قائد الطوفان قائد الطوفان

عبر الخط الساخن ..

تفكك عائلتها ونعتها "بالسوداء" جعلها عدوانية

338
338

غزة - مها شهوان

عبر الخط الساخن تنصت "الرسالة" إلى مشكلات عدة يعانيها سكان قطاع غزة ببعديها الاجتماعي والإنساني، والحالات التي يمر بها أي شخص نتيجة مشكلة ألمت به وسببت له تراكمات جعلته غير قادر على مواجهة نفسه ومجتمعه على حد سواء.

حكاياتنا التي ستنشر عبر الصحيفة، نستمع إليها برفقة مراكز الصحة النفسية في القطاع، ليس من أجل التسلية بل للوقوف عليها وأخذ العبرة منها، لاسيما وأنها قد تتناسب مع مشكلة يمر بها أحدنا نتيجة الضغوط التي يعانيها مجتمعنا المحاصر.

الاتصال الأول الذي استمعنا إليه، كان لمعلمة في احدى مدارس القطاع تشتكي طالبتها "داليا" ذات اثنتي عشرة ربيعا، حيث عجزت عن ضبطها داخل الفصل لعدائيتها الشديدة مع زميلاتها وتطاولها عليهن في حال لم تستجب احداهن للعب معها.

بعد البحث من قبل الاختصاصية النفسية، تم الوصول إلى بيتها، فتبين بأن حياتها بائسة ليس لسوء الوضع الاقتصادي، بل لأن من يقطنه يفتقرون للإنسانية ومعاني الحنان فيما بينهم، فالأب يضرب الأم يوميا، والجد يتحكم بأبنائه ويحرمهم المال وإن منحهم اياه يكون "بالقطارة".

أما داليا فهي الضحية، لا تجد من ينصت لمشاكلها أو يهتم بها، فدوما تعامل كما لو كانت فتاة عشرينية، يطلب منها القيام بأمور لا تقوى عليها كالوقوف بالمطبخ لمساعدة جدتها، أو التنصت على زوجات أعمامها ووالدتها ونقل ما يتحدثن به إلى جدتها مما يثير المشاكل ويعرضها للضرب المبرح من والدتها.

ملامح البراءة حاضرة على محيا الطفلة ذات التسعة اعوام، لكن أسلوبها العدواني يفوق عمرها بكثير فهي تنادي زميلاتها بالمدرسة بألفاظ نابية، ودوما تشعر بالغيرة منهن لاسيما بعد تراجع مستواها الدراسي بعدما كانت في الصفوف المتقدمة وتتميز بذكائها.

حاولت الاختصاصية الاجتماعية الانصات إلى "داليا" لكنها حاولت التهرب منها مرات عدة ولم ترغب بالحديث شيئا عن عائلتها، الا أنها وبعد مرور شهر بدأت تروي ما تواجهه في بيتهم.

بأسلوبها الطفولي تقول:" في حال تعارك والدي مع جدي يحرمه المال كونه يعمل لديه، ثم يأتي أبي يضرب والدتي فترحل عن البيت لأسابيع(..) ترفض والدتي اصطحابي واشقائي معها إلى بيت أهلها مما جعلني أعتني بهم في غيابها".

وتتابع وهي تلعب بدمية قدمتها لها معلمتها كنوع من التشجيع:" مجرد خروج أمي من البيت تأخذني جدتي لأبي وتبدأ بمقارنتي مع عمتي التي تكبرني بعام (..) دوما تعايرني بأنني سمراء وقبيحة بينما عمتي هي الأجمل والأكثر تفوقا".

وتروي "داليا" أنها حاولت كثيرا الحديث مع والدها للدفاع عنها، بعدما تتعرض للضرب من قبل عمتها وجدتها لكنه لا يستطيع فعل شيء فجدها سيطرده من البيت.

حاولت الطالبة أن تبوح كل ما في قلبها الصغير للمرشدة الاجتماعية في مدرستها علها تجد حلا لها لتعود لمستواها الدراسي وتعيش حياة طبيعية برفقة عائلتها.

بدورها تواصلت مرشدتها مع والدتها حتى التقتها في المدرسة، فتفهمت الأم طبيعة المشكلة وحاولت مساعدة طفلتها بتقليل حجم المقارنات في البيت وعدم اجبارها على الاهتمام بإخوانها كبديل عنها، بالإضافة إلى تشجيعها حسب قدرتها وطاقتها.

ووفق مرشدة المدرسة فإنه، بعد مرور أسابيع قليلة ظهر تحسن ملحوظ في سلوك الطالبة وأصبحت أقل عنفا مع زميلاتها، وباتت تهتم والدتها بمظهرها أكثر من السابق.

صدمات نفسية وعلاجها

أما الاختصاصية النفسية زهية القرا، التي تعمل في مركز غزة للصحة النفسية وتتابع حالة الطفلة "داليا" تقول:" بداية العلاج طلب من الطالبة أن ترسم ومن خلال رسمتها تبين أنها تعيش في صراعات عديدة في العلاقات داخل اسرتها الممتدة، مما أعطانا إضاءة للتعامل مع الوالدين وإدارة العلاقة مع الطفلة وإخوانها وعمتها، وكيفية إبعادها عنالصراعات التي تفقدها ثقتها بنفسها".

وبحسب متابعة القرا، تبين أن هناك تحسنا جيدا في حالة الطالبة رغم أنها لم تصل للأفضل، ويرجع ذلك إلى مستواها الذكائي والمشاكل المعقدة داخل الأسرة الممتدة التي تتحكم في اقتصاد وحياة الاسرة العاطفية، عدا عن المقارنات والنقد المستمر، مشيرة إلى أن حكاية "داليا" تتكرر مع كثير من الاطفال لاسيما عند مناداتهم بألقاب لا يحبونها.

وتؤكد الاختصاصية النفسية، أن تعاون الأهالي في تفهم مشاكل صغارهم يساعدهم على تخطيها، مشيرة إلى أن نجاحهم في إخراج أبنائهم من الصدمات النفسية التي يعيشونها تخفف عنهم في المستقبل.

البث المباشر