهما في الخارج"، واصفا اياها بالمهزلة. وتابع متحدثاً عن وضع السفارات: "تحولت إلى حالة من التجارة والغش، مستغلين اسم القضية الفلسطينية باستمالة قلوب المحبين لها". وتعهد بأن يكشف للرسالة بالوثائق فضائح السلطة، مؤكدًا أن وزارة الخارجية في غزة، تملك وثائقًا فيها ملفات كبيرة عن الفساد، إلا أن جزء كبير منها قد تعرض للإتلاف في العدوان "الاسرائيلي" على قطاع غزة 2008م، ولم تكن مؤرشفة الكترونيًا.

وفي السياق، شنّ النائب عن حركة فتح في المجلس التشريعي في الضفة الغربية ناصر جمعة، انتقادًا لاذعًا لأداء وزارة الخارجية وسفاراتها في الخارج، مؤكدًا أن هذه السفارات تستغرق ميزانية ضخمة من السلطة.

وقال جمعة لـ "الرسالة"، إنّ الجهاز الدبلوماسي ومن يقف على رأسه رياض المالكي، تسببوا في قصور كبير، بل أبعد من ذلك الاساءة للقضية الفلسطينية العادلة".

وأوضح أن عددًا من السفراء تورطوا في تجاوزات وقضايا فساد في بلدان، تسببوا فيها بالإساءة للقضية. وأكد النائب عن حركة فتح، أن سفير السلطة في بلغاريا أحمد المذبوح، قد مارس ضغطًا شديدا على الشهيد عمر النايف وحاول ارغامه على مغادرة السفارة بدون الاهتمام في مصيره.

ويبقى ملف سفارات السلطة ينتظر من ينبش في أسراره الخطيرة، ويضع حداً لتجاوزات تشوه نضال الشعب الفلسطيني من قبل أشخاص نصبوا في مواقع دون مؤهلات سوى ولاءهم الحزبي لهذه الجهة أو تلك ما دامت تدور في فلك حركة فتح والسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس.

البث المباشر